يبدو أن ترياق الأزمة السياسية الحادة القائمة منذ ثلاث سنوات بين المعسكرين المتقابلين في لبنان، تحالف الأقلية والأكثرية النيابيتين، قد يأتي من داخلها. فكل الكلام عن الاصطفافات السياسية والمعارك المفصلية على المشاريع والرؤى للبنان لا يظهر أنه سيُفضي إلى لائحتين متقابلتين، يختار بينهما الناخب اللبناني ما ينسجم مع تطلعاته السياسية. إذ إن عدد المرشحين في كل دائرة، وفي كلٍّ من الفريقين، يتخطى عدد المقاعد النيابية المتنازع عليها. ولا يبدو أن من لا يقع عليه الاختيار، من جانب أولياء الأمر، سينسحب بسهولة ويترك مضمار المنافسة من دون مشكلة.
فبحسب أوساط مطلعة داخل قوى الرابع عشر من آذار، ثمة إشكالية كبيرة، أقله حتى الآن، للتوصل إلى لائحة ائتلافية لقوى الأكثرية النيابية تضم الأحزاب والشخصيات المستقلة الناشطة في هذا التجمع. وهناك أكثر من اعتراض من جانب الأحزاب على وجود توجه لتحجيمها تحت شعار تأليف اللوائح القوية القادرة على مواجهة لوائح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في عدد من الدوائر ذات الغالبية الناخبة المسيحية. فهذه الأحزاب ترى أن ثمة توجهاً لإخراجها من دوائر جبل لبنان كلياً أو في أفضل الأحوال، تخصيصها بحضور رمزي من شأنه أن يضعف من رمزيتها كقوى سياسية معبّرة عن نبض الوسط المسيحي. وهي تحذّر من أن إظهارها مهمشة ضعيفة في اللوائح المزمع تأليفها سيعزز موقع الجنرال عون ويزيد من صدقية اتهامه لقوى الأكثرية، لدى الرأي العام المسيحي، أن تحالف قريطم والمختارة لا يريد قوى أو تكتلات مسيحية قوية في مجلس النواب، ولو كانت متحالفة معها.
أما الشخصيات السياسية في قوى الأكثرية، فتشدّد على أن «ثمة خطاً قد رُسِم يوم الرابع عشر من آذار 2005، ولم يعد من الجائز التمييز بين مسيحي سيادي وآخر أقل تمسكاً بالسيادة. ولم يعد بالتالي بالإمكان القبول بأن تختزل ما تُسمّى أحزاب الجبهة اللبنانية التمثيل المسيحي. يجب الإقلاع عن معارك تثبيت الأحجام في فريق الرابع عشر من آذار لتثبيت خط وشعار لبنان أولاً. يجب أن تكون الأفضلية في الترشح لمن له فرص أفضل للفوز مرشحاً، لكن أيضاً لزيادة فرص نجاح اللائحة ككل».
غير أن هذه الشخصيات تشدّد على أن كل التباينات الظاهرة سوف تعالج وستؤلف لوائح موحدة في كل الدوائر الانتخابية. وتشير إلى أن المعالجة تقدمت في بعض المناطق مثل دائرة الشوف حيث من المقرر أن يعزف النائب السابق غطّاس خوري عن الترشح ،مقابل أن تجري إزالة الفتيوات التي اعترضت درب ترشحه عن دائرة بيروت، وتوزيره سنة 2005 ودرب دخول الوزارة سنة 2008، والترشح في الشوف سنة 2009. لذلك تتوقع هذه الأوساط أن تعارض الأحزاب المسيحية توزيره في حكومة ما بعد الانتخابات.
في المقابل، على رغم الانطباع السائد بأن وضع معسكر الجنرال أفضل بنتيجة احتكاره صلاحية اختيار المرشحين دون منازع، فإن الواقع يشير إلى أن ثمة تململاً من التأخير في أوساط المرشحين المحتملين ممن جرى التداول بأسمائهم. وإزاء وجود مرشحين مثل نقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي ممن سيمتنعون عن الترشح إذا لم يخترهم العماد عون، ثمة آخرون قد لا يحذون حذوه مثل الوزير السابق فارس بويز الذي تشير أوساطه إلى أنه بات منفتحاً على الحوار مع مرشحين مستقلين وغير مستقلين، وحتى من محسوبين على قوى الرابع عشر من آذار، في دائرة كسروان ـــــ الفتوح لتأليف لائحة تحت شعار أبناء العائلات الكسروانية غير معادية للجنرال، لكنها على استعداد لمنافسة مرشحيه في هذه الدائرة.
كذلك يرصد المراقبون تحركات نائب رئيس الرابطة المارونية السفير عبد الله بو حبيب ورئيس جمعية الصناعيين فادي عبود باتجاه تأليف لائحة من المستقلين تضم شخصيات ناجحة وبارزة في قطاع الأعمال في محاولة لتكرار تجربة الفوز بانتخابات الرابطة المارونية الأخيرة حيث اكتسحت لائحة الأسماء المعروفة الانتخابات إزاء الفاعليات القوية المتجذرة في الرابطة لأكثر من عشرين سنة.
قد يكون لتأجيل إعلان العماد عون أسماء المرشحين على لوائحه إيجابيات كثيرة، غير أنه كان لهذا التأجيل مفاعيل سلبية، أهمها أن التداول في بعض الأسماء لفترة طويلة جعل أملها في الترشح كبيراً، ما حملها على متابعة تحركاتها، و«استثماراتها» الانتخابية، وجولاتها مع المفاتيح والفاعليات إلى حد قد تجد نفسها غير قادرة على التراجع إذا لم تقع عليها قرعة الجنرال أو أركان قوى الرابع عشر من آذار. لقد أخرج هؤلاء الجنّيّ من القمقم وسيكون من الصعب عليهم إعادته إليه دونما وعود بدخول الحكومات أو ترفيعات داخل الأحزاب والتيارات السياسية.
يبقى أن ثمة معطى على درجة كبيرة من الأهمية لم يتضح بعد، وهو مفاعيل قمة الرياض والتفاهمات الناتجة منها التي من شأنها أن تأخذ منحى الانتخابات في هذا الاتجاه أو ذاك. فإذا ترسخ توافق هذه القوى الإقليمية فقد ينعكس تفاهمها ارتخاءً في جو الانتخابات، أما إذا عادت واختلفت فسوف يتشنج المناخ وتشتد العصبيات. ويصبح توحيد الصف في كل من المعسكرين أمراً غير قابل للجدل. وفي الانتظار، يكشف مسؤولون في الماكينات الانتخابية عن أن التمويل الأساسي للانتخابات النيابية لم يتوافر حتى الآن، إذ إن الأموال لم تُضخّ بعد.
تعليقات: