المرّ والجميّل شخصيات تمثل الانتهازية السياسية في حدّها الأقصى

شخصيات تمثل الانتهازية السياسية
شخصيات تمثل الانتهازية السياسية


حسناً فعل ميشال المر بأن فتح المعركة على مصراعيها، وحسناً فعل وهو يحطّم الجسور من خلفه قاطعاً طريق العودة إلى التحالف الملتبس مع التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، وأهم ما في الأمر، هو أن المعركة باتت مفتوحة وواضحة في دائرة المتن الشمالي، وهي بين فريقين، الأول يمثله التيار الوطني الحر، ويجمع شخصيات وجمهوراً متفاهماً على أكثر من ثمانين في المئة من النقاط وله تحالفاته التي لا تنال من صدقيّته، والثاني يمثّله تحالف أمين الجميّل وميشال المر ويجمع شخصيات تمثل الانتهازية السياسية في حدّها الأقصى، لناحية أن هدف الوصول إلى المجلس النيابي يمثل العنوان والغاية التي تبرر كل الوسائل التي يمكن اتباعها لتحقيق هذه الغاية، وهو تحالف ينطلق من دعم معلن من جانب قوى 14 آذار ومحاولة الحصول على دعم إضافي معلن أو غير معلن من جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وهو التحالف الذي يريد أن يستخدم الكنيسة وبكركي والبطريرك الماروني نصر الله صفير للوصول إلى تحقيق غايته.

في عام 2005 كان ميشال المر مقتنعاً بأنه في الموقع الخطأ، لكنه حمّل المسؤولية لتيار 14 آذار المسيحي باعتباره لم يتعامل معه بجدية، واستخفّ به وأهمله ورذله باعتباره من بقايا عهد الوصاية السورية كما يقولون، لكن المر كان طوال الوقت يأتي مرغماً وغصباً عنه إلى اجتماع تكتل التغيير والإصلاح، وكان يبدو عليه الامتعاض كلما صرّح أو تحدث، وترك لابنه وزير الدفاع صياغة العودة إلى تحالف الطبقة السياسية نفسها التي يتحالف معها اليوم.

لبنانياً، لم يكن المر إلا الابن الشرعي للمؤسسة السياسية التي أنتجها حزب الكتائب. وكان يسعى طوال الوقت إلى بناء حزبية تقليدية تقوم على مبدأ استغلال السلطة والحقائب الوزارية والنفوذ المالي لتوفير خدمات لأشخاص، بينهم كثيرون يرتكبون مخالفات متنوعة، في البلدية والقانون وغيرهما، وكان يقايض هؤلاء، ولا يزال، أصواتهم بتغطية ما ارتكبوه، وهو قام بدور في زمن مضى بأن سعى إلى الحصول على ولاء من خافوا بعد دخول الجيش السوري تلك المناطق، أو بعدما أبعد ميشال عون وسجن سمير جعجع وفرّ أمين الجميّل من لبنان، وقدّم لهم الأمان مقابل الأصوات، ثم لم ينس ولا يزال يطلب من الموظفين في شركاته أن يتوجّهوا مع عائلاتهم وأقربائهم إلى صناديق الاقتراع ليعطوه أصواتهم. وعند الفرز يخرج ويقول إنه يملك وحده 25 ألف صوت في المتن!

عام 2005 عندما قاد جماعة 14 آذار المعركة ضد ميشال عون، لم يكن بحوزتهم من الشعارات سوى ما يصيب المر نفسه. قالوا إن عون باع الثورة وتحالف مع أحد عملاء سوريا، وإن عون يدعو إلى الإصلاح لكنه يتحالف مع رمز من رموز الفساد السياسي والمالي والإداري، وعندما عملوا على استعادة قواعدهم كانوا يذكّرونهم بأن المر لم يكن إلا مظلة استخدمت وانتهت صلاحيّتها، وبالتالي يجب العودة إلى الحضن الأصلي، أم علينا تجاهل بيانات حزب الكتائب وتصريحات آل الجميّل من آباء وأبناء وحرق أرشيف نسيب لحود وحركة التجدد؟

على أي حال، فإن المر الذي انتقل إلى موقعه اليوم، يعتقد أنه نجح في أمرين، الأول أنه استعاد استقلاليته عن الآخرين وخصوصاً عن عون، وأنه يمثل حاجة لفريق 14 آذار، ما يعني أنه سوف يكون الأول بينهم، ثم إنه حاجة للمحور السعودي ـــــ المصري ـــــ الأميركي، ما يعني أنه هو من سيحصد الدعم المالي والإعلامي وغيره، وإذا فشل في الانتخابات فهو يعتقد أنه أنقذ ابنه من دفع ثمن أخطاء والده، أو هكذا يظن الابن أيضاً، من خلال القول إن المنصب الوزاري للابن هو من حصة رئيس الجمهورية ولا دخل له بالحسابات الناجمة عن الانتخابات النيابية وخلافه، وأن ابنه ليس طرفاً في الانتخابات ولا في تحالفات والده.

أما من جانب الآخرين من حلفاء المر اليوم، فهم لم يكونوا يوماً بحاجة إلى من يحاسبهم، والمشكلة أنهم تصرّفوا دوماً على أنهم محقّون في فعل أي شيء وكل شيء وقول ما يناسبهم وما لا يناسبهم ويفعلون بناسهم ما يريدون، وهؤلاء لم يتعلموا من التجارب، فلم يدرك آل الجميّل سبب النزوح الجماعي من حزبهم البالي، ويبدو أن نسيب لحود لا يسأل نفسه عن سبب عدم قدرته على تجيير ألف صوت في هذه المنطقة برغم أنه كان مرشح الأوادم لرئاسة الجمهورية في زمن سابق على زمن التوصيات الأميركية والسعودية، وماذا يكون رأيه عندما يقول ميشال المر: لقد تعهّدت للسعودية بدعم نسيب لحود ولا أعرف كيف أقنع جماعتي بالأمر، أو أن يقول سامي الجميّل إن نسيب لحود يمثل ثقلاً علينا، ولكن لا بدّ من دعمه في إطار حفظ وحدة 14 آذار. وماذا سيكون عليه موقف نسيب لحود الذي «فلق» الدنيا بالحديث عن الحداثة والمرونة والنظافة، وهو يقف إلى جانب من قاتلوه لأكثر من عقدين باسم سوريا وباسم الدولة أو باسم الكنيسة، أم هو تخلّى عن علمانيّته الآن وصار مؤمناً يريد بركة الكنيسة، أم يرى رفضاً للدولة في الضاحية الجنوبية لكن تغطية المرتكبين والفوضى في المتن الشمالي هي شرط لبناء الدولة، وإن كل ما قاله وكل ما نشر باسمه هو جزء من البيانات المستمرة لحزب الكتائب.. أم هو يعتبر التحالف مع الجميل والمر مثل بطاقة تنظيم الصاعقة التي اضطرّ لأن يحملها حتى يعبر بين المناطق أيام الحرب؟

تعليقات: