هل يقاطع أبو جمرة بعبدا بعد السرايا؟


لم تطوِ نهاية العام الفائت أزمة نائب رئيس الحكومة اللواء عصام أبو جمرة، كذلك أجّلت أحداث غزة بتّها على قاعدة وعود رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة فؤاد السنيورة.

ولم تكن تنقص أزمة صلاحيات نائب رئيس الحكومة وما تمثّله من رمزية لموقع طائفة الروم الأرثوذكس في لبنان، إلا حملة إسرائيل العسكرية على قطاع غزة وتداعياتها على لبنان، لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير تفهّم أبو جمرة وانتظاره تحقيق الوعود.

قبيل نهاية العام الفائت، فاتح أبو جمرة الرئيس سليمان بعملية التسويف التي يمارسها السنيورة في شأن مطالبه، بعدما وعده بإدراجها على جدول أعمال مجلس الوزراء، الذي تتابعت جلساته دون أن تتضمن جداولها البند المذكور، لتبدد ثقة نائب رئيس الحكومة بوعود رئيسه، حتى أصبح بالنسبة إليه «خبير مناورات وهمية مكشوفة». ولم يكن أبو جمرة قد أعلن مطلبه قبل أن يتشاور مع سليمان الذي أبدى له تفهّمه له وتشجيعه على إثارته، قبل أن يعود الرئيس وينفي هذا الأمر إعلامياً بعد استيضاح السنيورة منه حقيقة موقفه.

وبعد قرار أبو جمرة مقاطعة جلسات الحكومة في السرايا، تعهّد له سليمان مجدداً حل هذه المشكلة، بدءاً بمنحه مكتباً في السرايا، ثم بتّ مسألة صلاحياته. وقبيل رأس السنة اندلعت أحداث غزة، وما لبثت أن ظهرت مسألة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل مترافقة مع الردود المدفعية الإسرائيلية عليها.

وفي جلسة الحكومة التي عقدت في بعبدا قبيل توجه سليمان والسنيورة إلى القمة العربية، عرض أبو جمرة الوضع السياسي، معتبراً أن الظروف في المنطقة غاية في التأزّم، ولبنان على كف عفريت ولا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور بعد إطلاق الصواريخ المجهولة المصدر لمرتين متتاليتين من الجنوب، مقابل التهديد الإسرائيلي بفتح جبهة ثانية مع لبنان، وسأل: «هل يجوز في ظل هذه الأجواء أن يغيب الرئيسان معاً عن البلاد؟ وما الذي يوجب ذلك؟»، وطالب ببقاء أحدهما في لبنان. وحيال إصرار الرئيسين على السفر في وقت واحد، سأل أبو جمرة مجدداً: «من يدعو الحكومة للاجتماع في غيابكما إذا وجّهت إسرائيل ضربة خاطفة إلى الجنوب؟ ألا ترون أن البلاد على كف عفريت؟ وأين مبدأ استمرارية السلطة؟».

لم يتجاوب أيٌّ من السنيورة أو سليمان مع دعوة أبو جمرة رغم انقسام الوزراء حيالها، وسافرا تاركين لبنان أمام أخطار محتملة، وصدر قرار الحكومة بسفر الرئيسين من دون أن يلحظ تولّي نائب الرئيس دعوة مجلس الوزراء للاجتماع الطارئ أثناء غيابهما.

لكن أبو جمرة كان قد اتخذ قراره بالمبادرة إلى دعوة مجلس الوزراء لاجتماع طارئ في غياب الرئيسين إذا ما حصلت أعمال عسكرية في الجنوب أو اضطرابات أمنية في البلاد، وذلك لضمان مبدأ استمرارية السلطة من جهة وللقيام بما يجب «دفاعاً عن أمن الوطن وأراضيه» من جهة أخرى، وهذا ما سيؤدي إلى سابقة ضرورية تسد ثغرة غياب الرؤساء في أوقات الخطر، فيتبوّأ نائب رئيس الحكومة الرئاسة من دون نص دستوري واضح، أو تعديل لمرسوم تسيير أعمال مجلس الوزراء.

بعد عودة سليمان والسنيورة من القمة العربية وانتهاء أزمة غزة، بات لدى أبو جمرة اعتبارات جديدة، فهو لن يقبل السكوت حيال تجاهل مطالبه، وبعدما كان السنيورة في نظره هو سبب أزمته ومانع حلّها، يتساءل نائب رئيس الحكومة عن حقيقة موقف رئيس الجمهورية منها وهو الذي أخذ حلّها على عاتقه منذ أكثر من شهرين دون أن ينفّذ تعهّده بدعوة السنيورة إلى منح نائبه مكتباً في السرايا، وتعديل المرسوم 92/2552، بل أبقى هذا الملف أسير درج مكتبه أسوة برئيس الحكومة.

أما الخيارات الباقية أمام أبو جمرة لحل أزمته الحكومية مع السنيورة فهي ثلاثة:

أولاً ــــ المضي في التصعيد وعدم التراجع عن مطالبه، ولا سيما أنه أقدم على خطوة مقاطعة جلسات الحكومة التي تعقد برئاسة السنيورة من دون تراجع.

ثانياً ــــ مقاطعة كل جلسات الحكومة سواء عقدت في السرايا أو في بعبدا أكانت برئاسة السنيورة أم سليمان.

وثالثاً ـــــ الاستقالة إذا لم يتجاوب الرئيسان مع خياره الثاني.

ويبدو أن أبو جمرة درس خياراته، فهو لا يخشى الاستمرار في مطالبه، لأن ليس لديه ما يخسره حكومياً إلا هذه المطالب، وهو لا يخشى أيضاً مقاطعة رئيس الجمهورية لأن سليمان تعهّد له تنفيذ مطالبه «المحقّة» ولم ينجز هذا التعهّد، وبالتالي فالمسألة ليست شخصية بينه وبين الرئيس، بل هي مرتبطة بموقعه وموقع تياره وطائفته في المعادلة السياسية وبدور رئيس الجمهورية على رأسها. كما أنه لا يخشى الاستقالة واتهامه بمخالفة اتفاق الدوحة، فهذه الاستقالة «ستنقص» فريق المعارضة لا فريق 14 آذار.

من الثابت لمَن يعرف أبو جمرة أنه يمضي في اقتناعاته حتى النهاية دون أن يؤثر عليه أحد، بمن فيهم العماد عون والتيار الوطني الحر أو حتى أبناؤه. ويرجّح تمسكه بموقفه تفاقم أزمته مع رئيس الحكومة مع اقتراب موعد الانتخابات، ولا شك أن وجوده خارج الحكومة يحرّره من مراعاة رئيس الجمهورية ويطلق يديه في مهاجمة السنيورة لتصبح هذه القضية عنواناً رئيسياً وهدفاً مركزياً للتيار وحلفائه الذين سيجعلون منها مطلباً لرفع التهميش عن طائفة أساسية من الطوائف اللبنانية.

تعليقات: