الرئيس نبيه برّي (أرشيف)
تساؤلات حول الطرح المبكر لمعركة رئاسة المجلس.. وغاية المحرّضين..
بعد انتخابات 2005، انقلبت «14 آذار» على «التحالف الرباعي»، وحاولت الاستثمار على الأكثرية التي وفـّرها لها هذا التحالف، لإحداث تغيير جذري في الصيغة السياسية التكوينية للبلد، يمكنها من الإطباق الكامل عليه. وكخطوة تمهيديّة سارعت الى التصويب على الرئيس نبيه بري، وسعت جهدها لمنع وصوله الى رئاسة المجلس النيابي. وتسجل الذاكرة كل الوقائع التي أحاطت بهذا الانقلاب، وبالتحضيرات التي انبثقت عنه لإيصال شخصية شيعية بديلة تتماشى مع الزمن الأكثري وتبصم له.
يومها كانت «14 آذار» في ذروة قوتها وصعودها، اتكأت في الداخل على عاطفة شعبية واسعة، ولـّدها استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وفي الخارج على «فيتو» أميركي فرنسي عربي خليجي على بري، مع تسويق سلة مرشحين آخرين وباسلوب تحايلي ومغريات وعروضات، بينما في الجيب كان المرشح البديل جاهزاً. والاساس آنذاك، ان بري واجه هذه القوة العابرة للقارات، بالتذكير بأنه ليس مرشحاً لا للجمعية الوطنية الفرنسية ولا للكونغرس الاميركي، واستطاع مدعوماً من حليفه الاساسي «حزب الله»، وبالاستناد الى عمقهما الداخلي وثبات الموقف والقرار، أن يتجاوز كل تلك القوة، ويـُكره هذا المحور المتعدد الجنسيات، على التسليم بانتخابه!
وما أوجب استحضار تلك الواقعة والتذكير بما انتهت إليه، هو بروز توجـُّه مشابه على مسافة شهرين من الانتخابات النيابية، يقوده سعد الحريري، ويترجم بتصريحات علنية وصريحة من قبل بعض نوابه برفض انتخاب بري رئيساً لمجلس النواب المقبل. فيما تسود أوساطه الداخلية السياسية والنيابية «تعليمة» واضحة وصريحة بوضع رئيس المجلس في دائرة التصويب. واللافت للانتباه فيها ان مقربين من الحريري اقروا بأنهم يمارسون ما وصفوه «الشغب السياسي» على بري!
على أن المثير في هجوم الحريري على رئيس المجلس، تزامن هذا الهجوم مع العلاقة الملبدة بين رئيس تيار المستقبل وحليفه النائب وليد جنبلاط، وأما توجـّهه الرامي الى ازاحة بري عن رئاسة مجلس النواب المقبل، فيأتي في زمن مغاير تماماً لزمن ما بعد انتخابات 2005، فكل العالم تغيّر، او يتغيّر بوتيرة سريعة، وانتهى عصر جورج بوش، وانطلق عصر باراك اوباما وضاقت الى الحد الادنى، مساحة الاهتمام الاميركي بمن راهنت عليهم ادارة بوش او راهنوا عليها. واما «الحليف الشيراكي»، فقد محت «الساركوزية» آثاره، وتبرّأت من كلّ خطواته ومبادراته والتزاماته، بينما الحليف العربي يحاول او يوجد لنفسه «مرقد عنزة بلبنان»، واهم من كل ذلك، ان «14 آذار» نفسها، تبدو كأنها أصبحت 14 لوناً. والاستنتاج البديهي هنا هو انه اذا كانت محاولة إزاحة بري عن رئاسة المجلس قد فشلت في زمن القوة، فكيف في هذا الزمن المفكك وفي ظل هذا التقهقر في صف الحلفاء.. علماً أن من السابق لأوانه الحديث عن انتخابات رئاسة المجلس، فعلى الأقل انتظار اكتمال الترشيحات اولاً، ومن ثم تركيب اللوائح ومراضاة الحلفاء، خصوصاً في «14 آذار»، ومن ثم إجراء الانتخابات بعد شهرين، وبعدها لكل حادث حديث!
إلا ان هذا الاستنتاج لا يمنع إخضاع هذه المبادرة الهجومية للأسئلة التالية:
أولاً: ماذا يريد الحريري، ولماذا يحاول قطع الحبل مع بري، وماذا لو وجد نفسه مضطراً لسلوك خط الرجعة فكيف تكون حينها؟
ثانياً: هل هذا الهجوم محكوم بإدراك حقيقي لحساسيته وخطورته، أم أنه نتيجة موضوعية للتخبط، أم نابع من قاعدة «القلوب المليانة»، ام انه يندرج في سياق مراهقة سياسية؟
ثالثاً: لماذا هذا الطرح المبكر لمعركة رئاسة مجلس النواب قبل توقيتها الفعلي بما يزيد عن شهرين، وهل الاعتبارات التي تحكم هذا الطرح، هي اعتبارات محلية تندرج في سياق انتخابي وإعادة تموضع للمرحلة المقبلة، او هي اعتبارات انتقامية من الدور الذي أداه بري كعامل أساسي في صمود المعارضة، خلال ما مرّ على البلد من معارك سياسية على مدى المرحلة الماضية، وكمانع أساسي لقيام «دولة 14 آذار» او محاولة تثبيت ركائزها ودعائمها، خصوصا في فترة إقفال المجلس النيابي في وجه حكومة لا شرعية ولا دستورية ولا ميثاقية؟
رابعاً: هل الاعتبارات التي تحكم هذا الطرح المبكر، هي اعتبارات أميركية، تكمـّل الحركة الأخيرة للسفيرة الاميركية ميشال سيسون في بيروت، لاستمزاج الرأي حول رئاسة مجلس النواب، مقرونة ذلك برغبة ابدتها امام بعض السياسيين برئاسة جديدة للمجلس المقبل؟
خامساً: هل الهجوم لا يعدو كونه محاولة من الحريري لجرّ بري إلى حلبة السجال، لزوم الاستخدام الانتخابي، انطلاقاً من بيروت إلى سائر المناطق. وهل يمهّد لخطوات هجومية لاحقة تندرج تحت عناوين مختلفة، وتستثمر بشكل أساسي على ماضي العلاقة مع بيروت من «6 شباط» إلى «7 أيار»، وفق ما يجري تداوله في مجالس المهاجمين؟
سادساً: هل طرح عدم انتخاب بري رئيساً للمجلس، ينطوي على ثقة مسبقة بفوزه في الانتخابات.
حبل الاسئلة طويل حول قرار هجومي كهذا، وغياب الهدف المعلن، لا يمنع من الجزم بأنّ قراراً كهذا تحكمه اعتبارات كبرى. وانه قرار ليس آنياً، بل يمتد إلى فترة ليست قصيرة، لا سيما انه اقترن بمسار حريري واضح بالإصرار على معركة «كسر عظم» انتخابية، والإصرار على دعم مرشحين سواء في الجنوب أم البقاع أم صنع مرشحين، فقط للاستفزاز. لكن ما ينبغي ذكره هنا، هو إخفاق محاولة استفزازية لإقناع سياسي بارز بالترشح ضد لائحة بري. فقد اتصل مقربون من خط الحريري بالسياسي المذكور، وابلغه المتصل بأنّ فلاناً يدعوك الى فنجان قهوة.. فرد السياسي قائلاً: أنقل سلامي اليه، وقل له من الجيد انك تذكرني، وفي كل الأحوال قهوته نشربها بعد الانتخابات!
وفي سياق ما تقدم، تبرز قراءة سياسية تضع هجوم الحريري في سياق محاولة إيحاء مسبق بأنه سيفوز في الانتخابات المقبلة، وانه وفريقه سيختارون رئيس المجلس النيابي الجديد، وتأتي هذه المحاولة مكملة لمقولته ان ربح الانتخابات سيحكم وإن خسر فسيذهب الى المعارضة، وكأنه في طرحه اليوم يحاول أن يقول «لكم دينكم ولي ديني».. وإن ربحنا الانتخابات فسنسمي كـ«14 آذار» ومن بيننا رئيساً للحكومة ورئيساً للمجلس. وإن ربحتم كمعارضة فاعملوا مثلنا.. فيما تضعه قراءة ثانية في سياق محاولة مقايضة تولّدت عن شعور بأن حظوظ ترؤسه الحكومة المقبلة ضعيفة، وكأنه بهجوم نوابه يقول ان رفعتم «الفيتو» عني في رئاسة الحكومة المقبلة، ارفع «الفيتو» عن رئاسة المجلس!!
تعليقات: