المشاوي في كل بيت
تونس:
تتفنن العائلة التونسية في العودة إلى التراث الغذائي التونسي المتنوع، لا سيما أيام الاحتفال بالأعياد الدينية، فبالإضافة إلى اللحوم المشوية التي عادة ما ترافق الساعات الأولى من اليوم الأول، ورائحة البخور والجاوي التي تصر الجدة على أن تؤثث «اللمة» العائلية، تسعى العائلة إلى الاستفادة الجيدة من كمية اللحوم المتوفرة لديها في وقت قياسي، وعليها أن توزعها على الأسابيع اللاحقة، يجد العصبان طريقه إلى المائدة التونسية، وتطل شرائح القديد لدى معظم العائلات، وتظهر صورها المتدلية من الشرفات تقريبا في كل بيت... وتبدي العائلات الكثير من الحكمة في التصرف في اللحوم، فتصنع من بعض أجزائها «المرقاز»، وبذلك تكون العائلة قد تصرفت في تلك اللحوم وضمنت ما يكفي لما بعد، لذلك عادة ما يتم اقتناء كميات من الخضار (الساق والبقدونس والثوم والبهارات المتنوعة)، وينظف السلق والبقدونس جيدا، ويقطع إلى قطع صغيرة ستمثل لاحقا الحشوة الضرورية لإعداد العصبان الضروري بدوره لإعداد وجبات الكسكسي التي لا تغيب عن المائدة التونسية طوال السنة وتكون وجبة الضيافة خلال الزيارات العائلية، والعصبان هو عبارة عن أحشاء الخروف التي تنظف جيدا وتضاف إليها قطع صغيرة من الكبد والرئتين، وكمية كافية من السلق والمعدنوس والبصل والسبانخ والأرز، والقليل من زيت الزيتون والتوابل المختلفة، ويقع خلطها وحشوها بأمعاء الخروف، وتخاط، وبالإمكان طبخها داخل مرق الوجبة الغذائية الرئيسية، أو طبخها عن طريق البخار داخل الكسكاس. وغالبا ما يظهر المصران الغليظ كأكلة مفضلة، فهي كافية لتلبية رغبة عائلة بأكملها.
أما المرقاز (المقانق) فأساس عمليته كذلك مصران الخروف، وغالبا ما يقع على قطع من اللحم دون عظم، يقع فرمها، والثوم وحبات البسباس وفلفل الزينة. وبعد خلطها جيدا مع القليل من زيت الزيتون، يحشى المصران باللحم المفروم ويقسم إلى أجزاء متساوية، وغالبا ما يقع تقسيمها إلى أجزاء في حدود 10 سنتيمترات، ويعلق لبعض الوقت تحت أشعة الشمس، ثم يحفظ في الثلاجة.
أما القديد الذي يمكن تخزينه لفترة طويلة، فهو من العادات المتداولة منذ زمن طويل لدى العائلة التونسية، وهو ذخيرة ذات فائدة تنفع العائلة خلال الأيام الصعبة التي تعرف قلة ذات اليد، لذلك يكون القديد المنقذ خلال الأيام الباردة خصوصا في المناطق الريفية الجبلية، وهو يتكون بالأساس من اللحم، يفضل أن يكون دون عظام يقسم إلى أجزاء متوسطة الغلظة، والقليل من الملح والثوم وبعض الزيت والهريسة. وهناك طريقتان تعمل العائلة التونسية على توظيفهما للحصول على قديد يدوم أكثر ما يمكن من الوقت، دون أن يتضرر بفعل الزمن، فبعد خلط مجموع اللحوم بالتوابل، وهذه هي الطريقة الأولى، تضع ربة البيت اللحوم في «قصعة»، وهي عبارة عن وعاء واسع، ويحرك بين الوقت والآخر، وتعلق تحت أشعة الشمس خلال اليوم الموالي، ويبقى على تلك الحالة حتى يجف سطح اللحوم بعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام، ثم تقطع إلى قطع صغيرة وتوضع في الزيت داخل وعاء فوق نار معتدلة، ويصفى المزيج وتقع تقليته لمدة عشرين دقيقة، ثم يوضع في وعاء ويقع الاحتفاظ به واستهلاكه طوال السنة. أما الطريقة الثانية في إعداد القديد فهي طريقة تقليدية بالكامل، تعتمد على قص اللحوم وذَرّ القليل من الملح عليها وعرضها تحت أشعة الشمس لأيام متتالية حتى تجف بالكامل، ثم تخزينها في وعاء جاف حتى يحين وقت استهلاكه.
حول هذه العادات الغذائية تقول فتحية البوجبلي (ربة بيت): «إنها عادات الأولين ورثناها منذ زمن عن عائلاتنا، ونحن نحاول تمريرها إلى الأجيال الجديدة بعد أن أثبتت جدواها الصحية طوال قرون»، وأضافت أنها تصر في كل عيد أضحى على إعداد كميات معقولة من القديد الذي تلتجئ إليه عند الحاجة، وقد تقتني كميات إضافية بهذه المناسبة، لإعدادها وتخزينها إلى حين، أما الجازية الظريفي (ربة بيت) فقد أكدت من ناحيتها على الطابع الاحتفالي لهذا العيد «الذي نتجاوز من خلاله اللحوم المشوية إلى ما هو أعمق على المستوى الديني، ولكننا لا نوفر جهدا في إسعاد أبنائنا الصغار بأطعمة لذيذة حفظناها بدورنا عن آبائنا، مثل العصبان المطبوخ على البخار كأكلة صحية بالكامل، وكذلك القديد والمرقاز وغيرهما من الأطعمة المستوحاة من التراث الغذائي التونسي.
تعليقات: