الكستناء.. فاكهة الشتاء ورفيقة الساهرين
دمشق:
تستعمل الكستناء في الطبخ ايضا لانها تحافظ على مذاقها..
يسمونها رفيقة الساهرين ومسلية الباحثين عن المذاق اللذيذ في ليالي الشتاء الطويلة، ويطلقون عليها خليلة مواقد ومدافئ الحطب والمازوت، فهناك علاقة أزلية؛ حيث تعطيها المدفأة نارها بشكلها اللطيف أما هي فتعطيها منظرا جميلا عندما تشوى على سطح المدفأة.. إنها ثمار الكستناء الشهية التي تعطيها تلك الشجرة الحراجية في فصل الشتاء ولذلك تعتبر فاكهة الشتاء، والزائر لدمشق هذه الأيام الباردة، خاصة في المساء والليل، فسيشاهد الكثير من الباعة وقد أخذوا مكانا لهم على رصيف شارع دمشقي، وبقربهم موقد يعمل على الغاز أو الحطب تخرج منه النار بشكلها اللاهب الأحمر وقد وضع عليها تلك الثمار الداكنة اللون البنية المائلة للسواد يقوم بشيها بعد أن يثقب غلافها السميك نوعا ما، على شكل إشارة الزائد حتى تشوى بشكل جيد وتقشر فيما بعد دون أي إشكال مع القشر السميك أو فقدان جزء من لبها اللذيذ، ويقوم هؤلاء الباعة بتلبية طلبات العابرين الساهرين في الليل بما يريدون من الكستناء المشوية يأخذونها معهم إلى مكان سهرتهم يتسلون بتناولها ساخنة أو يتناولونها وهم يسيرون في سياراتهم بشوارع دمشق وأسواقها في هذا الشتاء القارس. يقول أحد الباعة ويدعى علاء حميد، إنه يأتي بالكستناء من أسواق بيع الخضار والفاكهة في الصباح حيث هناك تجار متخصصون باستيرادها من تركيا أو الصين أو إيران، كون الكستناء المحلية السورية قليلة، ويقوم علاء بتحضيرها في المساء على بسطته لبيعها مشوية لمن يرغب، في حين أن هناك الكثير من الأسر الدمشقية تفضل شراءها نيّئة كما نشتريها نحن من أسواق الشعلان والمرجة واليرموك وغيرها، وتقوم الأسرة بوضعها على سطح المدفأة لفترة زمنية حوالي ربع ساعة تكون حينها قد نضجت وشويت تماما فيتم تقشيرها وتناول لبها بعد أن يتحول لونه من أبيض مصفر إلى أصفر داكن. ويبرر علاء اعتماد الأسر الدمشقية هذا الأسلوب في التعامل مع الكستناء بأنها تحقق للأسرة تمضية وقت مسلٍ وهم يتابعون شي الكستناء خاصة وأن الليل طويل في الشتاء والدمشقيون يستقبلون زوارهم في المساء فيتسلى الجميع بشي الكستناء على المدفأة في طقس اجتماعي عائلي جميل قد يرافقه تمضية الوقت بلعب طاولة الزهر أو ورق الشدة من طرنيب وباصرة و41 وغيرها من ألعاب الورق المعروفة بين الدمشقيين، فتكون التسلية وتمضية الوقت والطعم اللذيذ مع الكستناء المشوية. كما أن الكثير من محضري الكاتوه - وكذلك النساء الدمشقيات اللائي يصنعن قوالب الكاتوه في منازلهن - يزينون بالكستناء المشوية أو حتى النيئة منها قوالب الكاتوه حيث يضعونها بعد بشر الثمار وطحنها وبشكل خشن بالإضافة إلى خلطها مع مفردات التورته لينتج كاتو بالكستناء كما يفعلون مع الفستق الحلبي أو اللوز أو البندق، ولكن هنا يجب أن يؤكل الكاتوه المحشو بالكستناء المشوية بسرعة؛ كونها لا تتحمل التخزين لفترة طويلة، ولكن ينتج بالتأكيد كاتو لذيذ الطعم. كما أن البعض يقدم الكستناء المشوية مع المكسرات كضيافة فاخرة وقيمة. ومن المعروف أن ثمار الكستناء التي تتميز بشكل مسطح متشابه من حيث الحجم واللون كانت توضع منذ القدم على موائد الأغنياء والملوك كغذاء متكامل بسبب طعمها اللذيذ وفوائدها الكثيرة. وهي تتألف من غطاء جلدي سميك نوعا ما ولب متماسك صلب يتحول إلى لب طري جامد بعد عملية الشي، حيث يؤكل اللب ويكون مذاقه لذيذا وذا طعم رائع وهو سهل المضغ والهضم من قبل الإنسان. ويؤكد الباحثون في مجال الغذاء أن اللب يحتوي على نسب كبيرة من النشاء والسكريات والبروتينات والفيتامينات والأملاح المعدنية، ولذلك لا ينصح بتناولها من يتبع ريجيم بقصد إنقاص وزنه في حين ينصح خبراء التغذية تناولها من قبل النباتيين الذين يعتمدون في غذائهم على الخضار والحشائش فقط لغناها بالبروتين الضروري لجسم الإنسان، وكذلك ينصحون أصحاب الأجسام النحيفة وذوي البنية الضعيفة بتناولها، كونها تقوي الجسم وتنشطه وتقوي الأعصاب وترمم عضلات الإنسان خاصة لكبار السن وتدعم الشرايين وتطهر الجسم من السموم وتقوي حركة المعدة، كما ينصح هؤلاء الخبراء مرضى المسالك البولية والتهاب الكلي بتناولها كونها تساعدهم على التخلص من ملح الصوديوم الضار لهم من خلال وجود البوتاسيوم بكثرة في ثمار الكستناء.
وشجرة الكستناء عرفت منذ آلاف السنين كشجرة معمرة وللزينة، كما تذكر كتب التاريخ أنها استخدمت كشجرة زينة في حدائق بابل المعلقة، وقد يصل عمرها حتى الألف عام، كما قد يصل ارتفاعها حتى 40 مترا لذلك تعتبر من أهم مفردات التنوع الحيوي في مناطق الغابات، خاصة في مجال التكامل النباتي الحيواني حيث تعطي ثمارها بعد بلوغها الثلاثين من العمر ويستفاد من أوراقها العريضة وغلاف ثمارها كعلف للحيوانات ومن أخشابها في صناعة السفن وبناء المنازل وكحطب للتدفئة، وهي تنمو في الترب العميقة والخصبة وفي المناطق المرتفعة التي تزيد عن ألف متر عن سطح البحر.
ويوجد في سورية وتحديدا في منطقة غربي مدينة حمص وسط سورية وفي سلسلة الجبال الساحلية غابة من أشجار الكستناء فقط، في حين تنتشر بشكل محدود في مناطق الغابات الأخرى، ويقدر عدد أشجار الكستناء في سوريا بحوالي 400 ألف شجرة، وقد دخلت زراعتها منذ مئات السنين من تركيا ويقال إن موطنها الأصلي هو اليونان.
تعليقات: