كفرشوبا تنتظر منذ 36 عاماً
كامل جابر
ليست هذه المرة الأولى التي ينتظر فيها أبناء كفرشوبا تعويضات الدولة، هم الذين تعود معاناتهم مع الاحتلال الاسرائيلي إلى عام 1969. منذ ذلك التاريخ وهم يعيدون بناء ما تهدّم من أموالهم في معظم الأوقات مراكمين في أدراج مؤسسات الدولة أموالاً لا يُفرَج عنها إلا بالقطارة
لا أثر لأعمال بناء مفترضة في كفرشوبا، عروس جبل الشيخ، التي أتى العدوان الاسرائيلي الأخير على نحو 111 منزلاً فيها. لا صوت هناك، على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر، أقوى من دويّ السكون. وتخلو البلدة إلا من وجوه تألف المقاومة والصمود، مثلما تألف غياب الدولة التي ماطلت وتماطل في دفع مستحقاتهم منذ عقود.
السؤال عن تعويضات ينتظرها الأهالي اليوم لا يمكن إلا أن يستبق بالحديث عن تعويضات الماضي. يترّحم أبناء البلدة على الراحلين من المزارعين الأوائل، الذين لم يتقاضوا ما لهم على الدولة من تعويضات مقررة منذ عام 1969، ثم في العام التالي 1970، وكذلك عام 1975، عندما دمّر العدو البلدة عن بكرة أبيها، وصولاً إلى عام 2006، وما بين كلّ هذه الأعوام من حلقات عدوان متواصلة ومدمرة.
ينهمك أحمد قاسم القادري هو وزوجته وعدد من أفراد عائلته في تقويم قضبان الحديد المستخرجة من بعض أكوام منزلهم المدمّر كلياً عند الأطراف الشرقية الجنوبية من كفرشوبا «لنستفيد منها، فلم يدفع لنا أي مبلغ حتى الآن علماً أن ملفنا كامل، وجرت إعادة الكشف عليه من جانب شركة خطيب وعلمي» يقول القادري ويردف: «تهدّم منزلي هنا عام 1975، وكذلك في حلتا (من مزارع كفرشوبا)، منذ ذلك الوقت يحقّ لي مبلغ 36 مليون ليرة لم أقبض منه قرشاً واحداً مع العلم أن ملفي وملفات نحو 134 عائلة أخرى موجودة منذ عام 1983. من ضيقتي، كنت أبيع قمح أولادي حتى أعدت بناء البيت شيئاً فشيئاً، وقد هدمه العدوّ ثانية، لأقع في همّ الانتظار من جديد».
وإذ يروي القادري كيف نجا 20 فرداً كانوا في البيت قبل إغارة الطائرات الحربية عليه، وغادروا قبلها، فيما أصيب ابنه نابغ بجروح عولجت في المستشفى، يشير الأخير إلى «أن هناك من قبض تعويضاً عن خمس وحدات سكنية، وهناك من لم يقبض قرشاً واحداً. هذه البلاد منسيّة. كشفت لجان تابعة لآل الحريري على كل البلدة، ولم ير أصحاب البيوت المتضررة قرشاً واحداً (من آل الحريري) حتى الآن، بينما دفع «حزب الله» أكثر من 700 ألف دولار في كفرشوبا، لو أن كل المرجعيات تقاسمت هذا الملف، لما بقي بيت واحد في كفرشوبا مدمراً حتى اليوم».
تتفاوت الآراء في البلدة حول تحديد الجهة التي ستعيد بناء البيوت المدمرة، متعاونة مع الدولة اللبنانية من خلال مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة. ففيما يؤكد العديد من المنتظرين للتعويضات، أن «السعودية» ستتكفل إعادة البناء والتعويض، يؤكد رئيس البلدية عزت القادري أنه لم يتبلّغ «ما يوحي بأن السعودية سوف تعيد بناء منازل كفرشوبا، أو ستعوض على المنازل المهدمة». موضحاً أن التعويضات التي بدأ الأهالي بتسلمها وصلت من مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة «دفعوا لنحو 600 منزل متضرر جزئياً مبالغ تراوحت بين مائتي ألف ليرة و14 مليون ليرة، وتجاوز المبلغ المدفوع إلى اليوم ملياري ليرة». ويشير إلى أن أصحاب البيوت التي تعرضت للهدم بدأوا بدورهم تقاضي التعويضات «تلقى عدد منهم الدفعة الأولى وقيمتها ثلاثون مليون ليرة، ولا يزال هناك 45 منزلاً «عالقاً» بسبب التدقيق».
ويرى القادري «أن فترة الانتظار طالت، يجب أن يحسم الأمر قبل انتهاء نيسان الجاري لأن من سيتلقى بعدها التعويضات المقررة، لن يتمكن من بناء بيته قبل عدة أشهر، وهذا يعني أنه لن يقطن بيته البديل قبل العام المقبل علماً أن المعاملات أنجزت ولا عذر للتأخير».
في انتظار الدولة، تلقت البلدة مساعدات فردية من «جهات خيرية إماراتية» قامت بترميم نحو 30 بيتاً ومحلاً تجارياً. ويتردد أن هذه الجهات ستقوم بترميم وإعادة بناء نحو مئة بيت فيها، منها 30 منزلاً مدمراً كلياً. وتقدّر المساحة المنوي إعادة بنائها بنحو 7000 متر مربع.
لا تقتصر مأساة كفرشوبا على الدمار الذي لحق بها، أو الإجحاف الذي حلّ بأهلها من جانب الدولة، بل في نزوح أبنائها عنها بحيث لا تتجاوز نسبة قاطنيها ربع أهلها «وليس بين القاطنين سوى ثلاثة مجازين فقط، الأمر الذي يعني أنه لا طبيب فيها ولا مهندس، وأن طاقاتها في خارجها، علماً أنها البلدة الثانية في قضاء حاصبيا من حيث تحصيل العلم، ففيها 143 مهندساً وطبيباً و600 من حملة الإجازة الجامعية» يقول رئيس البلدية. ويعيد سبب هذا النزوح إلى «استمرار العدوان وغياب حوافز العودة التي يجب أن تؤمنها الدولة» متسائلاً: «أين وزارة الشؤون الاجتماعية؟ أين خطة العودة؟ أين فرص العمل؟ المدرسة المؤهلة؟ الجامعة في المنطقة؟ الخدمات والوظائف؟ للأسف كلها غير متوافرة ولم تسع الدولة إلى تأمين اليسير منها يوماً، ربما لو أعيد بناء البيوت المهدمة، في الحد الأدنى، لكان هذا الأمر حافزاً لعودة أبناء كفرشوبا، إليها، شيئاً فشيئاً».
ليست المرة الأولى التي ينتظر فيها أبناء كفرشوبا «غوث» الدولة من التعويضات على المنازل المهدمة أو المتضررة. فمنذ عام 1975، وبعد العدوان الشهير على البلدة في 11 كانون الثاني الذي تسبب بتدمير عدد كبير من بيوتها، بقي 410 متضررين ينتظرون الحصول على تعويضاتهم المدرجة على جداول مجلس الجنوب ويمنّون النفس باقتراب موعد الدفع، أو استعادة ما دفعوه من مبالغ لإعادة تشييد ما تهدّم... قبل أن يتهدّم للمرة الثالثة.
محاولات القضم مستمرّة
تطلّ المواقع العسكرية الاسرائيلية على بلدة كفرشوبا. ومن تلال «السمّاقة» أو «رويسات العلم» تجري محاولات لا تنقطع لقضم بركتها في «بعثائيل» وكانت آخر محاولة الشهر المنصرم، حين حذّرت مواقع العدو من خلال قوات «اليونيفيل» المنتشرة هناك، الرعاة من الاقتراب من البركة المقصودة وطلبت الابتعاد عنها نحو كيلومتر نزولاً، مدعية أن البركة تقع ضمن الخط الأزرق. لكن «النية المبيتة هي إنشاء منطقة عازلة بين مركز قوات الطوارئ الدولية ومواقع العدو الإسرائيلي» بحسب رئيس البلدية عزت القادري.
الأهالي أبلغوا قيادة الكتيبة الهندية رفضهم هذا الاجراء التعسفي وبعد معاينة المكان، من جانب ضباط من الكتيبة الهندية والاسبانية وضباط من الجيش اللبناني، والتلويح بمؤتمر صحافي يعلن أن هناك اقتطاعاً جديداً للأرض على مرأى ومسمع الأمم المتحدة، وهو ما يشكل وصمة عار على جبين رئيسها الجديد بان كي مون، أبلغت «اليونيفيل» أهالي كفرشوبا أن باستطاعتهم الوصول إلى بركتهم...!!
يشار إلى أن قوات الاحتلال لا تزال تقتطع نحو ثمانية كم2 في مناطق: شمايس، مراح الفحول، شعب النعيز، مقلب الخرايب من ضمن 52 موقعاً لأبناء البلدة، يملكون حججها الكاملة.
ورشة يتيمة لا «تسندّ خابية»
تشهد كفرشوبا ورشة إعادة إعمار يتيمة لمبنى كان يتألف من أربع طبقات. وقد بادر صاحب المبنى يوسف عبد الله العقيبه مع أبنائه ببناء الطابق الأرضي منه، على نفقة العائلة التي تقاضت مبلغ إيواء من «حزب الله» عن ربّ العائلة وابنه فادي.
تقول الوالدة أم نزار: «بعد عودتنا من التهجير، قبض زوجي وابني فادي مبلغ عشرين ألف دولار من «حزب الله»، وباشرنا البناء فوراً علماً أننا كنا مقيمين طوال هذه المدة عند جيراننا».
تشــــــــرح السيدة سبب «العجلة» في البناء بعكس معظم الأهالي الذين ينتظرون تعويضات مجـــــــــــــلس الجنوب: «نحن أصحاب طرش (مواشي) ونعــــــــــــــتاش من هذه المهنة، شيّـــــــــدنا هاتين الغرفتين وأقمنا فيهما ونــــــــــنتظر مجلس الجنوب حتى يعيد أولادي بناء شققهم التي تهدمت».
يقطن في المبنى يوسف العقيبه وزوجته وتسعة من أبنائه مع سبعة أحفاد «كلّ شيء يتعوض، ما بينزعل عليه. الحمد لله ما صاب الشباب أي خدش، ابني كان بعده عم يقسّط ثمن عفشه (أثاثه) ودُكّ البيت على كل ما فيه، والله كريم» تردد الوالدة.
أما أبو نزار فيشكو: «عشرون ألف دولار لا تبني شيئاً، بعد العدوان كان ثمن طن الحديد نحو 600 دولار أميركي، اليوم قد يتخطى ألف دولار، ولا أدري ماذا ستبني المبالغ المقررة لنا، إذا دُفعت!».
بدأت «رحلة» بناء بيت عائلة العقيبه في عام 1982، جاهدت العائلة خلال عقود لتــــــــــبني البيت الذي بلغت مساحته أخيراً 650 متراً مربعاً «طارت كلها في لحظة واحدة، مع 300 رأس مـــــــاعز، أرسلناها إلى سوريا بعد ســــــــــاعات من بدء العدوان وبعناها بتراب المصاري» يقول أبو نزار ويتنهد بحسرة: «لا أدري لماذا تتعاطى الدولة معنا على هذا النحو، أنا على بــــــــيروت مــــــــا بعرف روح ولـــــــــيس لي إلا بيتي، فإلى متى الانتظار؟».
تعليقات: