النسيورة يعلن ترشّحه بين حلفائه
■ استكمال الدور السياسي عبر البرلمان، وصيدا بوابته
■ بهيّة أقفلت اللائحة باكراً، وسعد ألحّ على الترشُّح
■ الخيار بدأ قبل شهرين، والقرار كان في الساعات الأخيرة
يطرح ترشّح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لأحد المقعدين السنيّين في عاصمة الجنوب تساؤلات عدة، ربما تزيد الأيام المقبلة منها أو تحمل إجابات عنها. ما قصة الخيار الذي بدأ يخيّم على صيدا ولبنان منذ شهرين... وتحوَّل قراراً قبل ساعات من إقفال باب الترشيح!
يُعيد ترشّح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لأحد المقعدين السنّيين، صيدا إلى دورها التقليدي في التنافس على زعامة الطائفة السنّية مع بيروت وطرابلس إذ تذهب الاخيرتين في انتخابات حزيران إلى خيارين مختلفين، إحداهما، وهي الدائرة الثالثة من بيروت، أقرب إلى تزكية بسبب فوز كامل غير منازع عليه لرئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، والأخرى إلى ائتلاف بالإكراه بين الحريري وقطبَي عاصمة الشمال الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، تخوض صيدا ـــــ التي لم تعرف منذ انتخابات 1992 طعم المواجهة ـــــ معركة انتخابية موصوفة.
في الغالب لا يقفل البيوت السياسية إلا أصحابها المهملون، أو المجازفون، أو أولئك الذين تضجرهم السياسة. أما نتائج الانتخابات فلا. مذ أضحت صيدا دائرة انتخابية صغيرة عام 1953، تنافس على مقعدها السنّي الوحيد من الدورة التالية عام 1957، بيتان سياسيان كان أحدهما يربح تارة ويخسر طوراً. كانت تلك حال النائبين الراحلين نزيه البزري ومعروف سعد. الأول ربح انتخابات 1953 و1972، والثاني انتخابات 1960 و1964 و1968. لكن لا أحد منهما أوصد أبواب بيت الآخر عندما كان يفوز بالدائرة. وها هما بعد أكثر من نصف قرن لا يزالان مفتوحين.
إلا أن لترشّح السنيورة خصوصية تتصل بالمعطيات الآتية:
1 ـــــ الخروج من الدور الاستثنائي الذي كان يضطلع به على رأس الحكومة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى الدور الطبيعي الذي يجعله في صلب الأحداث وأحد المؤثرين في قراراتها مقدار اقترابه منها. وهو بذلك لا يعود رئيس الحكومة الانتقالي الذي يمهّد للظروف المناسبة كي يصل الحريري الابن إلى هذا المنصب، بل يتصرّف في ضوء تجربتيه في حكومتي 2005 و2008 على أنه زعيم سياسي أنضجته الأخطار والتحديات، ذو خبرة وعلاقات محلية وعربية ودولية تساعده على الاستمرار في دوره من موقع مختلف.
2 ـــــ تكريس الفصل الذي أحدثه غياب الحريري الأب الذي نجح في سابقة لا نظير لها، بين عامي 1992 و2005، في أن يكون رئيس الحكومة وزعيم السنّة الأوحد في لبنان. حتى عندما كان خارج رئاسة الحكومة، لم يكن من السهل الفصل بينه وبين هذين المنصبين. لم يكن الأمر كذلك قبل الحريري على مرّ عقود الحياة السياسية اللبنانية، وداخل الطائفة السنّية بالذات. لم يقتصر على فصل رئاسة الحكومة عن زعامة الطائفة، بل أيضاً إيجاد مروحة واسعة من الزعماء السنّة كانوا يتنافسون على رئاسة الحكومة، ويسلم بعضهم لبعض بتعدّد الزعامة في العواصم السنّية الثلاث بيروت وطرابلس وصيدا: في الأولى بين الرؤساء سامي الصلح وصائب سلام وعبد الله اليافي وحسين العويني وتقي الدين الصلح وأحمد الداعوق، ولاحقاً رشيد الصلح وشفيق الوزان وسليم الحص. وفي طرابلس بين عبد الحميد كرامي ورشيد كرامي وسعدي المنلا، ولاحقاً أمين الحافظ. أما في صيدا فاقتصرت في الغالب على الرئيس رياض الصلح، إلى أن بدأت حقبة الحريري الأب الذي نجح إلى حدّ بعيد في حجب أدوار معظم الشخصيات السنّية في العواصم الثلاث من غير أن يلغيها، بعدما كان قد غاب بعض الأقطاب أو تقدّموا في السنّ أو اعتكفوا. يصحّ ذلك على الحص في بيروت، والرئيس عمر كرامي في طرابلس، والنائب الراحل مصطفى سعد الذي ورث الزعامة الصيداوية من والده.
والواقع أن الحريري الأب، الصيداوي، مهّد لزعامته السنّية بنقل قيده الشخصي إلى بيروت والترشّح عنها في انتخابات 1996 التي كرّسته مذ ذاك زعيماً غير منازع على رئاسة الحكومة والطائفة السنّية.
لكن الأمر لا يصحّ بسهولة مع خلفه. أخلى الحريري الأب صيدا لشقيقته الوزيرة بهية الحريري كي تتحوّل المرجعية الأقوى في المدينة، فيما هو يكرّس لنفسه زعامة بيروت. سرعان ما كشف غيابه صعوبة ـــــ كي لا يقال استحالة ـــــ تطابق المنصبين. بدا غداة اغتياله أن شقيقته ستحلّ محله في المنصبين معاً. وقيل بعيد استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي في شباط 2005 إنها ستخلفه ـــــ ما دامت حضّت على إسقاطه ـــــ قبل أن يؤول المنصب إلى ميقاتي. ثم قيل إنها ستقود تيار المستقبل قبل أن تذهب القيادة إلى نجله سعد.
قبل انتخابات 2005، أمسك سعد بالزعامة الشعبية لوالده في بيروت مستقطباً إليه مشاعر التضامن السنّي في طرابلس وعكار والبقاع الغربي وصيدا ضد الجريمة، وأمسكت بهية بزعامة صيدا. عندئذ ذهبت رئاسة الحكومة بعد الانتخابات إلى السنيورة. بذلك قيل إن الأخير هو رئيس حكومة مرحلة استثنائية تنطوي على بُعد غامض وملتبس، هو أن الرجل يعدّ لوصول سعد إلى رئاسة الحكومة كي يعيد جمع المنصبين في زعيم واحد. وكي تظلّ خلافة الحريري الأب بين صديق عمره ونجله.
3 ـــــ لا يعبّر ترشّح السنيورة بالضرورة عن اجتهاد في إعادة دمج المنصبين في زعيم واحد. ولا يسع الحريري الابن القول إن الأمر يبدو بمثل السهولة التي حتّمتها الشخصية الاستثنائية للحريري الأب، ومن قبله للرئيس الراحل رياض الصلح. لذا يتوخى ترشّح السنيورة استكمال دوره السياسي الذي يفترض أن نتائج انتخابات 2009 قد تخرجه من رئاسة الحكومة في سبيل بناء مرحلة سياسية جديدة قد يتطلبها تفاهم داخلي مختلف يرعاه رئيس الجمهورية، وينبثق من الغالبية النيابية المقبلة.
على نحو كهذا لم يكن قرار السنيورة الترشّح لمقعد صيدا ابن ساعته، ولا هو بالضرورة ـــــ كما أفضى إلى رئيس المجلس نبيه برّي ـــــ نتيجة ضغوط حادة تلاحقت عليه وبلغت ذروتها السبت، فرضخ لأنه لم يستطع مقاومتها. بعض الفريق القريب منه، ممّن يصغي إلى آرائه، سمع منه هذه الرغبة التي أخضعها لمراجعة طويلة انتهت ليل الاثنين 6 نيسان باتخاذه قراره، وإعلانه في الغداة من مجلس النواب.
منذ شهرين خطر الترشّح في بال السنيورة الذي كان قد قرّر أن لا يقصر حياته السياسية على رئاسة الحكومة، عارفاً في الوقت نفسه أن الظروف الاستثنائية حتّمته خياراً للأكثرية، ونجح في الاضطلاع، في مرحلتين متقاربتين، بدورين غير متطابقين ابرَزَا عناده وصلابته في حكومة 2005، ثم مرونته وتكيّفه مع الأمر الواقع الناتج من أحداث 7 أيار في حكومة 2008. كذلك أفضت خلاصة مراجعته لدوره المحتمل في مرحلة ما بعد انتخابات 2009 ـــــ ولا يسع أحد أن يجزم بأن الرجل ليس مرشحاً محتملاً لرئاسة الحكومة ـــــ إلى أن استكمال هذا الدور لن يكون إلا من خلال مجلس النواب. وهو، خلافاً للحريري الأب، لن يطرق باب البرلمان إلا من بوابته الطبيعية التي هي مسقط رأسه، صيدا. تبعاً لذلك، وبحسب المطلعين عن قرب على موقفه، عدّ السنيورة انتخابه نائباً مدخلاً إلى غاية البقاء داخل الحياة السياسية، وعدّ أحد مقعدي صيدا الوسيلة إلى ذلك. قرار إعلان الترشّح كان وليد الساعات الأخيرة، وليس خيار أن يكون عضواً في البرلمان. قيل له أن يرتاح من العناء السياسي والجسدي بعض الوقت، وقيل له أن يقطف حدث الانتخابات ما دام في صلب المعادلة الداخلية ويحظى بثقة عربية ودولية جديرة بالاهتمام.
4 ـــــ لا يوافق رئيس الحكومة الرأي القائل بأن ترشّحه استفزازي. وهو يعرف كذلك مغزى إشارات الاعتراض على هذا الترشيح، ولا يفوته ـــــ وفق المطلعين على موقفه ـــــ أن لا أحد من الزعماء والقيادات اللبنانية يملك في يده قرار إشعال فتنة أو تعريض الاستقرار لخضة بسبب خلاف سياسي أو تنافس انتخابي. فالرجل يعتزّ بتجربته على رأس حكومتين، رغم أن السياسة التي اتّبعها لم تحظَ بإجماع وطني. إلا أنها نجحت، تحت وطأة الاغتيال والتهديدات التي طاردت حلفاءه في قوى 14 آذار، في وضع لبنان على خريطة الاهتمام الدولي وضمان حماية الكيان اللبناني وسيادته واستقلاله من خلال سلسلة قرارات اتخذها مجلس الأمن، ليس لأي من الأفرقاء الذين اختلفوا عليها في السنوات الثلاث المنصرمة الا القول بمقاربتها الإيجابية اليوم، بالنسبة إلى المحكمة الدولية أو القرار 1701 أو إقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا، فضلاً عن المحافظة على ثقة المجتمع اللبناني بفرص نهوض الاقتصاد اللبناني.
5 ـــــ لا يمكن عزل قرار الترشّح عن موقفي قطبين آخرين معنيين مباشرة به، هما الوزيرة الحريري والنائب الحريري.
اختارت الحريري باكراً خوض الانتخابات بلائحة مكتملة بالمقعدين السنّيين، وتجاوز قاعدة التوافق التي أدرجها برّي منذ انتخابات 1992 عندما كان الجنوب دائرة انتخابية واحدة. كفل التوافق بينها وبين الوجه الآخر من زعامة المدينة، هو بيت مصطفى ثم أسامة سعد. ومع أن التأثير الشيعي في صيدا، دائرة انتخابية صغيرة، محدود لا يتعدّى 15 في المئة، وسيحافظ على الاقتراع للتوافق، فإن قرار المدينة أضحى في يد أصحابها المباشرين الذين باتوا يريدون خوض معركة تصفية حسابات سياسية قديمة ـــــ جديدة.
أما بالنسبة إلى النائب الحريري الذي جعل من زعامته السنّية مرجعاً أخيراً للطائفة، متقدّماً دوري رئاسة الحكومة ودار الإفتاء حتى، فهو دعم ترشيح السنيورة. والبعض ردّد أنه ألحّ عليه للترشّح بمعزل عن كل ردود الفعل المحتملة انتقاداً أو تهويلاً، اعتقاداً منه بأنه وقوى 14 آذار يخوضان معركة قاسية للحصول على الغالبية النيابية التي توجب بدورها الوصول إلى أي مقعد يمكن أن يكون في متناول ناخبي هذا الفريق.
بيد أن هذا الدعم غير المشروط سيُفضي حكماً إلى ما يلاقي به السنيورة الحريري، وهو أنه سيكون جزءاً لا يتجزأ من تيار المستقبل برئاسة الحريري الابن. وفي ذلك سابقة أخرى في الشارع السنّي لا البيروتي فحسب، أن يكون رئيس سابق للحكومة ـــــ في مرحلة ما بعد انتخابات 2009 ـــــ عضواً في تنظيم سياسي يرأسه نائب.
كانت ثمّة محاولة مختلفة في نهاية سبعينات القرن الماضي حتى منتصف ثمانيناته، عندما تكوّن التجمّع الإسلامي الذي كان بمثابة نادٍ لرؤساء الحكومة السابقين إلى بعض الوزراء السنّة السابقين، وجمع زعماء بيروت وطرابلس، ثم تفرّق بعد إخفاق التجربة التي بدت حينذاك أنها لموازنة وجود الجبهة اللبنانية، وقد ضمّت زعماء موارنة. خارج هذا السياق لم تسعَ البيوت السنّية التاريخية إلى أن تكون أحزاباً، مكتفية بذاتها معيار الشعبية والزعامة. فأنصار سلام يلتفّون حوله في المصيطبة، وأنصار كرامي في زقاق البلاط وطرابلس، وأنصار العويني في قصره على طريق المطار، وكذلك أنصار اليافي في شارع فؤاد الأول.
السنيورة سوبر نائب... مفارقات الظلّ
إذا قيّض للرئيس فؤاد السنيورة انتخابه نائباً، فسيكون سوبر نائب. كثيرون قبله كانوا. بدأوا رؤساء وأضحوا نواباً ككميل شمعون وألفرد نقاش، وكذلك معظم رؤساء الحكومات. لكن رئاسته، نقيض نيابته، صنعتها مفارقات. كان في ظلّ الرئيس رفيق الحريري قبل أن يدخل الأخير الحكم. واستمر في ظلّه وزيراً وهو يترأس الحكومة. وعندما قرّر الرئيس إميل لحود مواجهة الحريري نفذ الى الظلّ. وعندما حجب الاغتيال الحريري أضحى الظلّ الواجهة. وعندما يصير نائباً وينضم الى تيار المستقبل برئاسة النائب سعد الحريري لن يعود الظلّ، لأن التيار يصبح عندئذ برأسين: أحدهما ورث شرعية الشعبية، والآخر شعبية الشرعية.
إضاءة
سعد: حرّرنا صيدا من الاحتلال بالمقاومة
ردّ رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد على ما جاء في بيان ترشّح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، أنه «يعمل دائماً للدفاع عن الاستقلال والسيادة والحرية». وقال عقب استقباله في منزله مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان بحيث جرى خلال اللقاء التشاور في مختلف القضايا الوطنية، ولا سيما الاستحقاق الانتخابي في مدينة صيدا: «دعونا نذكّر بأنّ من استعاد السيادة في معظم المناطق اللبنانية بدءاً من بيروت إلى جبل لبنان وصيدا وصور والنبطية ومرجعيون وحاصبيا، وإلى آخر نقطة من أرضنا، هي المقاومة إن كانت وطنية أو إسلامية. ومن قال له إن سيادة صيدا منقوصة؟ نحن في صيدا استعدنا سيادة المدينة من الاحتلال الصهيوني بالمقاومة، لا بأي شيء آخر».
وأكد «أننا مقبلون على معركة انتخابية حامية، وسنحرص على أن تجري هذه المعركة في جو من الاستقرار والهدوء». ولفت إلى أن «التيار الوطني أبدى دائماً في كل المحطات السابقة، وفي هذه المحطة خصوصاً، الحرص على الاستقرار في المدينة. وهذا أمر يجب أن يطمئن إليه جميع الصيداويين».
من جهته، قال المفتي سوسان إن الزيارة لسعد هي للتشاور في أوضاع مدينة صيدا والاستحقاقات المقبلة عليها وعلى الوطن. وقد «لمسنا منه كل الحرص على مدينة صيدا واستقرارها وهدوئها. وهو حرص دائم لدى هذا البيت الذي يتحلى بالوطنية الصادقة والذي سعى دائماً وعمل جاهداً من أجل كل القضايا والثوابت والقيم الوطنية».
بدوره، رأى الرئيس نجيب ميقاتي أن من حق السنيورة الترشّح في الدائرة التي يراها مناسبة، ورأى أن العُرف الذي اعتُمد في عام 2005، أن لا يترشّح رئيس الحكومة، من غير الضروري أن يستمر.
رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة
تعليقات: