الدكتور عبد الرحمن عثمان حجازي
إن لم تزر صيدا فأنت لم تتمتع بسحر لبنان، عبارة كانت تتردد في أوائل القرن الماضي وبخاصة في فصل الربيع الذي تستقبله صيدا الآن، فما أن يعلن آذار عن قدومه حتى تكتسي سهول مدينة صيدا ببياضها الطاهر من زهر <بو صفير> المزدحم في السهول الواسعة خارج مدينة صيدا القديمة·
ويفد الزائرون إلى صيدا معجبين بربيع صيدا، وليتنشقوا أريج الزهر وليبتاعوا قناني وألفيات <ماء الزهر> الذي إشتهرت مدينة صيدا بتقطيره·
كانت كل عائلة صيداوية تحرص على تموين ماء الزهر من العام إلى العام، لإستعماله في العلاج الطبي وبخاصة ألم المعدة والإغماء، وصنع الحلويات، وماء الزهر الخاص بالمساجد، حيث كانت تقدم بعض العائلات قناني ماء الزهر للمساجد ليوضع في أباريق الماء الفخارية، ويكسب أصحابه أجر الصلاة على النبي (#) من رواد المساجد·
وكان يتميز أهل صيدا بعطرهم الخاص، فقد كان الصيداويون، وما زال بعضهم إلى الآن يتعطرون بماء الزهر·
واللافت أنه ما زار أحد مدينة صيدا إلا وسحره عطرها وتواضع أهلها، حتى إن الشيخ عبد الغني النابلسي، الذي زار صيدا في القرن السابع عشر لم يخفِ إعجابه بسحر صيدا، فقال:
صيدا التي في الهوى تزهو مراكبها
والبحر أمواجه زادت مواكبها
وحين جئنا لها طابت سواكبها
وإستقبلتنا وقد هزت مناكبها
وبلغ الإعجاب بعطر صيدا، ما رواه لي أرجنتيني من أصل لبناني لا يعرف من اللغة العربية سوى بيتين من الزجل هما: درب صيدا منعرفها
كلها شجر ليموني
حاجي تبكي وتنوحي
بكرا منرجع يا عيوني
كان يردد هذه الأبيات الزجلية والده لوالدته التي هاجرت إلى الأرجنتين عبر مرفأ صيدا عام 1936، وإنتظرا السفينة تحت ظلال شجر <بو صفير> قرب مرفأ صيدا فحنت وهي في المهجر بالعودة إلى لبنان، وزيارة صيدا لتنشق سحر عطرها الجميل·
وها هي صيدا تستقبل الربيع وقد فقدت عطرها المميز، فهل تستعيد صيدا زراعة أشجار <بو صفير> في شوارعها، لتستعيد عطرها المميز، رحم الله أيام زمان·
الدكتور عبد الرحمن عثمان حجازي dr-ar-Hijazi@yahoo.com
ما زار أحد مدينة صيدا إلا وسحره عطرها
تعليقات: