المطران كبوجي وعدد من المتطوعين الذين كان يفترض أن يكونوا على السفينة قبل انطلاقها
بعد ساعات من الانتظار، «طلّوا...» عند الثالثة من فجر اليوم. اللبنانيون الثمانية الذين كانوا على متن سفينة الأخوّة لم يكسروا الحصار عن غزة، لكنهم ذاقوا بعضاً من مرارة الأسر، وتعمّدوا بهواء فلسطين، قبل أن يعودوا إلى الناقورة برواية لا تتماثل تماماً مع تلك التي تناقلتها وسائل الإعلام
بوجوه ذابلة تعاند التعب، رفع العائدون أياديهم في الهواء بإشارات النصر تفاعلاً مع تصفيق المستقبلين الحاد. «سنعود مجدداً»، قالوا.
«عصبوا أعيننا، حققوا معنا، فصلونا بعضنا عن بعض واستجوبونا لكننا رفضنا الرد على جميع أسئلتهم، اعتدوا علينا بالضرب، صادروا أوراقنا الثبوتية ومعدات التصوير والأشرطة التي كانت معنا»، أضافوا.
على هواء قناة «الجزيرة»، نقلت بشرى عبد الصمد من الناقورة مباشرة شهادات مراسلة القناة سلام خضر والمصور محمد عليق، ومراسلة قناة «الجديد» أوغاريت دندش، ومنسّق الرحلة هاني سليمان.
«اعترضتنا الزوارق الإسرائيلية في المياه الإقليمية المصرية، فتحت النار علينا ثلاث مرات، وقد وجّه القبطان نداءً للسلطات المصرية لكنها لم تردّ علينا» أجمعوا.
العائدون من رحلة كسر الحصار الإسرائيلي على غزة عادوا بالرواية الأصلية التي حوّرتها وكالات الأنباء حين تناقلت بيان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الذي نفى أن يكون جيشه قد أطلق النار على السفينة، والتي روّجت أن اقتحام السفينة قد تم في المياه الدولية.
بدأت قصة الباخرة نهار الاثنين. كان يوماً طويلاً من الانتظار، تخللته تسويات أدّت تارة إلى تبديل السفينة «ظافر» بقرينتها «تالي»، وتارة ثانية إلى استبعاد الكثير من الناشطين والإعلاميين الذين كانوا يحلمون بوطء تراب غزة المخضّب بالدماء. وقبل أن يبزغ فجر الثلاثاء، كانت سفينة «الأخوّة» تبحر من مرفأ طرابلس باتجاه قطاع غزة، محمّلة بأسلحة فتاكة: 18 راكباً أعزل، ما بين ناشط وإعلامي وطاقم، وأطنان من المساعدات الغذائية والطبية جمعتها لجنة كسر الحصار عن غزة، و1500 وحدة دم تبرّع بها لبنانيون من أوردتهم، و140 لعبة اختارها 140 طفلاً فلسطينياً مصاباً بداء السرطان في القطاع وطلبوها من جمعية «طفولة اللبنانية» التي كانت تتواصل معهم عبر الإنترنت.
قبلها بأيام، كان ثمانون راكباً قد أودعوا جوازات سفرهم في الأمن العام للحصول على التأشيرات اللازمة، بينما تفرّغوا لتحضير أمتعتهم «الاستثنائية» التي ستساعدهم على قضاء أيام طويلة على متن باخرة «ظافر» المعدة لشحن البضائع. كان السفر مقرراً نهار الجمعة.
ولكن، بما أن «الرياح تجري بما لا تشتهي السفن»، فقد أجّلت العاصفة التي هبّت على لبنان عند نهاية الأسبوع الماضي انطلاق الباخرة حتى يوم الاثنين في الثاني من شباط.
صباح ذلك اليوم، توجه الجميع نحو عاصمة الشمال، طرابلس. وفي مرفأ المدينة، وضعوا أمتعتهم على الأرض، وانتظروا، بقلوب تخفق حماسة، تحميل الأطنان السبعين من المواد الغذائية على ظهر السفينة، وتسلّمهم لأختام الأمن العام على جوازاتهم. «جرّة قلم» أخيرة تفصل بينهم وبين بدء الرحلة.
حمّلت الحمولة. لكن الجوازات لم يفرج عنها، وبدلاً من تسلّمها، تلقّف المسافرون الأخبار السيئة التي حملها لهم عضو اللجنة اللبنانية لكسر الحصار عن غزة، الوزير السابق بشارة مرهج الذي كان في الميناء لتوديعهم، ورئيس المنتدى القومي العربي معن بشور. فقد أبلغاهم أن «السلطات اللبنانية غير موافقة على انطلاق الباخرة لأنها لا تراعي شروط السلامة العامة. هناك بعض الإشكالات المحيطة بالسفر على متنها، ولذلك ستُستبدل بباخرة أخرى».
أنزلت الحمولة إثر ذلك عن «ظافر» وحمّلت على «تالي»، وطلب من المسافرين وضع أمتعتهم على متن الباخرة الثانية والانتظار على رصيف الميناء.
كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة عصراً، حين تواصل مسلسل الأخبار السيئة، إذ أفاد بشور الجمع بأن هناك قانوناً دولياً يمنع الأفراد من ركوب باخرة معدّة لنقل البضائع، وبأن السلطات اللبنانية لن تقبل بسفرهم على متنها لأنها «حريصة على عدم إعطاء الفرصة لإسرائيل للتملص من إثباتنا لاستمرار حصارها للقطاع من خلال اتهامنا من سلطات دولية بخرق قانون الملاحة الدولي» كما أفاد لـ«الأخبار» المتطوّع عربي العنداري، الذي كان بين صفوف المسافرين ولم تسنح له فرصة المشاركة في الرحلة.
تلقى المسافرون الخبر بغضب؛ فنوع الباخرة كان معروفاً من قبل، ولم يكن مفاجأة. كذلك، وبما أن الباخرتين معدّتان لنقل البضائع، لماذا اختلفت حجة السلطات من «شروط السلامة العامة بالنسبة للباخرة الأولى» إلى «قانون الملاحة الدولي بالنسبة للباخرة الثانية». مقارنة دفعت بالمشاركين إلى ترجيح أن يكون دافع السلطات سياسياً، وخصوصاً أن «من المستبعد أن يكون الحريصون على عدم خرقنا للقانون الدولي من السياسيين عاجزين عن تأمين باخرة بديلة لنا، تكون مخصصة للأفراد، بالإضافة إلى أنهم كانوا يعلمون بأنها باخرة شحن منذ البداية، فلماذا تسلّموا أوراقنا وجميع التراخيص وتركوا إعلامنا بأنها غير صالحة للسفر حتى آخر لحظة؟» كما يقول العنداري.
عندها، دارت نقاشات طويلة أجراها الركاب، درسوا خلالها إمكان لجوئهم إلى الاعتصام في المرفأ حتى نيل الموافقة على صعود الجميع إلى متن الباخرة، وتخللها تبلّغهم اتصال متموّل فلسطيني عرض خلاله تبرعه بالمال اللازم لتنظيم الرحلة على متن باخرة ركاب. إلا أن ذلك كان يعني تأجيل الرحلة لأيام، ما دفعهم إلى تفضيل التصرف بما هو متاح تحت شعار «عصفور باليد ولا عشرة عالشجرة». أما المتاح، فقد كان التفاوض على عدد الركاب المسموح لهم بالصعود إلى متن السفينة. هنا، ووسط الإحباط الذي سيطر على نفوس المجتمعين، اختير المسافرون بحسب معايير سفينة نوح في التنوع: مطران القدس في المنفى هيلاريون كبوجي، ورئيس رابطة علماء فلسطين الشيخ داوود مصطفى، والشيخ صلاح الدين العلايلي، وهاني سليمان منسّق الرحلة ورئيس لجنة حقوق الإنسان في المنتدى القومي، وأربعة إعلاميين سيسهّلون، بوسائل الاتصال المزوّدين بها من قبل محطات التلفزة التي يمثلونها، نقل تفاصيل الرحلة بالصوت والصورة: المراسلة سلام خضر والمصور محمد عليق من قناة «الجزيرة»، ومراسلة قناة «الجديد» أوغاريت دندش مع المصور مازن ماجد.
في تلك الأثناء، تسلّم المحتشدون جوازات سفرهم من الأمن العام، عذراء، لا يلطّخها حبر كان بمثابة سدرة المنتهى بالنسبة إليهم، طوال الساعات التي انقضت. تلاشى حلم الركاب، ومعه أمتعتهم التي بدأ أشخاص يرتدون اللباس المدني، مجهولو الهوية، يرمونها من على متن السفينة بطريقة همجية.
كالعسكر المهزوم، عاد الناشطون إلى بيوتهم بعد قضاء يوم بحري طويل أنهكهم، وانطلقت السفينة فجر الثلاثاء تشق العباب نحو المجهول. المحطة الأولى كانت لارنكا. هناك، بعدما فتّشت السّلطات القبرصية الباخرة وتأكدت من عدم احتوائها على الأسلحة، تابعت «تالي» رحلتها بعدما انضمّت إلى ركّابها ناشطة بريطانية. ومع مغادرة الشواطئ القبرصية، بدأت المرحلة الأصعب من الرحلة، إذ سرعان ما اعترض زورقان إسرائيليان مساء الأربعاء الباخرة وهي لا تزال في المياه الدولية تحاول شق طريقها نحو مياه شمال فلسطين الإقليمية، طالباها بالعودة باللغتين، الإنكليزية أولاً وبعدها العربية، بينما حلقت فوق ركابها مروحيات العدو، مطلقة فوقها قنابل مضيئة. لكن التهديدات، بجميع اللغات، لم تثن طاقم السفينة وركابها عن متابعة ما جاؤوا لتحقيقه؛ فبعدما ابتعدت الباخرة قليلاً في الليل، عادت فجر أمس، الخميس، وحاولت مجدداً الوصول إلى شواطئ غزة، إلا أن العدو كان لها بالمرصاد، إذ ما إن دخلت المياه الإقليمية للقطاع، من ناحية منطقة العريش على الحدود المصرية، حتى اقتحمها الجنود الصهاينة واعتدوا على ركابها بالضرب وحطموا ما استطاعوا إليه سبيلاً منها، كما أفادت مراسلة «الجزيرة» سلام خضر قبل انقطاع الاتصال بها مباشرة، ونقل وسائل الإعلام لاحقاً لخبر أسر السلطات الإسرائيلية للركاب.
ما إن شاع خبر الأسر، حتى استنفرت جهات رسمية وحزبية وأهلية مختلفة في لبنان، معبّرة عن استنكارها، ومحذرة إسرائيل من التعرض للأسرى مع تحميلها مسؤولية أي سوء يلحق بهم.
وفي اتصال أجرته معه «الأخبار»، رفض بشور الدخول في تأويل خلفيات العراقيل التي كانت الباخرة قد تعرضت لها قبل انطلاقها من مرفأ طرابلس، مؤكداً أن «موقف الحكومة اللبنانية كان جيداً»، ومضيفاً «أن الرحلة قد حققت أهدافها، المتمثلة في فضح الانتهاكات الإسرائيلية لجميع الشرائع، واستمرار حصارها على غزة. فقد كان مطلوباً أن تتعرض الباخرة لما تعرضت له من قرصنة إسرائيلية، لنفضح ممارسات العدو أمام العالم، ولنؤكد لأهالي غزة أننا معهم».
لم تكن الجهات الرسمية وحدها من تتبع أسر ركّاب سفينة الأخوّة على الشاشات؛ فلهؤلاء أهال، منهم من تماسك أمام مصير أبنائه المجهول، ومنهم من أخفي الأمر عنه لكبر سنه وعدم تمكنه من تحمّل الخبر لو عرف به.
بصوت يرتجف أجابت زوجة مصور «الجزيرة» محمد عليق على اتصال «الأخبار»: «مخنوقة... بس الاتكال على الله». كان أبناؤها الأربعة قد عادوا من مدارسهم، وتسمّروا أمام التلفزيون بانتظار معلومات جديدة عن والدهم بينما كانت معهم، تحتضن جهاز التلفون في انتظار مكالمات مكتب «الجزيرة» لها تطمئنها من حين لآخر. أما والدة محمد، المرأة الجنوبية المسنّة، فقد قضت نهارها تطل كل خمس دقائق على ابنها عدنان في الغرفة المجاورة، تسأله عن الأخبار وهي تبكي متضرعة بالدعاء لسلامة ولدها، فيجيبها: «بتنحل العصريات انشالله يا إمي». عدنان، أخو محمد، أسير سابق في السجون الإسرائيلية، لم يطلق العدو سراحه إلا بعدما حرمه تعذيبهم إياه من السير على قدميه. ينطلق من خبرته بهم ليجزم: «إسرائيل فوق القوانين، ولا أستبعد عنهم شيئاً... لكن الاتكال على الله. وبدل مواقف الشجب الرسمية المتتالية، يجب أن يركب جميع المعنيين بواخر ويلحقوا بسفينة الأخوّة لنصرة أهالي غزة».
نمط التعاطي الإسرائيلي
تابع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان تطورات أسر «الأخوّة اللبنانية»، فأجرى اتصالات بالرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة والوزير فوزي صلوخ. وندد سليمان بالاعتداء الإسرائيلي، مشيراً إلى أن ذلك يدل إلى نمط التعاطي الإسرائيلي، محمّلاً العدو المسؤولية الكاملة عن سلامة الركاب وكرامتهم.
كذلك أكد سليمان ضرورة رفع الحصار عن غزة، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان.
وكان سليمان قد تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس سليم الحص الذي أشار إلى تلمسه من سليمان «اهتماماً شديداً بهذا الأمر وعزماً على التحرك لإنقاذ السفينة والمحافظة على سلامة القيّمين عليها وتحقيق المهمة التي انطلقت من أجلها».
أميركا تتحمّل المسؤوليّة
أثار أمس الرئيس نبيه بري قضية أسر ركاب السفينة مع سفيرة الولايات المتحدة ميشيل سيسون خلال زيارتها عين التينة. وطلب بري من الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لإخلاء سبيل السفينة وركابها، محملاً الإدارة الأميركية مسؤولية سلامتهم، ومشدداً على وجوب وضع حد لهذه الممارسات الإسرائيلية. واتصل بري بالمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز وأثار معه هذه القضية، كذلك تلقى اتصالاً من المطران هلاريان كبوجي والمحامي هاني سليمان الموجودين على «الأخوّة اللبنانية».
الضغط لإيصال المساعدات
أجرى الرئيس فؤاد السنيورة اتصالات هاتفية بالجهات الأميركية المختصة وأبلغها استنكار لبنان ورفضه لاحتجاز إسرائيل باخرة الأخوّة وركابها.
وطالب السنيورة بالضغط على إسرائيل للإفراج عنهم، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، محملاً إسرائيل مسؤولية سلامة الركاب والباخرة. وكان السنيورة قد باشر اتصالاته ليل يوم أول من أمس، فعرض الموضوع مع وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط والدوائر المختصة في الأمم المتحدة وفرنسا.
إسرائيل لا تريد سفينة لبنانيّة في القطاع
غزة ـ قيس صفدي
دانت الحكومة الفلسطينية المقالة عملية «القرصنة البحرية» التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في اختطاف سفينة «الأخوّة» اللبنانية. ورأى المتحدث باسم الحكومة طاهر النونو أن «هذا التصرف العدواني الإسرائيلي تكريس لسياسة الحصار الظالم التي تمارسها قوات الاحتلال بحق شعبنا واعتداء صارخ على حرية الملاحة البحرية إلى القطاع وتندرج في إطار القرصنة». وحمّل النونو في بيان صحافي «الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن سلامة طاقم السفينة وأي ضرر يلحق به»، داعياً «المجتمع الدولي إلى لجم هذه الممارسات الإرهابية للاحتلال وقواته ومعاقبتهم على هذه القرصنة العلنية». وشدد على أن «هذا التصرف الأهوج لا يدلّل على نيات جدية لدى الاحتلال في التوصل إلى تهدئة حقيقية بل يشير إلى النيات المبيّتة تجاه القطاع، والعمل على تكريس الحصار وزيادة معاناة شعبنا».
وكان حشد من الفلسطينيين في مقدمهم رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار النائب المستقل جمال الخضري في انتظار السفينة اللبنانية في ميناء غزة، قبل أن ترد الأخبار عن اعتراضها واختطاف قوات الاحتلال لها. ووصف الخضري لـ«الأخبار» اختطاف السفينة بأنه «عملية خطيرة» تجاوزت فيها دولة الاحتلال الخطوط الحمر، وأرسلت رسالة واضحة بأنها «ماضية في حصارها لمليون ونصف مليون فلسطيني في غزة». وقال: إن «إسرائيل لا ترغب في أن ترى سفينة لبنانية ترسو في ميناء غزة»، مضيفاً إن في اختطاف السفينة رسالة إرهاب من الاحتلال لكل من يفكر في كسر الحصار الظالم عن غزة. وأضاف: إن «الاحتلال يحاول بمنعه السفينة إغلاق هذا الباب لكسر الحصار»، مؤكداً أن «إغلاق هذا الباب «انتفاضة السفن» لن يأتي إلّا برفع الحصار رفعاً تاماً وفتح المعابر ومنح حرية الحركة للشعب الفلسطيني».
وشدّد الخضري على أن «إسرائيل خرقت خرقاً فاضحاً المواثيق الدولية باختطاف السفينة»، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل فوراً للإفراج عنها والسماح لها بالوصول إلى غزة، مثمّناً صمود ركاب السفينة وجرأتهم، وقال: «إنهم قاموا بخطوة جبارة للوصول إلى غزة في ظل ظروف صعبة ومعقّدة».
وحمّلت الحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار قوات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة ركاب وطاقم السفينة وسلامتهم.
وأكدت الحملة في بيان لها أن من «حق سفينة الأخوة اللبنانية التي تنفّذ مهمة إنسانية وتضامنية الوصول إلى قطاع غزة حيث تحمل على متنها عدداً من الشخصيات اللبنانية والفلسطينية وصحافيين، إضافةً إلى طاقم السفينة وأكثر من ستين طناً من المساعدات الإنسانية والطبية».
وأقرّ جيش الاحتلال في وقت لاحق بأنه لم يعثر على أي أسلحة على متن السفينة. ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مصادر الجيش قولها إن تفتيش السفينة أفضى إلى العثور على 150 قنينة مياه شفة وبضع عشرات من الكيلوغرامات من المواد الغذائية والأدوية.
ووفقاً لمصادر الاحتلال، كان على متن السفينة 18 شخصاً، بمن فيهم أعضاء الطاقم الملاحي. ووصف الجيش سلوك السفينة بأنه «استفزازي».
وتوقفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عند وجود الأب هيلاريون كبوجي على متن السفينة، وذكرت أنه كان معتقلاً في إسرائيل بتهمة تهريب السلاح إلى منظمة التحرير الفلسطينية عبر معبر اللنبي مع الأردن حين كان يقيم في إسرائيل بوصفه مبعوثاً من الكنيسة الكاثوليكية في آب 1974، واعتُقل وحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً أمضى منها 3 أعوام قبل أن يُطلق سراحه بطلب شخصي من البابا في حينه.
تنديد بـ«القرصنة الإسرائيليّة»
وصلت قضية سفينة «الأخوّة» إلى مجلس الأمن وتفاعلت، حيث قدّم سفير الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة، يحيى محمصاني، رسالة إلى الأمانة العام طالب فيها بالإفراج الفوري عن سفينة الأخوّة وطاقمها وركابها. وكشف محمصاني لـ«الأخبار» عن أنه تلقى وعداً من الأمانة العامة بمتابعة القضية عبر وكالات الأمم المتحدة في المنطقة. وعلى صعيد آخر رفض المتحدث باسم الأمين العام بان كي مون، فرحان الحق، التعليق على الموضوع، مشيراً إلى أنه شأن ثنائي، فيما أكد مندوب روسيا، فيتالي تشوركين، عقب جلسة تشاور بشأن الوضع في السودان، أن أياً من الوفود لم يثر الأمر في المجلس.
وأمام هذه الحركة العربية واللبنانية الخجولة، تتابعت داخلياً المواقف المنددة بعملية الاختطاف، فأجرى وزير الخارجية، فوزي صلوخ، مجموعة من الاتصالات أكد فيها أنّ عملية الاختطاف «تمثّل انتهاكاً إضافياً من إسرائيل للقانون الدولي والإنساني» داعياً المجتمع الدولي إلى «الضغط على إسرائيل لفتح المعابر وفك الحصار المفروض على غزّة». كذلك اتصل صلوخ بسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن العاملين في لبنان، وبالسفير المصري، أحمد البديوي، طالباً منه نقل رسالة إلى وزير الخارجية المصري «للقيام بما يلزم لإنقاذ الباخرة وإيصال المساعدات إلى غزة».
كذلك أدان الرئيس عمر كرامي «العمل الإرهابي والإجرامي الذي قامت به إسرائيل باعتراضها سفينة الأخوّة التي تحمل مساعدات إنسانية»، وطالب كل الدول والمنظمات الدولية بالتدخل الفوري للإفراج عن السفينة ودعا إلى «محاكمة إسرائيل على كل أعمالها الهمجية والبربرية».
وأكد الوزير محمد الصفدي «أن الحكومة قامت بكل ما يلزم من اتصالات لدى الجهات الدولية» للإفراج عنها، محمّلاً إسرائيل مسؤولية أيّ أذى قد يلحق بركاب السفينة المحتجزين.
كلك ندّد الوزير إبراهيم شمس الدين بـ«القرصنة البحرية التي مارسها الإسرائيليون» بحق السفينة، مشيراً إلى أن الأمر «امتداد للعدوان الإسرائيلي على غزة». وطالب شمس الدين الهيئات الدولية «بالتحرك للاطمئنان إلى وضع طاقم السفينة، والعمل لفك أسرهم وتوفير حمايتهم وإعادتهم سالمين إلى بلدهم».
من جهته حيّا النائب أسامة سعد «الشجعان الذين أرادوا أن يعبّروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المحاصر، ونفتخر بشجاعة الذين رافقوا سفينة الأخوة».
وشدد رئيس التجمع الشعبي العكاري النائب السابق وجيه البعريني على «أن العدوان الذي مارسه الصهاينة على باخرة الأخوّة، إنما يؤكد الطبيعة الإجرامية لهذا العدو الغاصب»، مؤكداً تضامنه الكامل مع من قادوا هذه الحملة. ودعا المؤسسات الأهلية والمسؤولين إلى التحرك السريع ردعاً لهذا العدو.
واستنكر الحزب الشيوعي الحادثة، داعياً إلى تحرك داخلي ودولي «لإدانة إسرائيل على جرائمها وقرصنتها وسجلها الحافل في انتهاك القوانين الدولية»، ورأى في تغطية المؤسسات الدولية وعدم إدانتها لإسرائيل على جرائمها تشجيعاً لها ولسياساتها العدوانية».
من جهته، أكد «تجمع العلماء المسلمين» في بيان «أن الكيان الصهيوني الغاصب أثبت أنه دولة مارقة خارجة عن القانون الدولي والقيم الإنسانية، وأضاف في سجله الإجرامي الحافل، جريمة القرصنة لسفن المساعدات الإنسانية والاختطاف لمتضامنين إنسانيين وإعلاميين». وحذر التجمع العدو الصهيوني من خطر هذه الجريمة التي ارتكبها، ومن مغبة التمادي فيها، مؤكداً «حق كل الشرفاء في العالم في أداء واجبهم الإنساني في مد يد العون للمستضعفين والمظلومين في أي مكان في العالم، ولا سيما في غزة الجريحة».
كذلك أصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي بياناً وصف فيه حدث «الأخوّة» بـ«العمل الإرهابي بامتياز، يخالف أبسط قواعد القانون الدولي ويعكس طبيعة الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة». وحمّل البيان «إسرائيل المسؤولية كاملة عن حياة ركاب السفينة، ويدعو الهيئات الإنسانية الدولية للتدخل السريع من لحماية حياة الركاب». ورأى الوزير السابق بشارة مرهج أن «الهجوم السافر الذي نفذته البحرية الإسرائيلية دليل على تصميم إسرائيل على تشديد الحصار على غزة لابتزازها بغية القبول بشروط لا يمكن أن يقبل بها أي طرف ملتزم بإرادة شعبه».
وطالب النائب السابق، بهاء الدين عيتاني، المجتمع الدولي ومؤسساته «وفي مقدمتها الأمم المتحدة إلى أوسع تحرك لإيقاف التهديدات وأعمال القرصنة وممارسة الضغط على الكيان الإسرائيلي لوقف اعتداءاته». وأشار عيتاني إلى أنّ «سفينة الكرامة العربية هي أدق تعبير عن الموقف اللبناني والعربي المتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر».
كذلك استنكر عضو المكتب السياسي في الجماعة الإسلامية، علي الشيخ عمار، الاعتداء الإسرائيلي، وشدد على أن الحادثة «جريمة مستنكرة تستهدف لبنان، وتستهدف القيم الإنسانية وحاجة الإنسان إلى أخيه الإنسان في ظروف مأسوية»، موجهاً تحذيراً إلى «العدو الصهيوني من الإقدام على أية مغامرة غير محسوبة، أو ارتكاب حماقات والإساءة إلى المواطنين الموجودين على متن سفينة الأخوة».
وأبدى رئيس حزب الحوار الوطني المهندس فؤاد مخزومي شديد الاستنكار لتعرّض قوات الاحتلال الإسرائيلية لسفينة الأخوّة، لافتاً إلى «أن هذه السفينة ترمز إلى معنى حضاري، وهي تقل رسل محبة وسلام من لبنان إلى أهلنا في فلسطين».
وحيّا مخزومي «شجاعة المطران هيلاريون كبوجي والشيخ داوود مصطفى والشيخ صلاح الدين العلايلي، ومرافقيهم من النشطاء والصحافيتين اللبنانيتين على متن السفينة». وأشار النائب البطريركي العام للروم الكاثوليك، المطران يوحنا حداد، إلى أن أسر طاقم السفينة انتهاك إسرائيلي جديد للقوانين الدولية والإنسانية ضد «مبادرة إنسانية تجاه الشعب الفلسطيني في غزة».
على صعيد آخر، تلقى منسق لجنة المبادرة الوطنية لكسر الحصار عن غزة، معن بشور، اتصالاً هاتفياً من النائب البريطاني جورج غالاواي، أبدى الأخير فيه تضامنه الكامل مع ركاب سفينة الأخوّة اللبنانية الذين اختطفتهم البحرية الصهيونية. وأرسل غالاواي إلى بشور نص الرسالة التي أرسلها إلى وزير خارجية بريطانيا.
تعليقات: