طفل في أحد نشاطات حمله جنسيتي وسط بيروت
تعمل لجنة المرأة والطفل النيابية على مشروع قانون منح الجنسية لأبناء المتزوجات بأجانب، هذا الخبر السارّ قد لا يسري على جميع اللبنانيات، إذ يطرح بعض أعضاء اللجنة استثناء المتزوجات بفلسطينيّين
أصبح جزء من اللبنانيات المتزوجات بأجانب على قاب قوسين أو أدنى من نيل حقوقهن في المواطنة. لكنها فرحة لم تشمل الجميع،
إذ تملّكت الجزء الآخر منهن مرارة مضاعفة: فقد أجمع أعضاء لجنة المرأة والطفل على «لبنانية» أبناء الأجنبي، بينما اختلفوا عليها إذا كان ذلك الأجنبي.. فلسطينياً. هكذا، إضافةً إلى الحزن على مصير الأبناء المصادَر، بدأ يزحف إلى نفوسهن توجس من التعرض للتمييز، في وطن يبدو عاجزاً عن ضم جميع أبنائه تحت جناحه.
ففي 28 من الشهر الماضي، ناقشت لجنة المرأة والطفل النيابية مشروع القانون الذي سيثلج إقراره قلوب بعضهن، لما يطرحه من تعديل لأحكام المادة 15 من قانون الجنسية الصادر عام 1925 كي يحصل «كل طفل يولد من أب أو أم لبنانية» على الجنسية اللبنانية بعدما كان الحصول عليها ينحصر في «كل طفل يولد من أب لبناني».
إلا أن النقاشات الطويلة التي طرح خلالها استثناء أبناء اللبنانية زوجة الفلسطيني من مشروع القانون «حرصاً على عدم التوطين وحفاظاً على حق العودة»، انتهت باتفاق المجتمعين على تكليف وزارة الداخلية والأمن العام إحصاء عدد الأمهات اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين، وعدد أبنائهم، قبل بتّ اقتراح القانون نهائياً.
لكن، هل يصلح أن تكون أرقام الإحصائيات معياراً يبدّل من اعتبار الحق حقاً؟ وهل تؤثّر الكمية في تحديد مفهوم العدالة والمساواة في المواطنة؟
عن هذا السؤال، أجاب عضو اللجنة، النائب مروان فارس: «في رأيي لا دخل لموضوع التشريع بالسياسة، لكن بمفهوم العدالة. لذلك سوف أصر على موقفي في عدم استثناء أبناء الفلسطينيين مهما كانت نتيجة الإحصاء».
والسياسة التي يقصدها فارس ليست التجاذبات الطائفية التي تمثّل دوافع ممثلي الأحزاب في اللجنة، إذ إن «الانقسام بين مؤيد ومعارض للاستثناء لم يكن على أساس أنصار 8 و14 آذار»، بل هي قضية حق العودة الذي «يحرص عليه الفلسطينيون أكثر مما يفعل اللبنانيون أصلاً»، كما يقول. أما لدى سؤاله عن أهمية إحصاء جديد يضاف إلى قائمة إحصاءات سبق أن قامت بها جمعيات أهلية، وأظهرت ضآلة نسبة أبناء الفلسطينيين المعنيين، فقد رأى أنه «مجرد حجة هدفها تأجيل بتّ اقتراح القانون إلى ما بعد الانتخابات النيابية تجنباً لإثارة خلافات في المجلس».
موعد يأمل منه فارس الكثير، لأنه «بعد الانتخابات سيصار إلى إعادة نظر شاملة في حقوق الفلسطينيين عموماً، وأنا متفائل» كما أكّد.
إلّا أن اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين لا يشاركن فارس تفاؤله، بل يتابعن تطورات القضية بقلوب خافقة، مترقّبات صدور قانون قد يمنح أسرهنّ حياة جديدة، أو ينطق بحكم الإعدام على مستقبل أبنائهن.
«ما عندي أمل يعطونا هالحق، لإنو ما حدا حاسس بوجعنا»، تقول غادة، التي تخاف الموت لسبب غير ذاك التقليدي: «عندي صبي، خايفة موت لإنو ما إلو حق يورثني». هاجس الموت، وإحساسهن بالعجز عن تأمين مساعدة أبنائهن على تأمين مستقبلهم، هما سبب الغصة الكبرى في حلق جميع الأمهات مثل غادة. فهي تدرك جيداً تبعات حرمان ولدها الجنسية، إذ إنها تعمل في قسم الموارد البشرية في إحدى المؤسسات، حيث «تُرمى أي سيرة شخصية تصلنا بمجرد أن يكون صاحبها فلسطينياً، مهما كان ألمعياً أو صاحب كفاءات عالية»، كما تؤكد، مضيفة إنها تعلّم ابنها في أحسن المدارس، رغم وعيها لعدم كفاية هذا الإجراء في ضمان مستقبل لائق له. تخنق الدموع صوتها وهي تسأل بغضب: «شو بعمل؟ باخد زوجي وإبني وبفلّ؟ ولوين بروح؟». أما حق العودة، فهو أكثر ما يستفزها في القضية: «أي حق عودة؟ زوجي من الجيل الثالث، عائلته مستقرة في لبنان منذ عام 1935 وجميع زوجات الذكور في عائلته لبنانيات، بدءاً من والدته. زوجي لا يعرف فلسطين. لا يعرف وطناً سوى لبنان، حتى إنه كان في صفوف الكتائب وحارب الفلسطينيين معهم في تل الزعتر وأصيب خلال تلك المعارك».
تذكر غادة نظرة اللبنانيين إلى الفلسطيني التي كلّفتها يوم زواجها سماع تعليقات عنصرية من الأقارب من قبيل «كل شي فيه لبنانيين ما لقيتي تتزوجي غير فلسطيني؟». تعليقات جعلتها تخفي عن ابنها جنسيته الحقيقية خلال سنواته العشر الأولى كي توفّر عليه مضايقات زملائه في الدراسة. وحين أخبرته لاحقاً، حاولت تسليحه بنظرتها الدينية. قالت له يومها: «نحنا من أرض القداسة. أرض الرب والعدرا». لكن حتى تديّنها لم يشفع لها لاستبدال بطاقة اللاجئين التي بحوزة ابنها بجواز سفر لبناني «أنا مسيحية ولكن الزعماء المسيحيين يمنعون الجنسية عن أبنائنا لتخوّفهم من زيادة عدد المسلمين لو سمحوا بتجنيس أبناء الفلسطينيين، وهم لا يدركون أن هؤلاء لا يتخطون نسبة 1% من مجمل الحالات. أصلاً، بأي حق نذلّ في بلدنا وتمنع عنا المواطنة؟ ألم نتحمل حربها؟ ألا ندفع ضرائبها؟».
استثناء هذه الأسر من مشروع قانون الجنسية يدفعها إلى طرح استثناءات أخرى في ما يتعلق بالضرائب وبمستحقات أخرى. «لمَ لا يستثنونني من الضرائب التي أسدّدها ومن العقاب على جريمة قد أرتكبها؟»، تقول فاطمة، أم لثمانية فلسطينيين، يستفزها أن يحصل أبناء جارتها المتزوجة ببنغلادشي، على الجنسية اللبنانية، بينما يحرم منها أبناؤها المتفوقون في دراستهم.
«بلدي عيوني. لن أقدم إليه سوى ما يليق به، ليس أقل. نحن عائلة منتجة. أبنائي من زينة الشباب، علماً وأدباً. أحدهم اضطر، بعد حصوله على ماجستير في علم الكيمياء إلى أن يساعد والده في محل الكهرباء».
تخاف فاطمة على مصيرهم، وخصوصاً حين تقول لها حماتها «علمتن كلن، وما نابنا من هالعلم إلا هالشهايد المبروزة عالحيطان».
فأبناء فاطمة محرومون استثمار علمهم والاستفادة من ميراثهم الذي ستتركه لهم، وزوجها الذي قضى عشرين عاماً من حياته يبني في مؤسسة العائلة، قد يحرم كل شيء لو قررت هي حرمانه.
تجد فاطمة أن الاستثناء غير مبرر، وعذر حق العودة من ورائه هو عذر هش، «لأن الفلسطينية التي تتزوج لبنانياً تحصل على جنسيته، فلمَ لا يشملها عذر حق العودة؟». تضيف: «أنا وأبنائي أولاد الجنوب. نعرف تماماً ماذا يعني الوطن وماذا تعني الأرض. فليبحثوا عن حجة أخرى لحرماني حقوقي». لافتةًَ إلى أن التمييز يبدأ من زوجة أخيها الألمانية التي تطلّقت منه منذ سنوات ولا يزال اسمها يندرج على لوائح الشطب عند كل دورة انتخابات جديدة، قبل أن تطلق تهديداً بمثابة إخبار «لو استثنونا عند إقرار القانون سوف أحرق نفسي أمام المجلس. ما عاد عندي شي اخسره».
إذاً، حجة حق العودة مرفوضة تماماً من جميع الأمهات المعنيات، فهذا موضوع منفصل تماماً عن موضوع حقهن في منح جنسيتهن لأبنائهن كما تقول ربى «حقي كلبنانية يجب أن يكون محفوظاً، وحق ابني في جنسية والدته كذلك، ومن بعدها، يمتلك حرية اختيار الوطن الذي يريد أن يعيش فيه».
أصداء الاستثناء في المجتمع المدني
رغم سعادتها بوصول المشروع إلى مرحلة المناقشة في المجلس، تبدي رولا المصري، منسقة حملة «جنسيتي» في مجموعة الأبحاث والعمل التنموي، تحفّظها على الاستثناء المطروح. لأن ذلك «سينقل التمييز من حيز إلى آخر أسوأ. فبعدما كان التمييز قائماً بين اللبنانيات والأجنبيات المتزوجات بلبنانيين، سيصبح بين لبنانيتين، كما أنه سيشمل الرجل الفلسطيني تجاه غيره من الرجال حاملي الجنسيات الأخرى. وهذا سينعكس على تماسك الأسرة وسيسبّب عقد نقص للأبناء»، كما أفادت في اتصال مع «الأخبار». أما موضوع التوطين، فهو «حجة غير مقبولة، لأنه يشمل أبناء الأم اللبنانية المتزوجة فلسطينياً فقط لا جميع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان». «ورغم أن الإحصاء الذي سبق أن أجرته الحملة وأوضح أن عدد المعنيّات لا يتجاوز 1%، فإن المصري أكدت «أن إعطاء الحقوق المستحقة لا يتعلق برقم!». إضافةً إلى ذلك، فإن ذلك يفتح نقاشاً أوسع يشأن استعادة المغتربين من أصول لبنانية لجهة اللبنانية المتزوجة فلسطينياً لجنسياتهم.
تعليقات: