عون متحدثاً إلى «السفير» (علي لمع)
ماريو عون: في وزارتي مافيا من الموظفين تعيق عملي كوزير..
أحبّ الوزير ماريو عون الدخول إلى مجلس الوزراء لاستكشاف كيف تتخذ القرارات على صعيد السلطة التنفيذية، فوجد «مزرعة» كما وصف. وحين توغّل في وزارة الشؤون الاجتماعية، وقد تولى حقيبتها، وجد ما يشبه مغارة علي بابا حيث هناك أكثر من «أربعين حرامي» و»مافيات من موظفين من درجات مختلفة» يعيقون عمله كوزير، حتى بدا التغيير مستحيلاً، وإن كان لم يفقد الأمل كما يقول. فلجأ إلى سياسة «من الموجود جود»، محاولاً الإصلاح من الداخل وعبر الوسائل المتاحة، لمعالجة مشاكل «ورثها»، تتمثل في جمعيات وهمية ومسيّسة تشكّل ثمانين في المئة من مجمل الجمعيات المدرجة في الوزارة، وبموازنة تبلغ المئة وسبعة مليارات ليرة لبنانية، بحسب قوله، مما جعله «يطلب رعاية عدد من الجمعيات، بدل أن يرعاها». مع ذلك، لا يحبّذ عون اللجوء إلى القضاء في قضايا الهدر والفساد التي يقول إنه اكتشفها، في حين أنه ما زال ينتظر قراره في قضية «بيت الطبيب» التي رفعها ضدّ النائب غطاس خوري، لافتاً إلى «ضغوطات كثيرة تمارس على القاضي». علماً أنه بين الوزير والنائب أو الخلف والسلف، صولات وجولات قد يكون أقربها الانتخابات النيابية المقبلة، إذ أعلن عون نفسه مرشحاً مبدئياً عن دائرة الشوف، وتحديداً على لائحة تكتلّ التغيير والاصلاح. «السفير» التقت عون للبحث في شؤون وشجون وزارة الشؤون الاجتماعية.
ـ تحدّثتم عن كــــشف للفضائح في وزارتكم، فــــماذا اكتشفتم إلى الآن وما الذي ســتكشفون عنه؟
[ حين تحدثت عن كشف الفضائح لم أقصد إني سأشير بالإصبع إلى أحدهم وأقول أنه سرق. فأنا لا يمكن أن أعلم ماذا وراء العمل الفاسد. لكن الفضيحة، بالنتيجة، هي في هدر أحدهم للمال العام، وإبرام العقود في مناطق دون أخرى وبشكل فئوي، وفي السماح لمؤسسات، وبشكل غير قانوني، بعدم إيواء التلاميذ ليلاً في مراكز الرعاية التي تكون الدولة قدّ مولتها لهذا الغرض. تماماً، كمن يفسح المجال أمام مؤسسة لإبرام عقود مع فئة واحدة دون غيرها، وبمبالغ مالية كبيرة، وأقصد «بيت المحترف»، وإبرام عقود مع جمعيات وهمية.
ـ ألا يمكن تحريك هذه المسائل قضائياً؟
[ لن أحرّك الأمور قضائياً، بل وضعت آليات سيقرّها مجلس الوزراء يوم غد الخميس ستتكفل بإسقاط كل الجمعيات التي لا تستحق أن تستفيد من وزارة الشؤون، والتي تسمى بالوهمية. فأنا بدل أن أساهم في مذبحة اجتماعية تؤدي إلى صرف موظفين وأذية عائلات، وذلك من خلال توقيعي على حلّ جمعيات غير قانونية، فقد وضعت أسساً ومعايير لبلورة أعمالها، وأعطيتها مهلــــة ستة أشــهر أو سنة لاتباعها، وإلا اضطررت إلى حلّها وفق بند قانــوني.
لدينا اليوم 244 جمعية مسجلة لدى الوزارة، ثمانون في المئة منها وهمي أو «تفنيصي».
ـ وكيف ستتحكمون بميزانيات الجمعيات التي تعرفون سلفاً أنها وهمية، وهل من رقابة على صرفها لتلك الميزانية؟
[ يجب ألا ننسى أن هناك جمعيات تقوم بواجبها على أكمل وجه وهي تستحق أن تصرف لها ميزانيات أكبر من تلك التي تصرف لها. في المقابل هناك جمعيات تقدّم ميزانيات وهمية وسنكشفها من خلال المعايير التي ستقر في مجلس الوزراء. ونحن لا نقصد بالوهمية الجمعيات غير القائمة فعلياً، إنما أيضاً تلك التي لا تقوم بواجباتها الرعائية وفق القانون وكما يجب، وهي جمعيات متراكمة منذ عهود. كل وزير كانت له مآثر وأنا مع محاكمة الوزراء... لقد أرسلت التفتيش المركزي إلى عدد من الجمعيات وتبيّن لي أن المخالفات التي ارتكبتها هي في الأصل مخالفات ارتكبها الوزير المختصّ. إذ لا يحق لوزير توقيع قرار، أسماه استثنائياً، يجيز ألا يبيت الطلاب في مدارسهم الداخلية في حاصبيا، علماً أن الوزارة تدفع لهذه المدارس على أساس انهم يبيتون فيها. فحين يستثنيهم، هذا يعني أنه يخالف القانون ويهدر المال العام. هذا لا يشمل مؤسسة واحدة بل أكثر، ومنهـــا ما يمتلكها فرقاء حلفاء لنا في السياسة. وهذا مثال من بين العديد من الأمثلة.
ـ زدتم كلفة المساهمة للجمــــعيات التي تعنى بشؤون المعوقين، لكن القانون 220/2000 لا يزال في الأدراج، علماً أن وزارتكم هي المعنية بمراقبة تطبيقه. وعلمنا أنكم طلبتم من الهيئة الوطنـــــية لشؤون المعوقين إعداد تقرير حول علم الوزارات الأخرى بهــذا الشــأن. فهل انتهى التقرير؟ وماذا حلّ بالقانون وتطبيقه؟
[ منذ تسلّمت الوزارة أخذت على عاتقي تنفيذ القانون 220/2000، فعملت أولاً على إعادة تأليف الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين وأصررت على إدراج القانون في البيان الوزاري كي لا يبقى حبراً على ورق، على الرغم من اعتراض أحد الزملاء.
هذا في الشكل، أما في المضمون فقد عملت على تقوية عمل الجمعيات، لا سيما أن لدينا في لبنان حوالي سبعين ألف معوّق، من بينهم سبعة آلاف ومئتا معوّق ترعاهم مؤسسات الإعاقة. بالتالي كان علينا اولاً ان نرفع مساهمة الوزارة لتلك المؤسسات. وبما أنه لا يمكن رفع ميزانية الوزارة عن المقرر لها، وهو مئة وسبعة مليارات ليرة لبنانية، فقد كلّفت فريق عمل من وزارتي، كما من وزارة العمل، لدرس الفائض في ميزانية بعض البنود لاقتطاعها وزيادتها على ميزانية هذه المؤسسات. فكان أن اقتطعنا عشرين مليار ليرة، وقد شكّل هذا المبلغ زيادة بنسبة مئة وخمسين في المئة على مخصصات هذه المؤسسات من ميزانية الوزارة.
من جهة أخرى، اجتمعت مع وزير الشؤون الاجتماعية الألماني وطلبت استقدام فريق ألماني لتأهيل وتدريب المعوّقين بهدف الدمج الاجتماعي. وسأذهب إلى ألمانيا قريباً لمتابعة الموضوع والإسراع في وضعه في حيّز التنفيذ لأننا لا يمكننا الاعتماد على الروتين الإداري مع وجود مافيا عاملة في الوزارة تقوم بعرقلة المشاريع وتهمّها «الجوارير». لقد وضعت البروتوكول وسأغادر إلى ألمانيا لتوقيعه.
إلى ذلك طلبت من الرئيس السنيورة إنشاء مركز نموذجي للوزارة يرعى شؤون المعوّقين، فاستملكت الدولة قطعة أرض من خمسة عشر ألف متر مربع في القريعة لهذا الغرض، ونحن في صدد رسم الخرائط، على أمل أن أضع حجر الأساس للمركز قبل انتهاء ولاية هذه الحكومة.
أما في ما يخصّ القانون 220/2000، فقد دعيت كافة الوزراء المعنيين بتطبيقه إلى اجتماع فور استلامي الوزارة، للبحث في معوقات التطبيق. لم يحضر منهم إلا وزير الصحة محمد جواد خليفة، فيما أرسل الآخرون المدراء العامين. وقد تبيّن لي أن الزملاء الوزراء غير ملميّن بهذا القانون وبنوده. توجهت على أثره إلى الرئيس نبيه برّي لاطلاعه على صعوبات تطبيق القانون، فأشار إلى إصدار قوانين مكرّرة معجّلة في مجلس النواب. وسأكتفي بهذا القدر من الكلام تلافياً للمشاكل مع الوزراء الآخرين.
أخيراً، كلّفت «أبا القانون»، غسان مخيبر، بدراسة الملف قانونياً. وتبيّن له أنه بإمكان الهيئة رفع الشكاوى بعدم تطبيق القانون. وهذا الموضوع، وعلى الرغم من صعوبته، أحاول وضعه حيّز التطبيق، ورغبتي ألا أترك الوزارة إلا وقد نفّذ منه قسمان على الأقل.
ـ ما هو عدد الموظفين المعوّقين في الوزارة، لا سيما أن القانون 220/2000 يفرض توظيف نسبة ثلاثة في المئة من مجمل الموظفين من المعوّقين؟
[ يعمل في الوزارة حالياً 99 موظفاً، من أصل 244. لا موظفين معوّقين بينهم لأن التوظيف ممنوع، حتى بالتعاقد. لكن هناك منهم من يعمل معنا «على الفاتورة».
ـ لماذا لا تنشئون بناء موحّداً للتلامذة الذين ترعاهم الوزارة وتهتم بتعليمهم وتدريبهم؟
[ هذا الأمر لا يجب أن يندرج ضمن مهمات وزارة الشؤون في الأصل، بل يجب أن تتولاه وزارة التربية. وقد اقترحت ذلك على الوزيرة بهية الحريري. فبرعايتي للمدارس والمعاهد، أقتطع 54 مليار ليرة أي نصف موازنة الوزارة. هذه الفاتورة الباهظة، خصوصاً أن بعضها لا يستحق المساعدة، جعلتني أتخذ قراراً بتوقيف التعاقد مع مؤسسات الرعاية، فعَلَت الأصوات واتخذت الاحتجاجات شكلاً دينياً أو طائفياً، على أساس أن معظم عقود الرعاية تعود للمسلمين. وها أنا اليوم على وشك إعادة فتح موضوع الرعاية كي لا أستمر في حرمان فئات على حساب فئات أخرى، لا سيما أنني حين قررت تقديم منح مدرسية لإحدى المدارس في كسروان، طلب مني أحدهم تقديم منح مماثلة لمدرسة في الجنوب. أمام هذا أجد نفسي في مأزق يكبّلني، وقد أتاني أخيراً من يريد ترقية موظفة أنا أسعى إلى صرفها لما ترتكبه من «فظائع»، ولأنها تقدم تقارير لجهات معيّنة كانت مسيطرة لفترة طويلة على الوزارة، إذ ما زال ظلّ من كانت «حاكما مطلقا» مخيّماً وبقوّة.
ـ ماذا عن المشروع الذي يستهدف العائلات الفقيرة؟
[ أطلقنا دراسة أولى نوزّع من خلالها مساهمة بقيمة خمسين ألف ليرة لبنانية للعائلات المنخرطة فيها، وتشمل في مرحلتها الأولى عين الرمانة والشياح وبرج البراجنة. وسيتطوّر المشروع، بمساعدة البنك الدولي، إلى مرحلة تالية في نيسان تتعمم فيها الدراسة على كافة المناطق اللبنانية، على أن ننتقل إلى المرحلة الثالثة التطبيقية، بحسب «باريس 3«، والتي تفرض على الدولة تنفيذ ما توصلنا إليه. مع الإشارة إلى أنه حين أعلن لي البنك الدولي عن إقامته لدراسة عن الفقر بقيمة ستة ملايين دولار، أعلنت عن عدم موافقتي على أساس أن هذا المبلغ يمكنه أن يساعد العائلات الفقيرة، بدل إجراء دراسة عنها. فاشتكوا علي في وزارة المالية لأن الموضوع مدرج في «باريس 3«، فعــــدت ووافقت بعدما أوضح لي الوزير الأمر. علماً أنه من ضمن الســـــتة ملايين، تصرف معاشات للموظفين بقيمة 700 ألف دولار. لكـــن أنا لا يهمني كيف تــــصرف الأموال وأين تصبّ، خصوصاً أنه في لبنان تصبّ كلّها في مكان واحد.
ـ هل تسير هذه الدراسة بموازاة إعادة النظر بدور الرعاية، لا سيما أنكم تدفعون حوالي مليون وستمئة ألف ليرة عن كل طفل فيها، كما أن سبعين في المئة من موازنتكم تذهب إلى الجمعيات الأهلية. في حين أنكم تقدّمون حوالي ستمئة ألف ليرة للعائلة، أليس من الأجدى زيادة التعرفة للعائلة وإبقاء الطفل أو المعوّق في كنفها؟
[ أنا لا أدعي أني أتيت على الوزارة وبحوزتي برنامج اجتماعي مدروس ومتكامل. فقد أعلن عن اسمي وزيراً، كما غيري من الوزراء. لكني أعلم أن ما قمت به حتى اليوم يصبّ في تخفيف الظلم.
لا يمكن تأسيس وتطبيق سياسة اجتماعية في وزارة بستة أشهر أو سنة. فعندما استلمت حقيبة الشؤون الاجتماعية كان أمامي خياران، إما نبش الملفات وفضحها إعلامياً، أو العمل، لا سيما أن هناك جمعيات حظيت بعقود دون غيرها، بسبب انتمائها إلى فئات سياسية معيّنة، في حين حجبت عقود عن جمعيات أخرى، أيضاً بالنظر إلى انتماءاتها السياسية. والمثل إحدى الجمعيات في الكحالة التي ترعى الأيتام، وقد حجب عنها العقد لإيوائها أطفالاً سوريين. كما حصل أن المشاريع الإنمائية كانت تتم بطريقة استنسابية، بينما صرفت لثلاثمئة وثمانية وعشرين مشروعا، أربعة مليارات وثلاثمئة مليون ليرة، شمـلت كافة الأراضي اللبـنانية حيثــما دعت الحاجة. وكــان آخرها في برجا وشحـيم.
ـ هل لديكم كادر متكامل لكشف المؤسسات والجمعيات التي تتلاعب بموازناتها والتي لا تؤدي واجباتها كما يجب؟
[ طبعاً، وهــــي مجبرة على تقديم موازنــتها، وإلا لن يتم تجديد العقد مــعها. ونحـــــن نعوّل على الأسس والمعايير التي ستقرّ لفصل السيء من الجمعيات والإبقاء على تلــك التي تقوم بواجـــباتها.
ـ هل من خطة تشمل أطفال الشوارع؟
[ أرسلت كتاباً إلى هيئة الاستشارات في وزارة العدل، اطلب فيه بعد زيارتي لمقرّ الأحداث في سجن رومية تحديد مسؤولية الوزارة اتجاه الأحداث وأطفال الشوارع، فأتاني الجواب: لا مسؤولية تقع على وزارة الشؤون الاجتماعية والموضوع يعود إلى وزارة العدل. أي أن الوزارة تتكفل بدفع ثلاثمئة مليون ليرة لمركز الرعاية في الكحالة، لكنها ليـــست مسؤولة عن الأطفال هناك. وهذا يدلّ على وجود قوانين بالية في لبنان.
هناك شوائب كثيرة، لكننا نعمل ضمن المعقول، خصوصاً مع وجود مافيا داخل الوزارة. بالأمس اجتمعت مع أحد القضاة الإداريين للاستفسار عن مخرج قانوني للاستغناء عن رئيس مصلحة يخالف القوانين، وهناك موظف من الفئة الرابعة عرقل لي خطة إصلاح عشرين مركزا.
إلى ذلك نلجأ الى مؤسسات خاصة لتأهيل مراكزنا. وقد وقعنا اتفاقاً مع مؤسسة الوليد بن طلال، لتأهيلها وتجهيزها ومكنـــنتها، وسيتم ربطـــها بالمركز الرئيسي للوزارة. كما أن هناك رجل أعمال قطريا سيقوم بتأهيل ثلاثة مراكز في منطقة عكار، كما سأوقع بروتوكولات مع إيطاليا والمانيا لمســــاعدة الوزارة. هــذا يعني أن الجمعيات الأهلية هي التي ترعاني بدل أن أرعــاها أنا.
ـ هل هذا يعني، وبوحــي من شعار التكتل الذي تنتمي إليه، أن «الإصلاح» معقول لكن «التغيير» مستحيل؟
[ لم أقطع الأمل. وقد دخلت الحكومة لاستكشف كيف تتخذ القرارات داخلها، فوجدت أننا في مزرعة سواء في مسألة الكسارات أو في مسألة التعيينات القضائية. وأذكر على سبيل المثال أني سألت الوزير ابراهيم النجار عن مكان تشكيل قاضيين فأجاب أنهما «زعران» وقد أحيل الأول إلى الجنوب، والثاني إلى الشمال. في وقت أدرج بند على جدول المجلس بإحالة رئيسة دائرة من وزارته إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، فاعترضت طالباً منه على الأقل ثلاثة أسماء للاختيار بينها وخرجت من الجلسة وتمّ إرجاء البند.
ـ هل أنت مرشح للانتخابات النيابية المقبلة؟
[ أنا مــــشروع مرشح، مبـــــدئياً، كوني خضت الانتخابات الماضية، وكنت مستقلاً في دائــــرة الشوف ونلت ثلث الأصوات. فأنـــا ملتزم بقضية الشوف إذ أرفض الأحادية «الجنبلاطية» المسيـــطرة عبر التاريخ. وأعيب على المرشحين الشوفيين، لا سيما الموارنة منــــهم، قبولهم بالطــــريقة التي يعاملــــهم بها النائب وليد جنبلاط. فليس من الشرف لدوري شمعون، ابن كميل شمعون، أن يتحــــكم جنــــبلاط بترشحه لرئاسة البلدية أو النيابة، أو أن يضمّ إلى لائحته مرشحاً متهماً بملف قضائي.
في الخلاصة هناك معركة في الشوف وسنخوضها بلائحة مكتملة.
تعليقات: