عون وبري ورعد في الدوحة في أيار 2008
■ التشكيلات القضائيّة فجّرت الوساطات بين برّي وعون
■ المقايضات تتنقّل بين دوائر الجنوب والبقاع وجبل لبنان
■ حزب اللّه سيدفع من كيسه ويدرس مراعاة العلمانيّين
تتنازع قوى المعارضة خلافات يظل معظمها في حالة مكتومة، وهي ليست من النوع غير القابل للعلاج، لكنها تتطلب مفاوضات وتنازلات وتسويات يجري العمل عليها ليل نهار. وهي تتركز الآن بين حركة أمل والتيار الوطني الحر
إذا كانت الحيرة السياسية سمة حاضرة في خلافات فريق 14 آذار، فإن الخلافات على الحصص وعلى المقاعد تنعكس على عمل الماكينات الانتخابية وتوزيع الأعباء المالية خصوصاً. لكن بعض هذه العوارض يصيب فريق المعارضة. وإن كان هامش التباين السياسي بين قوى المعارضة قد ضاق كثيراً في العام الأخير، ولا سيما أن المشكلة السياسية التي حكمت البلاد منعت هذا الفريق من امتلاك نظرة موحدة إلى البرنامج الإصلاحي.
■ حزب اللّه الحسابات الخاصة والعامة
يقف «حزب الله» في مقدمة قوى المعارضة، ويتصرف الجميع باعتباره صاحب الدور الريادي، لكن الأمر يدار بشراكة من النوع الذي يوجب على الحزب إدارة الأمور بحساسية مختلفة، وهو الفريق المضطر إلى الضغط والتنازل في الوقت عينه. فقوى المعارضة كلّها تتصرف على أنه رأس التمثيل السياسي والشعبي للغالبية الشيعية في لبنان، وتالياً، فإن قدرته على التاثير في مواقف بقية القوى الشيعية، ولا سيما حركة «أمل» والرئيس نبيه بري، كبيرة جداً. ويفترض أصحاب هذه الوجهة أن في مقدور الحزب أن يطلب من بري أمراً فيستجيب له مباشرة. وهي صورة غير واقعية بالمطلق، ورغم تعاظم الدور القيادي لحزب الله بين الشيعة خلال العقدين الأخيرين، والزعامة التي يمثّلها السيد حسن نصر الله، متجاوزاً القيادات الشيعية كافة، فإن إدارة العلاقة بين الطرفين ليست على هذا النحو، وقد جرّب الحزب حظّه في عام 1996 بأن يبتعد عن بري انتخابياً يوم كانت القضية الداخلية تتقدم في اهتمامات الحزب، لكن وقائع الأرض وتدخل سوريا بقوة في اللحظة الأخيرة أحبطا «الانتفاضة الإصلاحية» للحزب، ودفعا به مرة جديدة إلى رسم أولويات تجعل عنوان المقاومة يتقدم على كل شيء، مع ما يقتضيه ذلك من حسابات مختلفة. وفي كل مرة كانت الضغوط على المقاومة تزداد، كان الحزب يقترب أكثر من بري، حتى وصل الأمر إلى نوع من التوحد في انتخابات عام 2000، وترك هامش التنافس بين قواعد الفريقين يقتصر على مسرح الانتخابات البلدية أو القطاعية. وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان قرار حزب الله المستمر حتى الآن، بتعزيز الوحدة السياسية والشعبية بينه وبين الحركة وبين مجموعات عدة ذات نفوذ في الطائفة الشيعية، وكان حزب الله في هذه المرحلة يتولى إدارة الملف الاستراتيجي، وكان الرئيس بري يتخذ موقعاً لصيقاً بما يوفّر التوازن السياسي داخل السلطة. وكان لهذا ثمنه، من رفض الحزب محاولات النائب سعد الحريري ومن خلفه فرنسا والولايات المتحدة إطاحة الرئيس بري من موقع رئاسة المجلس في عام 2005، إلى قرار الحزب التنازل لمصلحة بري حيث يقتضي الأمر وزارياً وإدارياً... وانتخابياً.
وفي هذه الأيام، وعندما يقيس الحزب مسافاته من اللاعبين المحليين، يجد نفسه قريباً للغاية من بري وأمل، رغم أن حلفاء آخرين للحزب باتوا يحتلون لدى قيادته وقواعده مكانة خاصة لم تتوافر سابقاً لأحد من القوى اللبنانية، وهو الأمر الذي قدم التيار الوطني الحر وتيار المردة إلى مراتب متقدمة في حسابات الحزب وتحالفاته. لكن حقيقة الأمر التي يعرفها الجميع أن الحزب، وإن كانت له ملاحظات على الأداء السياسي أو النيابي أو داخل الدولة لأمل، فإنه لا يضع هذه الملاحظات في سلة الحسابات التي تخرج منها الاتفاقات ذات الطابع الوطني.
■ عون وبري وأزمة الثقة
من جانبه، لا يزال رئيس المجلس يتمتع بكفاءة تجعله يمنع أي انفجار في العلاقة مع الحزب على وجه التحديد، وهو الذي يدرك حجم المتغيرات التي طرأت على الوضع الشيعي عموماً وفي لبنان خصوصاً، وهو حسم في داخله منذ وقت غير قصير، أنه ليس في موقع منافسة السيد نصر الله على زعامة الطائفة في لبنان، لكنه يعرف في الوقت نفسه أن حزب الله، مهما تعاظم دوره الداخلي أو الإقليمي فإنه ليس في موقع يمكّنه من تولّي المهمات التي يقوم بها بري، لذا، فإن بري «يتدلل» في كثير من الحالات، وهو عندما تقترب الانتخابات يتصرف بطريقة مختلفة عما قبلها وعما بعدها. لكن، هذه المرة هو ليس في مواجهة الحزب أو مطالب حلفاء آخرين، بل هو في موقعة مع القطب القوي في المعارضة العماد ميشال عون، وهي موقعة متنقلة بين الجنوب وجبيل والبقاع وبعبدا.
وإذ يتولى الحزب عملية تدوير الزوايا بين الطرفين، إلا أن المداولات القائمة حتى اللحظة لم تصل إلى نتيجة نهائية، وتتركز على الآتي:
أولاً: إقناع عون بأن النائب عن المقعد الكاثوليكي ميشال موسى يتمتع بحيثية جدّية وسط المسيحيين، وأنه يحقق الشعار الذي يرفعه عون لناحية التمثيل المسيحي الصحيح، وأن أكثر من استطلاع أعطاه أرقاماً تتقدم على أرقام أي مرشح آخر، بما في ذلك مرشح «التيار الوطني».
ثانياً: إقناع الرئيس بري بأن ينسى أمر قضاء جبيل، وأن يتصرف على أساس أنه مقعد خاص بالعماد عون، لكن شاغله قريب جداً من الثنائية النافذة شيعياً.
ثالثاً: محاولة التوصل إلى تفاهم بين الطرفين على دائرة جزين، من خلال تسليم بري لعون بأولوية الإدارة، مقابل تنازل عون عن أحد المقاعد للنائب الحالي سمير عازار، الذي يشكو عون من أنه لا يتصرف تجاهه أو تجاه التيار في المنطقة بما يليق بالحلفاء، ويأخذ عليه أنه لم يحرك ساكناً عند زيارة الجنرال إلى جزين.
رابعاً: محاولة إيجاد تسوية بين الطرفين بما خص المقعد الشيعي الثاني في بعبدا، إذ إن الأول محسوم لمصلحة الحزب، فيما يبدو بري مهتماً بالحصول على الثاني، وتتداول أوساط قريبة منه باسم أحد الحركيين في المنطقة، فيما يعتبر عون أنه محقّ في أخذ هذا الموقع، لكونه يترك لغيره من الحلفاء أخذ مقاعد مسيحية في دوائر أخرى، وثمة جهد من جانب الحزب لتسمية شخصية وسطية يمكن الجميع التعامل معها.
خامساً: ثمة جدل لم ينته بعد في أن الرئيس بري يريد ترشيح أحد الحركيين في قضاء زحلة، لكونه يشعر بأن فريق الأكثرية قد يحرمه المقعد الذي يشغله النائب ناصر نصر الله الآن في البقاع الغربي. بينما يتمسك النائب إيلي سكاف بالنائب الحالي حسن يعقوب الذي يراه العماد عون حليفاً جيداً.
ومع أن الأمور كانت قابلة للحلحلة قبل مدة، إلا أن صدور التشكيلات القضائية، بطريقة بدت كأنها في وجه عون وحليفه سليمان فرنجية، جعل عون يتوتر لاعتقاده أن هذه التشكيلات لم تكن لتمر لولا موافقة بري، علماً بأن الأخير قال إنه لم يتدخل وإنه كان خارج البلاد. لكن أنصار عون يذكرون أسماء عدة محسوبة على رئيس المجلس وقد أخذت حقها في هذه التشكيلات التي لم يرض عنها حزب الله وأعلن ذلك صراحة. ومنذ ذلك التاريخ وعون يرفض المقايضة على عدد من المقاعد، بينما يتمسك بري برأيه ومطالبه، ما جعل القرار النهائي يتأخر، كذلك أدى الأمر إلى تأخير ترشيحات بعض الأسماء التي يفترض أن تكون قد حسمت من قبل قيادات أمل وحزب الله والعماد عون. على أن الجهات المتابعة للملف داخل حزب الله، تشير إلى أن الحوارات قائمة دون توقف، وأن الوسطاء يتنقلون بين الرابية وعين التينة، وأن الأمين العام للحزب مهتم بعدم حصول ما يعرقل خروج المعارضة بموقف موحد ولوائح موحدة. ويعتقد هؤلاء أن الوقت لا يزال متاحاً لإنجاز الاتفاق، علماً بأن الحزب، وهو يدير هذا النقاش، يأخذ في الاعتبار مطالب قوى وأحزاب من المعارضة أو قريبة منها مثل القومي والبعث والشيوعي.
«مجلس وزراء ظلّ»
يجتمع وزراء الأقليّة بوتيرة شبه دورية قبل جلسة مجلس الوزراء للتباحث في البنود المدرجة على جدول الأعمال، وغالباً ما يلتقي هؤلاء في معظم الأوقات في منزل نائب رئيس الحكومة عصام أبو جمرا «لأنه كبيرنا»، على حد تعبير الوزير ماريو عون، وتحصل بدرجة أقلّ عند الوزراء: محمد خليفة، جبران باسيل، غازي زعيتر أو محمد فنيش.
يشير فنيش إلى أن هذه اللقاءات تهتم في المسائل السياسيّة المطروحة على جدول الأعمال. وقد ظهر هذا التنسيق بوضوح عند وضع البيان الوزاري وتعيين أعضاء المجلس الدستوري ومذكرة التفاهم مع المحكمة الدوليّة حين هدّد هؤلاء الوزراء باستخدام الثلث المعطّل.
تدوير زوايا
يتركز جهد «حزب الله» لتدوير الزوايا بين الرئيس نبيه برّي والجنرال ميشال عون على إقناع الجنرال بأن النائب عن المقعد الكاثوليكي الدكتور ميشال موسى يتمتع بحيثية وسط المسيحيين في المنطقة، وإقناع بري بأن ينسى أمر المقعد الشيعي في جبيل لمصلحة عون، ويحاول الحزب التوصل إلى تفاهم بين الطرفين على دائرتي جزين وبعبدا.
تعليقات: