التنصّت من جديد: فرع المعلومات يطلب مسحاً لكل لبنان

ملف التنصّت في ملعب مجلس الوزراء
ملف التنصّت في ملعب مجلس الوزراء


■ بارود يتصرّف بحياديّة وكصندوق بريد ولا يمنع مخالفة القانون

■ تجربة باسيل وفضل اللّه إشارة إلى قدرة المعارضة على التغيير

■ برّي أمام استحقاق لجنة تحقيق محايدة والقضاء أمام الاختبار

عود على بدء، وملف الاتصالات يطل برأسه من جديد في ضوء إصرار فريق الأكثرية الأمني والسياسي على مواقف وخطوات تشير إلى مقاومة محاولة تطبيق القانون، وكان البارز طلبٌ جديد مقدم من فرع المعلومات لا يمكن تلبيته

كشفت تجربة متابعة ملف التنصت إمكانات موضوعية وجدية من جانب قوى المعارضة على تحقيق نتائج أفضل بكثير مما قدّره كثيرون وبطريقة تبعث برسالة إلى الفريق الآخر بأنه يمكن المعارضة أن تقود ملفات تخص الأمن السياسي في البلاد وحاجات المواطنين بكفاءة، كما دلّت على إمكان كشف «الزعبرات» والمخالفات ونظام الاستباحة الذي اتّسمت به حركة فريق 14 آذار في المرحلة الماضية، علماً بأن في العقل القيادي لهذا الفريق من يعتقد أن الأمور لا تزال هي نفسها، وأنه يمكن تحقيق أمور في عام 2009 كأننا ما زلنا في عام 2005، وكأن مهرجان 14 شباط الأخير الذي فاجأ قادة 14 بالحضور قد محا نتائج انتفاضة 7 أيار.

وإذا كان ملف التنصت مقبلاً على جولة جديدة، فإن الإدارة القائمة له من جانب المعارضة والمتمثلة في وزير الاتصالات جبران باسيل ورئيس لجنة الاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله، تعدّ ما يلزم لحماية ما أُنجز على أكثر من صعيد، ولا سيما إلزام الجميع بالتزام القانون بمعزل عن الأهواء السياسية، حتى إن حزب الله أبدى استعداده للسير في أي لجنة تحقيق متوازنة ولو وضع فريق 14 آذار على جدول أعمالها التدقيق في كلام عن أن حزب الله يقوم بالتنصت غير الشرعي، وهو أمر ينفيه الحزب ولم يثبت لدى أي طرف محلي أو خارجي، ما عدا إسرائيل التي يعرف الخبراء أن متابعتها تحتاج إلى آليات عمل لا تقوم في مسائل داخلية.

وما يعيد الاعتبار إلى هذا الملف، هو أن بعض فريق الأكثرية النيابية يرغب في تمديد المهلة المعطاة من جانب الحكومة، حتى الخامس عشر من هذا الشهر، لوقف أشكال الطلبات التي كانت تقدم سابقاً، ويتذرع الراغبون هؤلاء بأن غرفة التحكم التي بدأ العمل على إنجازها في وزارة الاتصالات قد تحتاج إلى شهرين إضافيين حتى تبدأ العمل، وتحتاج إلى خمسة شهور حتى تكون جاهزة بالكامل، وهي في أيّ حال لا يمكنها القيام بكل الأعمال كما تفترض بعض الأجهزة الأمنية. إلا أن الفترة الفاصلة سوف تشهد نوعين من النقاش:

الأول يتصل بالنقاش النيابي، الذي سيجري استناداً إلى التقرير الذي أعدّه فضل الله باسم لجنة الاتصالات، والذي سيسلّم إلى الرئيس بري لإدارة الأمر من خلاله. ويتضمن التقرير مجموعة من الخلاصات المستمدة من الاجتماعات التي عقدتها اللجنة مع وزير الاتصالات وقادة الأجهزة الأمنية والقضائية. ويخلص التقرير إلى مجموعة طلبات، بينها تأليف لجنة تحقيق برلمانية لمتابعة كل شاردة وواردة في هذا الملف، لكن التقرير لا يتجاهل حقيقة أن هناك من ارتكب المخالفات، وخصوصاً المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـــــ فرع المعلومات، والنيابة العامة التمييزيّة وبعض قضاة التحقيق ومخافر الدرك، إضافةً إلى مخالفات منسوبة إلى مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني، بينما لا تشمل الشبهة جهازي الأمن العام وأمن الدولة. ويركّز التقرير على معطيات وردت في الاجتماعات لناحية سعي البعض إلى الاستباحة العامة للحريات الفردية والشخصية والقيام بأعمال تتناقض مع القانون والسعي إلى مكافحة الجريمة والإرهاب.

الثاني يتصل بالنقاش السياسي والحكومي وعلى المستوى التقني، إذ إن هناك نقاشاً يجب أن يجري بشأن دور وزيري الداخلية والدفاع في تغطية طلبات الأجهزة الأمنية من جهة، وبشأن ضرورة توفير مجلس الوزراء الدعم والتغطية لعمل وزير الاتصالات، في مجال ضبط عمل التعقب والاعتراض من خلال الغرفة القانونية، ولضبط السياق العام في آلية لا تتغير بمجرد تغيير الوزير أو خلافه.

■ لجنة الاتصالات: حصر المخالفات

وفي الشق النيابي، يبدو أن لجنة الاتصالات والنائب فضل الله قد أنجزا كل ما هو مطلوب لمناقشة من يهمّه الأمر، وللدفاع عن الإيضاحات بشأن وجود مخالفات، لكن الأهم من ذلك هو أن فضل الله وما يمثل أعطى الإشارة العملية إلى الاستعداد لمتابعة عمل اللجنة القائم حالياً وعدم التراجع عنه تحت أي ظرف، باعتبار أن هذه المهمة من الوظائف المركزية للجنة الاتصالات، وهو يعمل على أساس أن للنواب مهمات تتجاوز ما يحاول البعض حصره في واجبات اجتماعية وخلافه، ما سوف ينقل الأضواء مجدداً نحو لجنة من هذا النوع، ويفترض أن يكون محفّزاً لبقية نواب المعارضة الذين يشغلون مواقع أساسية في لجان نيابية للعمل بالقوة نفسها، بمعزل عمّن هو في الحكومة أو في الوزارات المعنية. كذلك فإن آلية التعاون القائمة بين باسيل وفضل الله من شأنها تقديم نموذج عن آلية التعاون بين وزراء المعارضة ونوابها لتسجيل نقاط فارقة في المتابعة، وهو الأمر المهم تظهيره بصورة جيدة للجمهور.

وعلى حد تعبير أحد وزراء المعارضة، فإن سلوك فريق 14 آذار داخل اللجان النيابية وفي مجلس الوزراء يعكس «تورّطاً ما في أعمال مخالفة القوانين التي يمكن كشفها بسهولة، ومحاولةً لتغطية هذه المخالفات بالصراخ وبالحديث عن أن متابعة ملف التنصّت بطريقة المعارضة تعني تعطيلاً للأعمال الأمنية الخاصة بمكافحة الجريمة والإرهاب». وهو ما بدا في طريقة تصرف البعض، ولا سيما الوزير السابق مروان حمادة، الذي أطلق سلسلة من المواقف الرافضة لما صدر عن الوزير باسيل أو النائب فضل الله، وقد حاول ملء قاعة اجتماع اللجنة النيابية الموسعة بالصراخ، لكنه انسحب عندما أخرج باسيل المستندات التي تفضح حمادة والفريق الآخر، وتكشف عن الاستخدام السياسي والشخصي لأعمال التنصّت والتعقب.

كذلك فإن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي كان قد تولّى التحذير من أن الضبط المقترح من وزير الاتصالات من شأنه تعطيل أعمال الأجهزة الأمنية، وصل إلى القول إن «وقف التعقب والمعلومات والـ«داتا» الكاملة يعني كشف البلد أمنياً». لكن ريفي نفسه عاد وردّ على نفسه، إذ عندما تطرق الحديث إلى ملاحقة الجرائم، والإشارة إلى جريمة اغتيال الضابط في فرع المعلومات الشهيد وسام عيد، قال إن التحقيقات لم تصل إلى نتيجة لأن القتلة تجنّبوا استخدام الهاتف الخلوي خلال التحضير أو خلال تنفيذ الجريمة، وكانت هذه المعلومة كافية للقول لريفي من جانب الفريق الآخر إن المجرمين ربما تمنّعوا عن استخدام الهاتف في كثير من جرائمهم، وهذا دليل إضافي يؤكد أنه ليس صحيحاً الربط بين الحصول على «داتا» الاتصالات وكشف الجرائم، وهو ما دفع بالوزير باسيل إلى التنبيه من أنه يمكن حصر أعمال المراقبة والتعقب في منطقة الجريمة أو في عدد من الأرقام ولو وصل إلى ألف رقم، لكن أي شيء يحصل لا يوجب الاستباحة الكاملة.

كذلك فإن المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، الذي تبيّن أنه وقّع آلاف الطلبات المرسلة إلى وزارة الاتصالات للتنفيذ، ردَّ على سؤال عن تجاوز دور وزيري الداخلية والدفاع وحصول مخالفات من قضاة تحقيق ومن مخافر، فقال إنه تحمّل مسؤولية هذه الأمور بسبب طبيعة الأحداث الأمنية التي كانت جارية في البلاد، وإنه قام بذلك بعد أحداث مخيم نهر البارد، ولكن الوزير باسيل أظهر له وللحاضرين أن آلاف الطلبات قُدّمت قبل تاريخ المعارك المذكورة. وعندما كشف باسيل بعض ما لديه وأبدى استعداده لكشف المزيد، ظهر الارتباك لدى الطرف الآخر، فكان الصراخ. لكن أكثر الأمور سخافة تلك التي تطوّع لإثارتها النائب غازي يوسف، الذي يعتقد أنه بذلك يكسب كلامه صدقية انطلاقاً من اطّلاعه السابق على ملف الاتصالات، علماً بأنه لم يكن في موقع الثقة إلّا عند الحريري الأب، ساعياً في الوقت نفسه إلى رفع الصوت عشية الانتخابات، وهو يعرف أن تعيينه في منصبه لا يحتاج إلى بطولات وهمية.

إلا أن الأمر النهائي الذي يفترض أن تخرج به لجنة الاتصالات مع رئيس المجلس هو ما يتعلق بتأليف لجنة التحقيق، وهو أمر يهتم به المعنيون ارتباطاً بأن أي لجنة تحقيق يجري انتخابها من خلال تصويت الهيئة العامة، وفي مثل هذه الحالة، تلفت مصادر المعارضة إلى أنه في حال جديّة فريق 14 آذار في العمل على لجنة تحقيق تكشف كل شيء، فإن من الأفضل، لكي تُمنَح هذه اللجنة الثقة ولا تسيّس بطريقة لافتة، أن تُنتخب وفق آلية متوازنة لا أن تستغلّ الموالاة أغلبيتها النيابية وتمرّر لجنة تكون مهتمة بالتسويف وتغطية المخالفات والمخالفين فحسب، وهو ما سيكون متروكاً لرئيس المجلس النيابي الذي يقدر على ضبط الأمر، من خلال اتصالات مسبّقة تجري مع كتل 14 آذار، أو من خلال إيجاده آلية تضمن العمل والوصول إلى نتائج ولو من دون لجنة التحقيق.

■ الداتا والتنصت وآخر الطلبات

وسط نقاش بشأن مطلب الفريق الأمني لـ14 آذار الحصول على كامل الـ«داتا» من وزارة الاتصالات ومن شركتي الهاتف الخلوي، لجأ البعض إلى إثارة قصة أن الداتا لا تتصل بأعمال التنصت، وأُقنع وزير الداخلية زياد بارود باللجوء إلى جهات قانونية لاستشارتها في الأمر، علماً بأن مصدري الفتاوى كما عهد اللبنانيون خلال العقدين الماضيين يقومون بذلك وفق مبدأ «غب الطلب». وهذا ما يفسر قول قانونيين، بعضهم يعمل في وزارة العدل الواقعة الآن تحت سيطرة مشتركة بين تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، إن طلب الـ«داتا» لا يعني طلب التنصت، وهو أمر مخالف للقانون الذي يقول إن كل طلبات الحصول على آلية التواصل بين رقم وآخر ومعرفة معلومات شخصية عن صاحب الرقم وتاريخ مبادلات الرسائل القصيرة أو مضمونها أو طريقة التواصل بين المشتركين في شبكات الهاتف الثابت والخلوي هو عمل من أعمال التنصت والتعقب المخالف للحريات العامة والقانون، علماً بأن القرار الأخير لمجلس الوزراء كان قد ثبت أن أي طلبات أمنية يجب ألّا تشمل الرؤساء والوزراء والنواب وبعض الجسم القضائي لجهة أنهم يتمتعون بالحصانة المباشرة أو غير المباشرة. وهذا ما ينعكس ربما على منع متابعة نحو 200 رقم هاتفي، إلا إذا جرت مضاعفة الأرقام بحجة أن كلاً من أعضاء هذه اللائحة يملك شبكة من الخطوط الشخصية.

وجاء هذا النقاش بعد استمرار فريق 14 آذار في طلب معلومات وتقارير توحي أنهم يريدون تجاوز ما تحقّق حتى الآن. وآخر ما حُوّل إلى الوزير باسيل، طلبٌ وقّعه وزير الداخلية يدعو فيه إلى تنفيذ طلبات واردة من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، مع إشارته إلى أنّ من الأفضل تنفيذ الأمر «ضمن حدود القانون»، ما يشير إلى أن بارود لا يريد رد طلب فرع المعلومات لكنه يريد توفير تغطية لنفسه من خلال هذه العبارة. وهو الأمر الذي يُقصد منه ــــــ ليس بالضرورة من بارود ــــــ إحراج الوزير باسيل، لناحية القول إن الطلب وصل إليه وفق الآلية التي اتفق عليها في مجلس الوزراء، وإن الإحالة جرت عبر وزير الداخلية، وبالتالي ما على الوزير باسيل إلّا تنفيذ الطلب.

أما مضمون هذا الطلب، فقد علمت «الأخبار» أنه موجّه من فرع المعلومات ـــــ المديرية العامة إلى قوى الأمن الداخلي، وهو يريد مسحاً من زمن مر قبل وقت على انطلاق النقاش حتى تاريخ 15 آذار الحالي، وفق لائحة تتضمن الآتي:

أولاً: معلومات مفصلة عن أعداد المشتركين في الخطوط الثابتة والخلوية.

ثانياً: أسماء أصحاب هذه الخطوط والاستمارات التي تدل على امتلاكها.

ثالثاً: لائحة بأسماء مراكز بيع خطوط الهاتف الخلوي وعناوينها، ونسخ عن الرخص الخاصة بكل منها.

رابعاً: خريطة توزيع مراكز ومحطات الإرسال والبثّ الخاصة بشركتَي الهاتف الخلوي وسنترالات الهاتف الثابت على جميع الأراضي اللبنانية.

خامساً: الطلب إلى شركتي الهاتف الخلوي التعاون الفني مع فرع المعلومات.

ويبدو أن هناك بنوداً أخرى في الطلب، الذي يهدف عملياً إلى جمع كل الـ«داتا» الممكنة قبل بدء تنفيذ أعمال غرفة المراقبة، مع تفاصيل تتيح لمن يملك تقنيات متطورة للتنصت أن يقوم بالعمل وفق ما يراه مناسباً، ولا سيّما أن أحد الفنيين في وزارة الاتصالات وآخر من جهاز أمني قالا إنّ لدى فرع المعلومات تقنيات توضع في سيارات صغيرة وتسيّر قرب محطات الإرسال، ما يتيح اعتراض أي مكالمة والحصول على نصها وكذلك على نص الرسائل القصيرة.

ومع أن باسيل لفت مجلس الوزراء أخيراً إلى أن هناك مخالفات للقانون تجري من خلال ما يرد في بعض الطلبات، فهو أثار من جهة ثانية أن بعض الطلبات غير قابل للتطبيق، وخصوصاً أن هناك من يريد معلومات مفصلة عن نصف الشعب اللبناني المشترك في كل شركات الهاتف، وهناك عمليات بيع لنحو سبعة آلاف خط أسبوعياً، ما يعني أنه يجب أن يكون هناك عنصر في كل مركز بيع لجمع المعلومات عمّن يشتري الخطوط. ولفت باسيل إلى محظور إضافي وشديد الخطورة لأن من يطلب هذه المعلومات لا يريد عملياً الحصول على لائحة الأسماء بل على أرقام الحسابات المالية الخاصة بهؤلاء الأفراد الذي يوَطّنون فواتيرهم في المصارف وهو ما تقوم به غالبية المشتركين، ما يعني أيضاً الوصول إلى خرق إضافي للسرية المصرفية. وقبل ذلك هناك اعتراض اساسي لأن فرع المعلومات جهاز ليس ذا صفة، ولم يجرِ تشريعه حتى على مستوى مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي.

وبرغم أن رئيسي الجمهورية والحكومة حاولا احتواء الموقف من خلال الطلب إلى الوزراء المعنيين (الاتصالات، الداخلية والدفاع) التشاور من أجل التوصل إلى نتيجة في هذا المجال، فإن الأمر يتعلق أكثر فأكثر بعمل وزيري الداخلية والدفاع، إذ عليهما التدقيق في أي طلب قبل إحالته على وزارة الاتصالات، والتأكد من أنه لا يتضمّن مخالفة للقانون الأصلي، وليس فيه أي نوع من التحايل على القانون، لأن دور وزيري الداخلية والدفاع في هذا المجال ليس مجرد علبة بريد، كذلك هناك حاجة إلى التدقيق في آلية عمل وسلوك وزير الداخلية على وجه الخصوص، الذي يحاول التصرف بحيادية في ملفات تقع في صلب مهماته كوزير يقوم بحماية القانون وحياديته تقتصر على عدم الانحياز السياسي لا الوقوف على الحياد في حالة مخالفة القانون، وهو ما بدا من النقاش الأول بشأن مصير فرع المعلومات، إذ كان بمقدوره إقرار الفرع كما طلب فريق 14 آذار والعمل على منحه الصلاحيات كلها، وإذا لم يكن مقتنعاً ــــــ وهذا على الأقل ما أوحي ـــــ فإن الأمر يتطلب منه العمل على حسم الأمر نظراً للدور الكبير الذي يؤدّيه هذا الفرع بمعزل عن الخلاف السياسي حوله، لا أن يكتفي الوزير بإحالة الأمر على مجلس قيادة قوى الأمن، وهو الذي يعرف أنه مجلس يتأثر حكماً بالتجاذب السياسية، لأن الأعضاء فيه ليسوا من المريخ بل عَيّنت معظمهم قوى سياسية نافذة في البلاد. ومع أن خلاصات مجلس القيادة لم توفّر له التغطية لتشريع عمل فرع المعلومات فهو لم يبادر إلى حسم المسألة على هذا النحو بل ترك الأمر على ما هو عليه، وحاول القيام بخطوات أزعجت وربما عقّدت عمل الفرع كما هو قائم منذ ثلاث سنوات، ولم تؤدّ في الوقت نفسه إلى وضع إطار حاسم لكل الأعمال منوطة به.

باسيل وتفجيرات طرابلس

شنّت قوى 14 آذار ووسائل الإعلام التابعة لها حملة على الوزير جبران باسيل، تحت عنوان أنه عرقل التحقيقات في تفجيرات الشمال الأخيرة، وأنه سبّب إفلات المجرمين، علماً بأن المعطيات الأمنية التي كُشفت لاحقاً أظهرت أنه بعد تقديم المعلومات بخمسة أيام أُعلن اكتشاف الشبكة بحسب معلومات قوى الأمن الداخلي، فيما كانت مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني قد وضعت يدها على الشبكة قبل حصول التفجير الثاني في طرابلس.

ويبدو أن التدقيق الذي أجرته جهات رفيعة في الدولة أكد أن بعض المعلومات الأمنية تتأخر في الوصول إلى الجهات القضائية، نتيجة تباين قائم حتى اللحظة بين الأجهزة الأمنية المشرفة على كل التحقيقات.

حزب اللّه والتحقيق البرلماني

قال النائب حسن فضل الله إن حزب الله يؤيّد من دون تحفّظ قيام لجنة تحقيق برلمانية في ملف التنصت، وإذ أشار إلى أهمية أن تكون اللجنة متوازنة، شدّد في المقابل على أن الحزب ليس لديه ما يخفيه أو يخيفه في هذا الملف، على العكس من الحملة التي تتّهم الحزب بأن لديه جهاز تنصت غير شرعي.

الحريري والخليل والتنصّت

كان التنصّت مدار اجتماع استمر لساعات، بين النائب سعد الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، في مسعى إلى عدم تحويل الموضوع إلى نقطة تفجير على مستوى البلاد. وتخلّل اللقاء اتصال مع رئيس لجنة الاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله في إطار الاطّلاع على تفاصيل تخص عمل اللجنة النيابية.

الأمن الداخلي: استهداف فَرع المعلومات محضُ سياسيّ

حسن عليق

يثق المعنيون في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بأن مجلس الوزراء سيمدد مهلة تزويد الأجهزة الأمنية ببيانات الهاتف الخلوي التي ستنتهي يوم 15 الجاري. وهذا قبل أن يُطرح الأمر على طاولة البحث السياسي، كما يؤكد مسؤولون رفيعون في وزارة الداخلية. ويفترض المعنيون في المديرية «أن أي جهة سياسية لن تتحمّل مسؤولية انكشاف البلاد أمنياً عبر سد إحدى الثغر التي تنفذ منها الأجهزة الأمنية في تعقبها للشبكات الإرهابية»، «فحادثة البحصاص لا تزال طرية في الأذهان»، يقول أحدهم. تقدم أهالي الشهداء بطلب رسمي من المحقق العدلي في الجريمة، يطلبون فيه استدعاء وزير الاتصالات جبران باسيل للاستماع إلى إفادته بشأن عدم تسليم البيانات الهاتفية للأجهزة الأمنية التي كانت تتابع شبكة عبد الغني جوهر تقنياً. وقد أبعد قطعُ البيانات عن الأجهزة إمكانَ كشف الشبكة المذكورة إلى ما بعد تفجير البحصاص، علماً بأن لباسيل رأيه الآخر في هذه المسألة.

ويشدد ضباط معنيون بالأمور التقنية في قيادة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات (المسيسون منهم و«المحايدون») على أهمية الحصول على البيانات الهاتفية، مقلِّلين من أهمية ما يثار حول التبعية السياسية لفرع المعلومات والخلل القانوني في واقعه كـ«شعبة». ويشير هؤلاء إلى أن من يهاجم فرع المعلومات، وخاصة في موضوع التنصت وبيانات الهاتف الخلوي، يتغاضى عن إنجازات الفرع في هذا المجال. ومع التسليم بأن البيانات الهاتفية لم تقدّم أي جديد للتحقيق في عدد من الجرائم الهامة (محاولة اغتيال الرئيس السابق لفرع المعلومات العقيد سمير شحادة عام 2006 واغتيال الرائد وسام عيد عام 2008 على سبيل المثال)، إلا أنه لا يجوز وضع البيانات جانباً وحرمان الأجهزة الأمنية من العمل بواسطتها، لأنها أسهمت بكشف عدد من الجرائم والشبكات الإرهابية، سواء كعمل تحقيقي أو في مجال الأمن الوقائي. ويعدد أمنيون معنيون عدداً كبيراً من الخروق التي حققها فرع المعلومات عبر وسائل تحقيقية عدة كان من أبرزها استخدام البيانات الهاتفية، مثل توقيف المتهمين بجريمة عين علق ومجموعة عبد الغني جوهر ومجموعة أطلقت عدداً من الصواريخ في الجنوب وتوقيف مجموعة الـ13 وشبكة ثكنة فخر الدين وعدد من المنتمين إلى تنظيم القاعدة قبل تنفيذهم أي أعمال إرهابية في لبنان كمصطفى سويد والمجموعة التي أوقفت في منطقة إقليم الخروب وضبطت في حوزتها 90 كلغ من مادة الـ«سيانور» السامة.

ويبعد الأمنيون عن عملهم أي أهداف سياسية أو اعتداء على خصوصيات المواطنين. وبرأي أحدهم «فإن من سيكون محتاجاً لمساندة فرع المعلومات في الانتخابات النيابية المقبلة ليس جديراً بالترشح للانتخابات أصلاً». أما التعدي على الخصوصيات الفردية، «فإننا نشدد على ضرورة الابتعاد عنه أضعاف ما يفعل الآخرون، وليعطنا المدعون أدلة على غير ذلك».

ولا ينسى المسؤولون في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التأكيد أن فرع المعلومات لا يملك أي أجهزة للتنصت، بل إن كل ما لديه هو أجهزة لتعقب حركة الاتصالات، فضلاً عن برامج معلوماتية تسمح بتحليل حركة الاتصالات وتنقلات الأرقام المشبوهة، من دون الحصول على مضمون هذه الاتصالات، لأن شركتي الخلوي في لبنان غير مجهزتين للتنصت على أكثر من 14 رقم هاتف خلوي. أما تقنيات التنصت على مكالمات الهاتف الأرضي فمحصورة في يد مديرية استخبارات الجيش في شأن الأمن العسكري. ويعيد هؤلاء سائلهم إلى ما قاله اللواء أشرف ريفي في جلسة لجنة الاتصالات البرلمانية، عندما طالب بتزويد الأجهزة الأمنية اللبنانية بتقنيات أكثر تطوراً، لأن ما هو موجود الآن بات متخلفاً جداً مقارنة بالتقنيات المتطورة الموجودة في دول العالم التي تسمح لأجهزتها الأمنية بالحصول على البيانات الهاتفية كاملة.

ويشدد معنيون في المؤسسة على أن فرع المعلومات لا يحتاج إلى مضمون الرسائل القصيرة، ولا مانع لديه أبداً في أن تُحجَب عنه البيانات الهاتفية الخاصة بالمسؤولين السياسيين والقضائيين والأمنيين. أما عن سبب طلب فرع المعلومات تزويده بكل البيانات الهاتفية المسجلة خلال الفترة الماضية، على جميع الأراضي اللبنانية، فيجيب بعض من بيدهم الأمر بالقول إن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي مصرة على الحصول على البيانات كاملة، «لأننا لا نستطيع أن نضبط حركة المجموعات الإرهابية في مكان محدد في لبنان»، مؤكدين أن «الطلب الأخير، كسوابقه التي لبتها وزارة الاتصالات، ورد من ضمن القانون وفي إطار قرار مجلس الوزراء، ومن دون طلب أية بيانات إضافية (كالحسابات المصرفية أو أماكن شراء بطاقة الهاتف)». ويشرح هؤلاء بالقول: «في معظم الأحيان، لم يكن في حوزة المحققين أرقام هاتفية محددة يحملها المشتبه فيهم ليجري تتبعهم على أساسها، بل إن ما يجري هو أن التقنيين في فرع المعلومات يحللون البيانات، وعلى أساس التحليل يحددون الأرقام المشبوهة التي يلاحقونها ويحددون أماكن تحركها ومروحة اتصالاتها. وبناءً على ذلك، لا يمكن طلب البيانات الخاصة بعدد معين من الأرقام أو بمناطق محددة».

ويرى مسؤولون أمنيون رفيعون أن استهداف فرع المعلومات هو محض سياسي، وبعيد عن أي طابع قانوني وأمني. فكل طلبات الفرع القديمة كانت بناءً على إشارة القضاء، كذلك فإن الطلبات الحالية تصدر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، لا عن «شعبة» المعلومات، وعلى هذا الأساس يحيلها وزير الداخلية إلى وزارة الاتصالات. أما القول إن محققي «المعلومات» هم فاقدون للأهلية القانونية، لكونهم يعملون في قطعة غير منصوص عليها في القوانين والمراسيم المنظمة لعمل الأمن الداخلي، «فإن ذلك نابع أيضاً من خلفية سياسية، لأن طارحي هذه الفكرة لا يناقشون في دستورية عمل مديرية استخبارات الجيش التي نصت وثيقة الوفاق الوطني في الطائف على حصر دورها في مجال الأمن العسكري».

تعليقات: