برج جديد في دبي
الخبراء يطالبون بوضع خطة وطنية لاستيعابهم.. ومعاشات بطالة للبعض أفضل من «لا استقرار الوطن»..
لا يحمل زياد، مع حقائبه الثقيلة، أياً من أحلامه أو آماله. بل إنه يعود إلى ربوع الوطن مع خبرة مهنية تكاد تضاهي شهادته الجامعية. فرضت عودته القسرية ظروفاً أقوى وأفعل، من ظروفه الشخصية التي حملته إلى الهجرة للعمل. يعود بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية بعدما وضعته في صفوف العاطلين عن العمل مع زملاء له في المؤسسة ذاتها تجاوز عددهم العشرات.
بوابة مطار بيروت ستفتح أمام آلاف اللبنانيين الذين لقوا مصير زياد، وتأشيراتهم لن تحمل أية إشارة إلى تاريخ العودة، هذا على الأقل ما تشير إليه تحليلات بعض الاقتصاديين. قد يفوق الرقم العشرين ألفاً ويغرق البلد بحملة شهادات من اختصاصات معيّنة لا سيما تلك التي ترتبط بالقطاعات المالية والمصرفية والعقارات والمقاولات والسياحة والإعلان والإعلام.. إلا أن العودة مرتبطة بعوامل مختلفة، منها استقرار البعض مع عائلاتهم في الخارج، أو عدم حصولهم على فرصة عمل أخرى في بلد الإقامة، أو تفضيلهم مخصصات المواطن العاطل عن العمل في البلدان المتقدّمة على العمل في لبنان في ظلّ «اللاستقرار» الذي أدّى، في الأصل، إلى هجرتهم.
في جميع الأحوال، تزعزعت فكرة البلد الآمن لدى كثيرين منهم، فبلدهم الخطر أمنياً، يبدو اليوم أكثر آماناً اقتصادياً من دبي أو فرنسا أو أميركا، مثلاً. علما أنه بين الخطر الأمني والأمن الاقتصادي، قد يفضّل لبنان «المهاجر» عدم العودة لأن البلدان التي استقبلته تجد حلولاً لأزماتها في وقت لا تلوح في الأفق أية حلول للأزمات اللبنانية.
في الخلاصة، قرار العودة أو اللاعودة رهن بالأشخاص وظروفهم. وحتى الساعة، لا رقم ولا تفاصيل رسمية، ما نعلمه هو وجود اقتصاديين يدقون ناقوس الخطر ويطالبون بخطة وطنية لأن تأثر لبنان أضحى واقعاً. والمحسوس، إلى خسارة عدد من اللبنانيين لوظائفهم في الخارج، هو ازدياد عدد السيَر الذاتية الواردة إلى شركات التوظيف من مهاجرين ينوون العودة والعمل في لبنان.
أما الأسئلة التي تدور حول الأعداد وفرص العمل وكيف ومدى تأثر لبنان بالأزمة، فتبقى الإجابة عليها رهن الوقت، ومدى تفاقمها في الخارج.
في ما يلي نماذج من لبنانيين يعيشون ويعملون في الخارج، منهم من سيعود ومنهم من سيبقى حيث يعمل، وفي كلتا الحالتين، يفضّلون عدم ذكر أسمائهم الكاملة، لخصوصيات تتعلّق بشركاتهم أو عائلاتهم.
لم يكن سمير ليزور عائلته خلال عطلة الميلاد ورأس السنة هذا العام لولا خسارة شركته لعدد من العقود. هو يعمل في إحدى أكبر شركات المقاولات في فرنسا: «في اجتماع مجلس التحرير، كنّا ندرس عشرات العقود ونرجئ بعضها إلى الاجتماع التالي. اليوم، بتنا نبحث في عقدين أو ثلاثة كحدّ أقصى»، يقول.
سمير، العضو في مجلس إدارة الشركة، يصف الوضع في فرنسا بـ»الخطر»، وبالتالي «الكارثي» على الشركة كما عليه شخصياً: «فحين نعمل برأسمال كبير، نكون أول المتضررين في الأزمات». تمّ صرف ثلاثمئة وأربعة وخمسين موظفاً من هذه الشركة في غضون ثلاثة أشهر، يصفهم سمير بـ»الكفاءات العالية التي يجب أن تصطادها الشركات في بلدانهم الأم». من هؤلاء العمال المصروفين، ثلاثة لبنانيين ينوي أحدهم العودة إلى لبنان وتأسيس شركته الخاصة. ويلفت سمير إلى أن قلائل من اللبنانيين «ينوون العودة إلى لبنان، لا سيما من استقرّ منهم مع عائلته وأولاده. وهم يراهنون على الحلول التي تبحثها الدولة الفرنسية والتي لا بدّ وان تشمل كل مقيم فيها».
لا يعتبر سيمون نفسه ممن يجب أن تشملهم حالة التفكير بالعودة إلى لبنان، إذ يشير إلى عوامل عديدة تجعله لا يطرح الفكرة من أساسها، على الرغم من أن شركة الهندسة حيث يعمل، طالتها ترددات الأزمة الاقتصادية. أول تلك العوامل هو حصوله على الجنسية الفرنسية منذ أكثر من ثلاثين عاما ومن ثم زواجه بفرنسية. وثانياً، صعوبة تأقلمه و»حياة الفوضى» في لبنان.
يروي سيمون عن ظروف العمل، أنها باتت قاسية، فـ»الشركة التي لم تتأثر بأي من الأزمات الاقتصادية التي مرّت على البلاد، أفقدتها الأزمة الحالية أكثر من ستين في المئة من عقودها. ولكن حتى الساعة لم نشهد صرفاً للعمال».
يبدو أن اللبنانيين الذين يعيشون في الدول المتقدّمة، لا سيما الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية، يفضّلون «زيوان الغريب على قمح بلادهم»، لأنه كما يصف وسام: «تقديمات الدولة للعاطلين عن العمل أفضل بالنسبة إلينا من الشعور بعدم الاستقرار في بلد كلبنان». وهو من الذين خسروا عملهم في الولايات المتحدة الأميركية: «لا أظنّ أن من أسس لحياته في هذه البلاد ولديه زوجة وأولاد يدرسون هنا، يمكن أن يعود إلى لبنان، لا سيما مع محاولة الرئيس الأميركي باراك أوباما رفع معاشات البطالة إلى 350 دولاراً في الأسبوع. أظنّ أن من يفكر بالأمر هو من لم يؤسس عائلة بعد ولم يأت إلى البلاد (أميركا)، منذ وقت طويل. مع ذلك، هم قلائل جداً».
خسر وسام عمله في واحدة من أكبر خمس شركات في الولايات المتحدة تدير شركات وفنادق، بسبب الأزمة العالمية. وهو يحاول إيجاد فرصة عمل أخرى هناك: «ومع ذلك، سأعمل على تأسيس شركة خاصة بي في لبنان، يتوزّع عملها بين البلد والخارج».
دبي: انفجار عكسي
الهجرة إلى دبي تسمّى بالهجرة المؤقتة. وسوق العمل في دبي لطالما استوعب أعداد اللبنانيين الباحثين عن فرص أو معاشات لم يوفّرها لهم بلدهم.
إلا أن الأزمة انفجرت في دبي، المدينة العالمية. يختصر مازن، وهو لبناني كان يعمل في دبي، الأزمة بالـ»booming» العكسي، أي انفجار عكسي لكل تطوّر شهدته الإمارة. خسر عمله ويهمّ بالعودة إلى لبنان. اللافت أنه كان يعمل في مؤسسة حكومية تعنى بالعقارات، وقد صرف وحوالى 150 موظفاً سواه «على أن ينضم إلينا 150 آخرين عما قريب. وتكون بذلك المؤسسة قد صرفت ثلاثمئة من موظفيها من أصل ما يناهز الألف».
ويلفت مازن إلى أن خمسين في المئة من مجموعة أصدقائه خسروا أعمالهم و»الباقون خائفون على وظائفهم». ويعتبر الأزمة «ضرباً» لقطاعي العقارات والمقاولات ومن ثم الإعلام والإعلان والسياحة، وهي القطاعات التي بني عليها الاقتصاد في دبي: «فحين أصيب قطاع البناء والمقاولات والعقارات، أصيبت معه مجموعة الشركات الاعلامية التي كان يموّلها القطاع الأول لأهداف إعلانية. كما طالت إصابته قطاع السياحة وتحديداً الفنادق التي فرغت من رجال الاعمال الذين كانوا يملأون المدينة لإبرام العقود».
من التعابير التي ترافق الأزمة، كلمة «تفنيش»... وقد ردّدها مازن كتعبير خاص ملازم لما يعيشونه مشيراً إلى «تفنيش» تسعين في المئة من العاملين في قطاع العقارات والبناء، «أي تسعين في المئة من حوالى مئة ألف أو مئة وخمسين ألف عامل».
معظم اللبنانيين يعملون في دبي في قطاعي المقاولات والاعلام: «لذلك، سنرى كثيرين منهم عائدين إلى لبنان، مراهنين على كفاءتهم التي اكتسبوها من عملهم في دبي لإيجاد وظيفة لهم في لبنان»، بحسب مازن. هو سيعود ويؤسس شركته الخاصة في مجال المقاولات، في حين ناشد العاملين في الإعلام، لا سيما أن غالبية مدرائها أو «محرّكيها» في دبي من اللبنانيين، «انتهاز الفرصة ونقل مركزية الاعلام في الشرق الأوسط من دبي إلى بيروت».
لماذا لا يبحث مازن عن عمل آخر في دبي؟ «لأن الأمور تتجه نحو الأسوأ في دبي. فالأزمة ستتفاقم»، هكذا يجيب.
ريما هي من الذين تمّ «تفنيشهم» وكانت تعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية منذ عام 2004. غير أنها لا تفكّر بالعودة إلى لبنان لالتزامها بإعالة والديها، ولأنها اعتادت على الحياة «في مدينة تقدّم كل يوم جديداً، على عكس بيروت التي لا تظهر أي تقدّم، ولأن لدي التزامات مادية لا يمكن سدادها في فترة وجيزة».
في الشركة حيث كانت تعمل، تمّ صرف 250 موظفاً من أصل 650 في يوم واحد: «وهذه حال شركات كثيرة». هي تبحث اليوم عن فرصة عمل أخرى قبل انقضاء المهلة التي تعطيها دولة الإمارات للمقيم للمباشرة بالعمل وتبرير إقامته، والتي تناهز الثلاثة أشهر. وإلاّ تعود... علماً بأنها مؤمنة بأن «من يبحث يجد فرصاً أخرى شرط ألا يرفع سقف شروطه عالياً».
تؤكد ريما أن الكثير من اللبنانيين العاملين في دبي عادوا إلى لبنان حتى من دون تأمين عمل قبل العودة: «ولا بدّ أن تشهد بيروت أعداداً أكبر من العائدين مع انتهاء العام الدراسي في حزيران المقبل. علما بأن اللبنانيين الذين يتركون دبي ليسوا أكثر ممن يتركونها من جنسيات أخرى، ومنهم من يقدّم إستقالته لأن البلد في حال اكتئاب عام».
لدى سؤال نسرين بكداش عن وضع اللبنانيين في ظلّ الأزمة التي طالت دبي، تجيب: «تمّ خفض معاش رفيقتي، فيما خسر رفيق آخر لي وظيفته، مع 250 من زملائه، وتمّ خفض راتب ثالث من ستة آلاف دولار زائد بعض المخصصات والعلاوة، إلى أربعة آلاف من دون مخصصات وعلاوة... حتى بتنا نسأل رفاقنا: كيف حال العمل؟ كصيغة مخففة للسؤال: هل خسرت عملك؟».
هي على الأقل لم تخسر عملها، لكنّها تعيش في قلب الأزمة: «البلد فاضي»، تقول، وتكمل: «ورش غير مكتملة، والعمّال، إن لم يتم صرفهم، لا يجدون عملاً يقومون به... ولكن، أنا من اللبنانيين الذين يقولون إنه كما استقبلتنا دبي في أزمتنا، علينا مراعاتها في أزمتها». وتضيف ضاحكة أنه من حسنات الأزمة: «صار في باركينغ في دبي!».
تلفت نسرين إلى أن بعض اللبنانيين سيغادرون دبي إلى لبنان لا سيما من لم يعد باستطاعته سدّ التزاماته: «يحكى أن أعداداً منّا لم تكن تعيش وفق المثل القائل على «قد بساطك مدّ إجريك»، ودخلوا دوامة التقسيط السهل هنا، وفشلوا في سداد المتوجب عليهم، حتى أن بعضهم ترك سيارته في المطار مع مفاتيحها أو على باب المصرف المستدين منه». في المقابل، بين اللبنانيين العاملين في دبي، هناك من لم يعد يحتمل «الذهنية اللبنانية التي لا تسعى إلى تطوير نفسها»، ويحاول البحث عن عمل آخر في دبي أو في منطقة الخليج.
ما تسمعه نسرين في مقاهي دبي لا يبشّر بالخير: «هناك «رجعة» في نيسان وأخرى في حزيران، حتى أن البعض يقول أن الأزمة أقوى عشر مرات مما يظهر على أرض الواقع».
1800 سيرة في ثلاثة أشهر
من بين العائدين من الخارج، هناك من يطرق باب مؤسسات التوظيف للبحث عن عمل. ولذلك، تبدو تلك المؤسسات الوحيدة، حتى الساعة، القادرة على تقديم رقم يتعلّق باللبنانيين الذين خسروا أعمالهم في الخارج. من تلك الأرقام، تسلّمت شركة «كاريرز» للتوظيف والاستشارات 1800 سيرة ذاتية للبنانيين عاملين في الخارج منذ كانون الأول الماضي، حوالى سبعين في المئة منهم عملوا في الإمارات، وفق ما يشير مدير عام المؤسسة فادي عيد. معظم تلك السيّر تعود لعاملين في قطاعات المقاولات والعقارات والمالية والمصرفية، «وقد بدأت تتوسع لتطال قطاعات السيارات والسياحة والاعلانات». كما يلفت عيد إلى توقّع وفود أعداد كبيرة من اللبنانيين مع إنتهاء العام الدراسي في حزيران»، وهو يؤكد أن «شركات عديدة بدت مهتمة بمقابلة هؤلاء نظرا لخبرتهم لا سيما من عمل بينهم في شركات عالمية أو إقليمية، حتى أن بعضهم وجد وظيفة بشكل سريع».
إلى ذلك، يلفت عيد إلى أن اللبنانيين العائدين يطلبون في سيرهم أجراً أقل من الذي كانوا يتقاضونه في الخارج، من دون أن تكون تلك القاعدة معممة. يذكر عيد أن «من كان يتقاضى 1800 دولار في الخارج يطلب ألف دولار في لبنان، ومن كان يتقاضى 15 ألف دولار، يطلب بين 8 و9 آلاف دولار وقد يرضى براتب سبعة آلاف دولار. واللافت أن الطلب يزداد على أصحاب الكفاءات العالية والمتوسطة».
من جهته، يوضح مدير مكتب «غايد» للتوظيف ابراهيم نور الدين، أنه في وقت كانت شركته تتلقى سيرة ذاتية واحدة في فترات متباعدة من السنة من لبنانيين عاملين في الخارج، باتت اليوم تتلقى حوالى الخمسين سيرة كل شهر: «علماً بأن زيادة العدد متوقعة عما قريب». فعلياً، لا تطلب الشركات اللبنانية العائدين بشكل صريح، لكنّ القيّمين عليها غالبا ما يفضّلونهم على غيرهم: «أولاً لكفاءتهم، وثانياً لعودتهم بذهنية من يحترم العمل ويقوم بواجباته على أكمل وجه». ويضيف أن تلك الشركات تنتظر وتراهن على «ارتفاع الطلب لخفض الرواتب، كون من يعد اليوم يستطع المفاوضة على راتب يرضيه».
لبنان والأزمة بالأرقام
حتى الساعة يعتبر الكثير من اللبنانيين أن بلدهم يعـيش بمنأى عن الأزمة العالمية. لا مصارف أفلست ولا شركات أقفلت، علما أن الإقليمي أو الدولي منها بدأ بصرف عمّاله. لكنّ، فعلياً، يمكن بدء تلمّس تردداتها، كما يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة سيدة اللويزة الدكــتور لويس حبيقة: «نحن في قلب الأزمة»، يقول، ويشرح: «لن نشهد انكساراً أو هبوطاً رهيباً، بل هناك تباطؤ. فالأزمة هنا لن تأخذ شكلها في الغرب لأن نموّنا خفيف. مع ذلك، بدأت أسعار العقارات والسيارات ومختلف الصناعات بالهبوط، وبدأ اللبنانيون المهاجرون بالعودة إلى البلد، وبالتالي بدأت تحويلاتهم تضعف. صحيح أن اللبنانيين في أوروبا أو أميركا لن يفكّروا بالعودة لأنهم ذهبوا إلى هناك في الأصل للاستقرار، لكنّ تحويلاتهم ستخف نسبها بشكل قوي وملحوظ. كما سنشهد تضييقاً للمشاريع في لبنان لتضييق الكلفة، مع الملاحظة أننا في صدد تنفيذ عقود موقعة لسنة أو سنتين وإنما لا عقود جديدة بينها».
يعتبر حبيقة أن الأزمة العالمية انطلقت في الدول المختلفة من القطاع المصرفي والمالي وامتدت إلى القطاعات المختلفة أو القطاع «الحقيقي» بتعبير اقتصادي، أما في لبنان فقد بدأت بطريقة معاكسة، منطلقة من الاقتصاد «الحقيقي» الذي لا بدّ وأن يتأثر به القطاع المالي: «ولكن، ليس بالقوة التي تأثر بها في الغرب».
إلى ذلك، يرى المحلّل أن وضع حوالى أربعة أو خمسة آلاف سيرة ذاتية بتصرّف شركات التوظيف سيؤدي حتما إلى ضيق في سوق العمل: «صحيح أن كفاءات عالية ستردنا من الخارج، ولكن قد يعني ذلك أنهم سيأخذون مكان من كان يعمل هنا. وبالتالي، لن تجد مشكلة صرف الموظفين حلاً لها إلا بازدهار المؤسسات، وهذا يتطلّب وقتاً وظروفاً أمنية واقتصادية ملائمة كما «راحة» في منطقة الخليج لأننا مرتبطون بها».
ونظراً للفاعلية الضعيفة في المؤسسة الوطنية للاستخدام، على الرغم من أهميتها، كما يقول حبيقة، ينصح بتأسيس مكتب خاص تابع للحكومة اللبنانية لاستقبال السيَر الذاتية لمن خسر عمله من اللبنانيين في الخارج، وينوي العودة إلى لبنان: «وذلك بهدف حصر المسألة وإدراتها بطريقة واحدة ومتوازنة، على أن تتعاطى الحكومة مع مختلف النقابات والجمعيات التي تعنى بالعمّال».
تراجع الاستثمارات وأموال المغتربين
بالنسبة إلى الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور غازي وزني: «تمكّن لبنان، كمرحلة أولى، من استيعاب تداعيات الأزمة وذلك بفضل قوة ومتانة القطاع المصرفي والثقة بالإجراءات التي اتخذت سابقاً في حاكمية مصرف لبنان، بما يخصّ العملة النقدية. بيد أن لبنان عام 2009 سوف يتأثر بالركود الاقتصادي العالمي وتباطؤ الاقتصادات العربية التي هي العنصر الاساسي في قوة الاقتصاد اللبناني».
وسيظهر الركود عبر عدة عوامل وفق وزني، أولها: تراجع ملموس للنمو الاقتصادي إلى أقل من 3,5 في المئة وذلك نتيجة تراجع الانفاق الاستهلاكي الناتج عن تراجع المداخيل، أولاً، وثانياً، انخفاض الحركة الاستثمارية من قبل اللبنانيين والعرب بنسبة تفوق الأربعين في المئة خصوصا أن هذه الاستثمارات تجاوزت 5,5 مليارات دولار عام 2008، ومنها أكثر من 2,5 مليار دولار استثمارات عربية. وثالثاً، تراجع الصادرات بفعل الركود الخارجي».
أما العامل الثاني الذي سيؤدي إلى الركود فيتعلّق بإلغاء وظائف وخسارة فرص عمل للعديد من اللبنانيين في الخارج، لا سيما في الخليج حيث يعمل حوالى 350 ألف لبناني: «ونخشى أن يتجاوز عدد اللبنانيين الذين سيخسرون عملهم العشرين ألفاً».
كما يتأثر الركود بتراجع تحويلات اللبنانيين من الخارج التي فاقت 7 مليارات دولار عام 2008، أكثر من نصفها مصدره دول الخليج، وبتراجع التدفقات المالية العربية التي فاقت 3 مليارات دولار نتيجة انخفاض المداخيل في المنطقة. ويلفت وزني إلى «أننا سنشهد تراجعاً في نمو القطاع المصرفي، حيث سجّل نمواً قياسياً عام 2008 تجاوز الـ15 في المئة، وتراجعاً في نسبة ربحيتها نتيجة التباطؤ الاقتصادي في منطقة الخليج وتراجع نشاط اللبنانيين في الداخل والخارج. يضاف إليها تأثير التداعيات على المالية العامة».
يصف الخبير وزني برنامج الحكومة لتحفيز الاقتصاد بـ»غير الكافي وغير القادر على تحريك الاقتصاد عبر تجاهله للأزمة الاجتماعية المقبلة والناتجة عن عودة عشرات الآلاف من اللبنانيين من الخارج».
ويعتبر وزني أن بين خمسة وعشرة في المئة من العاملين في دول الخليج سيعودون إلى لبنان، أي بين 20 و30 ألف لبناني من أصل حوالة 350 ألفاً يعملون هناك، مداخليهم توازي ثلاثة إلى أربعة أضعاف مداخيل اللبنانيين في الداخل على الرغم من أنهم يمثلون ثلث القوى العاملة في لبنان. وهو يشير إلى «تراجع نمو الاقتصادات الخليجية إلى أكثر من خمسين في المئة، مصيبة بذلك غالبية القطاعات ومنها العقاري الذي كان يمثل أكثر من 25 في المئة من الناتج المحلي. وستكون صعبة عودة هذه الاقتصادات إلى فورتها السابقة في الأمد القريب. ما يعني إقامة طويلة للبنانيين العائدين من تلك البلاد».
أمام هذا الواقع، يناشد وزني الحكومة وضع خطة طوارئ «عبر إنشاء هيئة اقتصادية تؤسس لبرنامج اقتصادي واجتماعي يعالج هذه التحديات عن طريق تشجيع تأسيس شركات صغيرة وتسهيل تمويلها ودعم الفوائد لهذه المؤسسات على المدى المتوسط والبعيد، بالإضافة إلى توجيه استثمارات نحو قطاعات من شأنها خلق فرص عمل ومنافسة وتدخل في مجال السياحة الداخلية».
على صعيد آخر، يلفت وزني إلى أن لبنان «استفاد في المرحلة الأولى من تداعيات الأزمة حيث تم تسجيل تدفقات مالية من الخارج، وقد وصلت الرساميل الوافدة عام 2008 إلى حوالى 16 مليار دولار أي بزيادة 46 في المئة عن عام 2007. كما عزّز ذلك الاستقرار النقدي. ولكن حالياً، وليتمكن لبنان من الاستفادة، يحتاج إلى استقرار سياسي وأمني، وأن يصبح الملاذ الآمن والمجدي للاستثمارات والتوظيفات المستقبلية في معظم القطاعات لا سيما العقارية والسياحية والمصرفية... والجدير ذكره هنا أن الحركة السياحية في لبنان لن تتأثر بتداعيات الأزمة هذا العام لجهة عدد السياح وإنما بتراجع الانفاق السياحي».
أخيراً، يرى وزني أن لبنان «لن يشهد عودة اللبنانيين العاملين في أفريقيا، مثلما هي الحال في أميركا وأستراليا. وستكون عودتهم من أوروبا خفيفة، وتطال خاصة موظفي القطاع المصرفي والمالي».
تعليقات: