اللواء الركن السيّد عندما كان عقيداً في الجيش
المحكمة الدولية الخاصة على الأبواب، وكذلك الانتخابات النيابية. وبما أن طرفي النزاع السياسي في لبنان يحاولان استثمار أي حدث كل لمصلحته، يبدو فريق الادّعاء السياسي للقضية معوّلاً على انطلاق المحكمة الدولية لتثميرها في الحملة الانتخابية. وبعد انطلاق المحكمة، سيحال ملف التحقيق اللبناني، مع الموقوفين في القضية، على المدعي العام الدولي. فهل سينجح البعض بتأخير هذه الخطوة؟
هل يمكن إبقاء الموقوفين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في السجن اللبناني حتى ما بعد الانتخابات المقبلة؟
الجواب عن السؤال المطروح مرتبط بشأنين رئيسيين، الأول قانوني ــــ حقوقي، والثاني إجرائي ذو بعد سياسي. ويمكن لطارح هذا السؤال على عدد من المعنيّين الحصول على الجواب الآتي: هناك إمكانية كبيرة لإبقاء الموقوفين السبعة (الضباط الأربعة والأخوين أحمد ومحمود عبد العال وإبراهيم جرجورة) خلف قضبان المبنى الخاضع لحراسة فرع المعلومات في السجن المركزي في رومية، حتى ما بعد الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها يوم 7 حزيران المقبل، أو على الأقل، إبقائهم إلى فترة قريبة من موعد الانتخابات، لكي يضمن فريق الادّعاء السياسي ألا يكون المدعي العام الدولي وقاضي ما قبل المحاكمة قادرين على بتّ طلبات إخلاء السبيل التي سيقدّمها لهما وكلاء الموقوفين.
معالجة هذه القضية تبدأ من المادة الرابعة من النظام الأساسي للمحكمة الخاصة بلبنان، الملحق بقرار مجلس الأمن رقم 1757 (2007)، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة المذكورة على الآتي: «بعد تسلّم المدعي العام مهامه في موعد يحدده الأمين العام للأمم المتحدة، وخلال مدة لا تتجاوز الشهرين، تطلب المحكمة الخاصة من السلطة القضائية الوطنية المعروضة عليها قضية الهجوم على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، أن تتنازل عن اختصاصها. وتحيل السلطة القضائية اللبنانية إلى المحكمة الخاصة نتائج التحقيق ونسخة من سجلات المحكمة إن وُجدت، ويُنقل الأشخاص المحتجزون رهن التحقيق إلى عُهدة المحكمة». (ترجمة غير رسمية لأن الترجمة الرسمية في الأمم المتحدة للنص المذكور ليست مطابقة للنصين الرسميين المكتوبين باللغتين الإنكليزية والفرنسية).
الفقرة المذكورة تلزم المحكمة الدولية بمهلة شهرين لتقديم طلب إلى السلطات القضائية اللبنانية، للتنازل عن اختصاصها بالنظر في جريمة اغتيال الحريري.
لكن من هي الجهة القضائية اللبنانية التي ينبغي لها إعلان عدم اختصاصها؟ وهل هي ملزمة بالإجابة الفورية على طلب المحكمة؟
رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، الذي مثّل مع القاضي رالف رياشي الطرف اللبناني خلال وضع مسوّدة النظام الأساسي للمحكمة الدولية، قال لـ«الأخبار» إن الوفد اللبناني أصرّ على ذكر مهلة الشهرين لإلزام المحكمة الدولية بطلب تسلّم ملف التحقيق في الجريمة، وذلك حماية للمحكمة من التسييس والمماطلة. وأشار إلى أن المحكمة ستقدّم طلباً لقاضي التحقيق العدلي في القضية لإعلان عدم اختصاصه، وكذلك للمدعي العام العدلي الذي لديه سلطة الادّعاء وتوجد في دائرته نسخة عن ملف التحقيق. ولفت صادر إلى أن الطرف اللبناني ملزم بالإجابة الفورية على طلب المحكمة الدولية، وخاصة أن إحالة الملف على المدعي العام الدولي هي إحالة قانونية لأن الأخير يملك تفاصيل التحقيق اللبناني.
كلام صادر القانوني يقابله كلام آخر من فريق الادعاء السياسي. فأحد أركان هذا الفريق قال لـ«الأخبار» إن القاضي صقر صقر «يحتاج على الأقل إلى 3 أسابيع تقريباً لتجهيز الملفّ قبل إحالته على المدّعي العام الدولي». بمعنى آخر، يمكن القول إن فريق الادّعاء، رغم حديثه الدائم عن استعجال بدء عمل المحكمة الدولية، يسعى لأن يكون موعد إحالة الملف (مع الموقوفين) على المدعي العام الدولي قريباً ـــ إلى أقصى حد ممكن ـــ من موعد إجراء الانتخابات النيابية، لمحاولة الإفادة منه في الحملة الانتخابية، بدلاً من التعويل على صدور قرار اتهامي يبدو موعده بعيداً، وخاصة بعد الكلام الذي قاله مسجّل المحكمة روبن فنسنت في خطابه الذي جرى بثه في بيت المحامي ببيروت يوم 21 كانون الثاني 2009، والذي توقع فيه أن يتابع المدعي العام الدولي تحقيقاته في الجريمة حتى نهاية عام 2009.
فنقل الموقوفين إلى لاهاي يتوقع أن ترافقه ضجة إعلامية كالتي اعتاد فريق الأكثرية أن يثيرها، مع استباق للتحقيق وتفسير لكل خطوة تقوم بها المحكمة الدولية على أنها تأكيد لمسؤولية سوريا والفريق الأمني اللبناني السابق عن تنفيذ جريمة اغتيال الحريري.
ويأتي كلام فريق الادعاء على خلفية أخرى. ففريق الدفاع عن الضباط الأربعة الموقوفين سيرسل طلبات إخلاء سبيل لموكليه في اليوم الأول لبدء عمل المدعي العام الدولي. لكن الموقوفين لن يكونوا في عهدة المحكمة الدولية، ولن يكون بمقدور المدعي العام الدولي وقاضي ما قبل المحاكمة بتّ طلبات إخلاء السبيل قبل إعلان الجانب اللبناني تنازله عن اختصاص النظر في القضية.
وتأتي رغبة التأجيل خوفاً من بت طلبات إخلاء السبيل لمصلحة الموقوفين. وفي هذه الحالة، هل يتحمّل فريق الأكثرية، من الناحية السياسية ــــ الانتخابية، ومن الناحية القانونية المرتبطة بمفاعيل أي اعتقال تعسفي، تبعات إخلاء سبيل الموقوفين أو أحدهم؟ فالانتخابات على الأبواب، واللواء جميل السيّد لن يتأخر حينذاك في البدء بملاحقة معتقليه أمام المحاكم اللبنانية والأوروبية، معتمداً على القانون الدولي، وعلى تقرير فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في جنيف الصادر في كانون الثاني 2008، والذي رأى أن توقيف الضباط الأربعة والأخوين أحمد ومحمود عبد العال «اعتقال تعسفي».
تعليقات: