محمود نمر، على طريق الليطاني، في زيارة لأقاربه حيث كان يبيع ما يجنيه من الزعتر
.
عين عرب
محمود نمر هو شاب يافع من بلدة هادئة صغيرة تدعى "عين عرب"، قريبة جداً من الوزاني، يعرفها جيداً الخياميون لأنها متاخمة لبلدتنا.
ينساب بمحاذاتها جنوباً نهر الحاصباني، يمرّ فوقه جسرٌ استراتيجي يحمل إسم البلدة.
أهالي "عين عرب"، كسائر أبناء القرى الحدودية الصغيرة، يعتاشون على الزراعة وتربية المواشي وأعمال البناء.
عمليات التهجير
مع بداية السبعينات من القرن الماضي وبعد انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني، أي عهد ما سُمي بـ"فتح لاند"، طالت المنطقة الكثير من الإعتداءات الصهيونية، سقط نتيجتها المئات من الإصابات بين المدنيين، أدت إلى بعض موجات التهجير...
في تلك الفترة لم يكن محمود قد جاء إلى هذه الدنيا، لكن أهله رحلوا مع من تهجروا حفاظاً على حياتهم وحياة أولادهم فاستقروا في "الشريفة"، بالقرب من "حبوش".
حادث غيّر مجرى حياته
قبل سنة من الآن، تحديداً في الرابع والعشرين من نيسان عام 2008، قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وقع لمحمود حادث مؤلم كاد يودي حياته.
لقد دأب محمود في هذا الشهر أن يقصد الجبال والوعور للحصول على الزعتر البرّي، يجمعها لبيعها وإعانة عائلته، فبينما كان يومها يجني هذه النبتة في خراج بلدة كفررمان، إنفجر به لغم أرضي كان قد زرعه العدو الصهيوني قبل انسحابه من المنطقة.
نُقل محمود على إثرها إلى مستشفى النجدة الشعبية في النبطية حيث أجريت له عملية جراحية إنتهت ببتر رجله، فتحوّل من شاب مغمور بالحيوية والنشاط، فخور بما يجنيه لتأمين القوت اليومي، إلى إنسان معوّق بحاجة لمن يعينه!
تحمّل الآلام والأعباء
يقول محمود أن العملية التي أجريت له لم يدفعوا أكلافها، إلا أن الأدوية التي لزمته بعد العملية كان يدفع ثمنها أهله من حسابهم، كذلك كانوا يدفعون أكلاف "التغيير على الجرح" والنقل كل يومين أو ثلاثة، خاصة وأنه عاد وخضع لعملية أخرى بعدما التهب جرحه.. وبقي متحاملاً على الآلام، يتكأ على عكاز، وبقيت عائلته تتحمل التكاليف المادية لمدة طويلة دون أن يلقوا أية مساعدة من أية جهة إلى أن التأم جرحه منذ حوالي الشهرين.
بعدها أخذ محمود يتردد على "مجمع نبيه بري لتأهيل المعوقين" في الصرفند لمساعدته على بلوغ مستوى ممكن من الكفاءة الوظيفية وعلى المقدِرة للقيام بالأعباء اليومية لتحسين قدراته إثر الإصابة التي ألمّت به، ولتأمين طرف صناعي..
ماذا يريد محمود؟
جاءني محمود منذ أيام مع أحد الأصدقاء، شرح لي وضعه وأن أمنيته بأن يعود إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي، كما يقول، وأنه سيبدأ بالبحث عن عمل بعد ذلك...
حلمه أن يحصل على طرف صناعي، وكأن هذا المطلب، دون سواه، هو كل أمله في هذه الدنيا!
الحادث علّم محمود أشياء كثيرة وغيّر كثيراً من قناعاته، أبرزها أن التهجير لا يحمي من الإعتداءات الصهيونية، وأن الحلّ يكمن بالصمود والمواجهة!
ورغم أن أهله تهجروا عشرات الكيلومترات بعيداً عن الحدود مع فلسطين المحتلة، إلا أن العدو الصهيوني بقي يزرع الرعب والأذى في كل مكان دون رحمة.
محمود الشهبد الحيّ
محمود نمر، الذي كاد اللغم الأرضي أن يودي بحياته، لا يقلّ مكانة عن مي شدياق وعن مروان حمادة وعن كل من يُنعت بالشهيد الحيّ.
الجنوب يزخر بالكثير الكثير من الشهداء الأحياء الذين أصيبوا جراء الإعتداءات الصهيونية وكادوا يسقطون شهداء لولا القدرة الإلهية...
محمود النمر
محمود، الشاب الأسمر، الذي لونت البرّية والوعور محياه بسمرة عربية مميزة، هو إنسان بريئ لأنه يحلم فقط بالحصول على طرف صناعي ويكتفي بالحديث بخحل عن مصاريف تكبدها لا تتعدى بضعة مئات من الدولارات، لا يعرف أن له حقّ على المجتمع وعلى الدولة وعلى الأسرة الدولية!
لا يعرف أن ضحايا الإعتداءات الصهيونية لهم حقّ على كل العرب!
من يعوّض له ولعائلته الأوجاع والآلام ولحظات القلق التي عاشوها طيلة تلك الأشهرٍ؟
من يعوّض على محمود الإعاقة والتوقف عن العمل؟
من يعوّض له عدم القدرة على المشي الطبيعي وممارسة الكثير من النشاطات كسائر الشبان؟
هذه الأسئلة التي تطرح نفسها، نتوجه بها بداية إلى الدولة التي حجبت عن الجنوبيين الأموال المخصصة لدعم صمودهم!..
ونتوجه إلى الهيئة العليا للإغاثة التي تصرفت بتعويضات ضحايا الإعتداءات الصهيونية ووزعتها على غير مستحقيها وفي مشاريع هدر وزفت...
على محمود أن ينتفض كالنمر ويطالب بكامل حقوقه وكلنا معه!
* رئيس منتدى المرج للتنمي وحماية البيئة
تعليقات: