الأستاذ نبيل هيثم
كيف يمكن أن ينجح التصويب على هدف... بسلاح غير مذخّر؟..
قد لا يشكل «اتفاق الدوحة» عيدا مجيدا بالنسبة الى «14 اذار» وحلفائها, بالنظر الى كونه وليد ظروف سياسية وأمنية محلية وإقليمية ودولية فرضت انتقالا من واقع حكم سياسي مطلق اليدين, الى واقع مقيد بالشراكة والثلث المعطل, وبالنظر الى ما يشكله من «حساسية مكانية» بالنسبة الى بعض عرب الاعتدال, والى المنصة التي شكلها ايضا لتظهير دور قطري على حساب دول عربية كبرى ماليا وبشريا.
من هنا, تجندت «14 اذار», وعلى اختلاف مستوياتها, ومن لحظة سريان مفعول «الدوحة», لمنع تكريسه اطارا جديدا يثبت النتائج السياسية التي ولـّدته, او تلك التي تأتت منه, وخصوصا أنه أرّخ تراجع مشروعها في «7 ايار», وانهى حقبة «الاستئثار السياسي», واطلق مرحلة «الانحدار السياسي».
عمليا, تبدو «14 اذار» مصممة على تجاوز كل المحطات التذكيرية بهذا التراجع, وفي مقدمها الدوحة, وبالتالي الاستثمار انتخابيا على هذا الامر, من خلال جعل التصويب على الدوحة ونتائجه, اساس اولويات مشروعها الانتخابي لـ«العبور الى الدولة», وتحت عنوان «لا للدوحة... نعم للطائف», ينطوي ـ أي العنوان ـ على فرز واضح للواقع اللبناني بين معسكرين سياسيين: معسكر الدوحة ومعسكر الطائف.
المثير في الامر, ان السياق الانتقامي من الدوحة, يأتي في وقت أدى هذا الاتفاق قسطه شبه الكامل للعلى, والباقي منه مداه الابعد اجراء الانتخابات النيابية في السابع من حزيران المقبل, لتكتمل كل مندرجاته, وبالتالي بدءا من انتخاب الرئيس التوافقي للجمهورية, ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة الشراكة والثلث الضامن, ومن ثم وضع قانون انتخاب بدائرة القضاء وفق دوائر «قانون الـ60», ويبقى من هذه المندرجات فقط اجراء الانتخابات على اساس هذا القانون بعد اقل من شهرين.
واقعيا, تخوض «14 اذار» معركة سياسية, انتخابية, ضد خصم اخلى مكانه, او كاد, أي ان الهدف غير موجود فعليا, ومن هنا, بدت الحملة التي انطلقت قبل اسابيع, وتحت عنوان «لا للدوحة», وعلى قاعدة « ان ربحتم احكموا وحدكم, وان ربحنا نحكم وحدنا» كمن يطلق النار على قدمه, فبدل أن تصيب الدوحة, اصابت الطائف الذي يؤكد على الشراكة؟!
يحمل ما سبق الى السؤال التالي: لماذا تستخدم «14 اذار» سلاحا غير مذخر» كالدوحة, لمعركة تعتبرها كبيرة ومصيرية؟
هذا السؤال مستغرب في اوساط هذا الفريق, على اعتبار ان المسألة التي يتصدى لها واضحة المعالم من خلال الاداء الذي انتهج في الجانب الآخر, «لهدف سياسي انقلابي يطيح بركائز الاستقرار السياسي والأمني التي يحميها اتفاق الطائف, ونحن قلقون على الطائف, وعلى مستقبل لبنان فيما لو احكم الفريق الآخر قبضته على البلد, سياسيا وامنيا».
وطبيعي الا تتفق قوى المعارضة مع هذا التوجّه, الذي ترى فيه عنوانا انتخابيا بعدما سحبت من ايديهم كل الاوراق الاخرى, فورقة المحكمة الدولية خرجت من ايديهم, واما ورقة سوريا فلم تعد بذات قيمتها مع انطلاق حكم الاكثرية في الـ2005, اضافة الى الاوراق الأخرى التي تراجعت مع تراجع الرعاية الدولية لهذا الفريق, وبالتالي فإن الدوحة, كان حلا مؤقتا لازمة طارئة, بينما الطائف هو التسوية التي تشكل قاعدة ارتكاز ضرورية, وربما طويلة الامد, وصولا الى بناء الصيغة السياسية الحديثة لنظام المواطنية. الطائف هو الاصل, والدوحة ليس بديلا عنه, بل هو شكل في لحظة معينة, نافذة الخروج من الازمة والتوتر, الى «مقر» اتفاق الطائف و«مستقره».
ولنعد الى الاصل, على حد ما هو سائد في اوساط المعارضة, فإن الدوحة لا ينافس الطائف, بل لا مجال على الاطلاق لينافس الطائف في أي مكان, وتحت أي ظرف. الاساس في الدوحة هو الشراكة الوطنية من خلال حكومة وحدة وطنية, وهذا لا يتعارض مع ما يرمي اليه الطائف, الذي يبدو ان موالاة 14 اذار وحلفائها الاقليميين, يفهمون الطائف على انه تكريس لحكم فئة على كل الفئات اللبنانية الاخرى, وهنا يكمن اساس الهدف, أي العودة الى حكم شبيه بالذي كان سائدا في عهد الحكومة السابقة, والتي اختزلت كل الصلاحيات, واولها صلاحيات رئيس الجمهورية.
على ان الملاحظة البالغة الدلالة في جانب المعارضة, هي ان وضع الدوحة في وجه الطائف, يدين الذين وافقوا على الدوحة, ممن يدعون انهم من حماة الطائف. فلماذا وافقوا عليه اصلا ان كانوا يعتقدون انه بديل عن الطائف, وهو ليس كذلك, هذا يقود الى استنتاج ان موافقتهم التي يقولون انها تمت بناء على ظروف حكمت ذلك, يعني ان ظروفا اخرى, قد تحملهم على التخلي عن الدستور وتعليق العمل ان استطاعوا؟!
الأكيد في اوساط المعارضة, ان هذا التوجه مبرمج من أساسه والكلام الدفاعي عن الطائف, الهجومي على الدوحة, مطلوب, ولغاية التوظيف في اتجاه خلق سجال انتخابي للفرز بين المدافعين عن الدستور والقانون وبين الخارجين على القانون. ومحاولة تسييل ذلك في الصناديق الانتخابية. يقولون في المعارضة انهم يحاولون التدقيق في ابعاد هذه الحملة, وما اذا كانت مندرجة في سياق «خطوات خارجية» قد يكون بعض الحلفاء الخارجيين المعتدلين والمتطرفين قد رسموها, وفي طور تصديرها الى الداخل اللبناني.
والتدقيق كما يقول مطلعون, ينصب حاليا على تقييم ابعاد الحملة المصرية على «حزب الله», واهدافها الحقيقية, ولاسيما بعدما بدأت بعض الجهات السياسية في مناطق محسوبة على الأكثرية في الاستثمار الانتخابي على هذه الحملة, التي يطرح تساؤلات في اوساط عما اذا كانت سترفد قريبا بالمال الانتخابي من خزائن بعض الصامتين, فآنذاك يمكن ان يبنى على الشيء مقتضاه.
تعليقات: