ماذا قالت إحدى شخصيات 14آذار للجنرال.. وما هي قصة «الزرازير»؟
خلافا للحمى الانتخابية الآخذة في التفشي في كل مكان، مع ما يرافقها من عوارض جانبية، يتعمد العماد ميشال عون أن يعكس أمام زواره في الرابية حالة من الطمأنينة والتماسك، في مواجهة الاصطفاف السياسي الواسع الذي يتهيأ لخوض الانتخابات ضده في الدوائر المسيحية، وأيضا في مواجهة «دلال» بعض الحلفاء ممن يحاولون الاستحواذ على مقاعد نيابية تتجاوز ما يستحقونه.
يبدو واضحا لمن يستمع الى الجنرال في جلسة «فضفضة» انه يراهن بالدرجة الاولى على الناس، وعلى العلاقة التي نسجها معهم في مراحل مختلفة من «مغامرته» المستمرة بأشكال مختلفة، بدءا من حرب التحرير ضد سوريا في العام 1989وصولا الى «سلام الشجعان» معها قبل أشهر قليلة، مرورا بالتفاهم مع حزب الله والذي ما زال يدافع عنه حتى الآن بحرارة «الأبوة».
ليس صعبا استشعار الاعتزاز والدفء في نبرة كلامه حين يتطرق الى طبيعة علاقته المباشرة بالجمهور، والتي يؤكد انها لا تمر عبر وسيط او منفعة، «بحيث أنني أمضي وقتا طويلا في استقبال الناس الى حد ان اليوم يمر أحيانا من دون ان استطيع ان أقطع تلك المسافة القصيرة التي تفصلني عن منزلي الكائن في الطابق الثاني من مقري في الرابية».
ويروي هنا كيف ان إحدى شخصيات 14آذار التي التقت به في مناسبة معينة خاطبته بالقول: أعترف لك يا جنرال بأن خطورتك تكمن في قدرتك على أخذ المسيحيين الى حيث تريد، فأجابها عون: هذا صحيح.. ولكنني أخذتهم الى الخيارات التي تحقق لهم مصالحهم وطمأنينتهم.
وبهذا المعنى، يتطلع عون الى إثبات ان التفويض الشعبي الذي منح له في انتخابات 2005 لم يكن تعبيرا عن «نزوة» عابرة، بل هو نتاج قناعة متجذرة بما يرمز إليه. ولأن رهانه كبير، يدعو الجنرال الناخبين الى ان يتحملوا مسؤوليتهم في حسن الاختيار، «فإذا محضوا مشروعنا الثقة وحققنا الاكثرية النيابية لن تبقى فاتورتان للكهرباء والمياه ولن يظل الفساد مستشريا، أما إذا قرروا التصويت للفريق الآخر ومشروعه فعليهم ان يكفوا بعد ذلك عن النق والشكوى»، لافتا الانتباه الى انه يريد تكوين كتلة نيابية كبرى حتى تصبح قدرتنا على التغيير أكبر، «ومن دون ان تتوافر هذه الارادة الاصلاحية لا فارق عندها بين ان يكون لديك 40نائبا او 4 نواب».
يوحي عون انه يخفي في جعبته العديد من «المفاجآت» التي ستخلط الاوراق في أوعية خصومه وحلفائه في آن واحد، ملمحا الى انه سيخوض المعركة الانتخابية في الدوائر الساخنة متسلحا بخطة «أ» وخطة «ب»، للتعامل مع كل الاحتمالات.
ورغبة منه في التدليل على عدم تأثره بتلاقي الكثير من القوى والشخصيات السياسية المتنوعة على محاربته انتخابيا، يضرب الجنرال مثلا يتعلق بعصافير الزرازير التي تحلق في العادة بعيدة عن بعضها البعض، فيعمد الصياد المحترف الى إطلاق خرطوشة طائشة من بندقيته في الهواء، لان الزارزير المتفرقة تسارع عند سماع الدوي الى التجمع والتلاصق، ثم يطلق حينها الطلقة الاخرى ليحقق إصابة جماعية.
وخلافا لما يروّج في أوساط منافسيه، يؤكد ان قطار التأييد الشعبي للتيار الوطني الحر يسير صعودا وليس نزولا، مشيرا الى ان الفارق بينه وبين خصومه يزداد لصالحه يوما بعد يوم ولا يتقلص، برغم محاولات التشويش على الناخبين بأشكال مختلفة تبدأ من فبركة استطلاعات للرأي على قياس مرشحين طارئين ولا تنتهي بالحيل الانتخابية التي تشكل الكتلة الوسطية أحد نماذجها، علما ان الجنرال يعتبر ان الوسطية المموهة التي طرحت للتضليل قد دفنت «والعوض بسلامتكم»، ولكن ما يثير استغرابه هو ان عددا من السفراء يظهرون اهتماما بالوسطية أكثر من اللبنانيين أنفسهم، فيثيرونها في لقاءاتهم معه ويناقشونه فيها، يتساوى في ذلك السفير الاميركي مع السفير البولوني وما بينهما من جنسيات أخرى.
معركة المتن يتوقعها ان تكون «نموذجا» للانجاز الذي سيحققه التيار في الانتخابات، ولكنه حين يُسأل عن النتائج المتوقعة في هذه المنطقة يكتفي بالاجابة: «انتظروا لتروا». وعند التدقيق معه في التفاصيل، يفصح قليلا عما يفكر فيه قائلا بثقة انه يوازي وحده حجم حزب الكتائب و«القوات اللبنانية» والنائب ميشال المر في المتن، فما بالك إذا أضيف الى رصيدي رصيد الحلفاء من الطاشناق وغيرهم..
ومن الواضح ان عون يبني إحدى مرتكزات هذه الثقة على خلاصات انتخابات المتن الفرعية التي فاز فيها الدكتور كميل خوري على الرئيس أمين الجميل بفارق 400 صوت، «برغم ان الماكينة العونية لم تكن في جهوزيتها المفترضة لاننا لم نقرر خوض المعركة جديا إلا قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات، بعدما كان قد تكتل ضدنا الرئيس الاميركي جورج بوش والدعم الاقليمي وفريق 14آذار مجتمعا والكنيسة، والاخطر انه جرى توظيف دم الشهيد بيار الجميل للتحريض علينا، كما ان ميشال المر لم يعطنا من الاصوات بالقدر الذي كان يروج له، أضف الى ذلك التزوير ومصادرة البطاقات، ومع ذلك انتصر مرشح التيار على الرئيس الاسبق للجمهورية».
ولأن الكثير يتوقف على الانتخابات المقبلة، لا يخفي الجنرال امتعاضه من طريقة تعاطي بعض قوى المعارضة التي تبالغ أحيانا في مطالبها الانتخابية، على حساب حقوق التيار الوطني الحر، من دون ان تنطلق من تقدير دقيق لحجمها ووزنها. يستغرب عون في هذا المجال كيف ان هناك أطرافا في المعارضة تطلب ان يكون لها مرشحون ضمن لائحته في مناطق لا تتمتع فيها بثقل شعبي، متسائلا: هل يجوز ان نخوض نحن أقسى المعارك السياسية والشعبية طيلة السنوات الماضية ثم يأتي من يريد ان يقطف ببساطة ثمار نضالنا وتضحياتنا ويطلب عددا من النواب لا يتناسب وحقيقة ما يمثله؟
وغامزا من قناة من يهمه الامر، يستهجن عون ان يعتبر بعض أقطاب المعارضة أن له الحق في ان يسمي مرشحين مسيحيين عن قضاء جزين باعتبار انها تضم حوالى 8 آلاف صوت شيعي، بينما يُحرم الآخرون من هذا الحق، معتبرا ان وحدة المعيار وأداة القياس تقتضي في هذه الحال ان يكون له مرشح شيعي في قضاء بنت جبيل التي يتواجد فيها 12ألف صوت مسيحي.
وتبقى علاقة الجنرال بحزب الله وخصوصا بأمينه العام السيد حسن نصر الله ممتازة ومنزّهة عن كل شائبة، الى درجة ان عون يقول ان خيوطا من الحرير تربطه بنصر الله، لافتا الانتباه الى ان مواقفه و«السيد» تتناغم بشكل تلقائي، «حتى لو لم ألتق به لوقت طويل، لان قناعاتنا واحدة..».
تعليقات: