مشاهد من الحرب الشوارع خلال الأحداث اللبنانية
بدأت الحرب إثر حادثة بوسطة عين الرمانة في 13 نيسان عام 1975 واستمرت خمسة عشر عاماً متوالية..
13 نيسان، التاريخ المشؤوم المكرّس في الأذهان، على أنه تاريخ بدء الحرب الأهلية في العام 1975 بالرغم من اختلاف المؤرخين حوله. لكن الأكيد في ذلك التاريخ استهداف حافلة مدنية، تقلّ مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين ومناصريهم من اللبنانيين، إثر مرورها في منطقة عين الرمانة، مما أدى إلى مقتل 27 شخصاً منهم.
بالتأكيد هذه الحادثة لم تكن إلا الشرارة التي أشعلت فتيل المدافع والبنادق، بعد سنوات طويلة من الانقسام السياسي بين قوى الحركة الوطنية اللبنانية وقوى اليمين اللبناني، في ظلّ ظروف إقليمية ودولية مشجعة لاقتتال اللبنانيين. فعلى ماذا ختلفت هذه القوى المتصارعة يومها وكيف تطورت هذه الحرب وصولاً إلى اتفاق الطائف 1990؟ وهل استخلصنا العبر من هذه الحرب في الذكرى الـ34 لإندلاعها لكي لا تتكرر؟!
أسباب الحرب الحقيقية
الحرب الأهلية اللبنانيةتمركز الخلاف قبيل اندلاع الحرب الأهلية في الظاهر، حول رفض قوى اليمين اللبناني الوثيقة الإصلاحية التي تقدمت بها الحركة الوطنية اللبنانية، بقيادة كمال جنبلاط، لإصلاح النظام السياسي السائد. لكن الخلاف في باطنه وجوهره تمحور حول إنتماء لبنان العربي ودوره في القضية الفلسطينية، حيث كانت الحركة الوطنية من الداعمين لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، الذين أخذوا من لبنان مركزاً لعملهم الفدائي ضد العدو الصهيوني عبر جبهة الجنوب اللبناني وفق ما نصت عليه اتفاقية القاهرة. إلا أن قوى اليمين اللبناني وجدت في توسع الانتشار الفلسطيني المسلح، عملاً يقوِّض سيادة الدولة اللبنانية ويضع النظام السياسي وتوازناته في خطر شديد. أمام هذا التباين في المواقف بين الطرفين وجدت الحركة الوطنية اللبنانية نفسها قادرة على إحداث التغيير من خلال الحسم العسكري مدعومة من الفلسطينيين، كما وجدت القوى اليمينية نفسها قادرة أيضاً على القتال الحسم من موقعها المدافع عن النظام السياسي، أي السلطة الحاكمة، مستفيدة من بعض المواقف الإقليمية والدولية الداعمة لها في وجه القوى اليسارية. فاندلعت الحرب الأهلية اللبنانية لهذه الأسباب الأنفة الذكر ووفقاً لرؤية وتصورات كل طرف لمسار "المعركة".
لكن الأكيد للجميع اليوم، أن الحركة الوطنية، بعدما اعتبرت نفسها ممثلة الخط العربي في لبنان، أخطأت في تقييم أو بالأحرى استقراء موقف إحدى الدول العربية، ذات التأثير الواسع في لبنان، لجهة السماح لهم بالحسم، كما تبين بعد اغتيال النائب كمال جنبلاط الذي سبقه الدخول السوري إلى لبنان بناءً على طلب من الجبهة اللبنانية في العام 1976. في المقابل أخطأت القوى اليمينية في "استقوائها" بالدخول السوري على الوجود الفلسطيني المسلح سيما وأن هذا الدخول انقلب على طالبيه في مراحل لاحقة من الحرب تحديداً بعد اتفاق كامب ديفيد.
حرب فحروب واجتياح
الحرب الأهلية اللبنانيةيتفق المراقبون على أن الحرب الأهلية بدأت بين طرفين أساسيين، هما قوى اليسار اللبناني أو الحركة الوطنية اللبنانية" مدعومة من الفلسطينيين وبين القوى اليمينية من جهة أخرى وكان أبرزها حزبي الكتائب والأحرار، لكن هذه المعادلة سرعان ما بدأت بالتبدل بعد العام 1977، حيث أخذت هذه الحرب تتحول إلى حروب بين أطراف الصف الواحد، فاختلطت الخنادق والبنادق، ودفع المواطن اللبناني الثمن الأكبر، فهو الذي شرد وقتل وشهد على تفكك دولته وأجهزتها الأمنية وتدمير وطنه وتجذر الانتماءات المذهبية والطائفية فيه. وبالعودة إلى هذه الحروب، نذكر منها معارك "توحيد البندقية" في العام 1978، التي خاضها بشير الجميل الكتائبي ضد القوى المسيحية الأخرى، ليؤسس بعدها "القوات اللبنانية" لتخوض "معركة زحلة" ضد القوات السورية وحلفائها في العام 1981. على وقع الاقتتال الداخلي أقدم الصهاينة على اجتياح لبنان في العام 1982 وصولاً إلى بيروت، مما استدعى تشكيل "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" لمواجهة الاحتلال الصهيوني. وبالرغم من استمرار الاحتلال عاد الإفرقاء إلى الاقتتال الأهلي، بعد اغتيال الرئيس بشير الجميل، بانطلاق شرارة "حرب الجبل" في 1983، التي تلاها "انتفاضة 6 شباط" ضد سلطة الرئيس أمين الجميل، علماً أن هذه الانتفاضة توقفت على مشارف "بيروت الشرقية" لتنتقل بعدها المعارك إلى ما كان يسمى بالمناطق "الوطنية الإسلامية" ومنها "حر الأخوة" بين "أمل" و"حزب الله".
انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل في 1989 فتولى العماد ميشال عون الحكومة الانتقالية، فبدأ "بحرب التحرير" ضد الوجود السوري، ثم حربه مع "القوات" في 1990 وصولاً إلى 13 تشرين الأول 1990 حيث تمكنت القوات السورية من طرد العماد عون من قصر بعبدا وأحكمت سيطرتها على المنطقة الشرقية، بغطاء إقليمي ودولي، تحت شعار "إنهاء التمرد على الطائف". عندها توقفت الحرب الأهلية بعد إنجاز النواب لاتفاق الطائف، بتحفيز إقليمي ودولي لوقف القتال، فبدأت مرحلة السلم الأهلي بعد ثلاثين عاماً من الاقتتال العبثي بين أبناء الوطن الواحد. وبعد حصيلة مئتي ألف قتيل وجريح.
هل نجرأ على الاعتذار؟!
بعد ما شهدناه من أحداث دموية متنقلة خلال الأعوام التي تلت إنهاء حقبة "الرعاية" السورية للبنان، يتبادر إلى الذهن في الذكرى الـ34 للحرب الأهلية التساؤل عن ما يلزم لنطوي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخنا بشكل كامل يمنع تكرارها حتى باهتزازات محدودة. فمن المؤكد أن الجميع كان مشاركاً، بنسب متفاوتة، في هذه الحرب القذرة، التي يصح إسقاط قول الروائي الإيرلندي "أفلاهرتي" في روايته "القناص" عليها بقوله "الحروب الأهلية لا تقود إلا إلى قتل الأخ لأخيه". لذا لا بد لنا من الاعتذار على ما ارتكبناه جميعاً في حق بعضنا البعض. فلقد اعتذر البعض متأخراً فهل يعتذر الأخرون ويتخذون العبر؟
الشوارع القاحلة خلال الأحداث اللبنانية
تعليقات: