النائب وليد جنبلاط
باتت مثيرة للالتباس والتساؤل تحولات وانعطافات النائب وليد جنبلاط، لأنها تأتي سريعة ومن دون مقدمات طويلة، وأحيانا من دون أسباب موجبة، سرعان ما تظهر هذه الأسباب لكن في المكان والزمان الخطأ، وتكون هذه المواقف قد فعلت فعلها وتركت آثارها، التي غالبا ما تكون خطيرة في نتائجها كما حصل نتيجة تحولات جنبلاط منذ العام 2004.
وهي تحولات وانعطافات مثيرة، لأنها أرفقت مؤخرا بمواقف تركت لغطاً كبيراً، لأن ما تم عرضه بالصورة والصوت لوليد بك في حضرة المشايخ ـ ما كان ليُعرض على الشاشات والانترنت من دون رغبته أو موافقته ـ حول رأيه المستجد في الموارنة والسنّة، أو ربما هو قصد زعاماتهم الحالية، ولم يتضح ما اذا كان في سياق عرض سياسي موسع مرفق بالوقائع والتحليل، ليصل في النهاية الى تحديد الخصوم الجدد والحلفاء الجدد. ام انه أتى في سياق إعلان تقرير الاصطفاف الجديد ضد توجه سياسي وطائفي.
إلا أن جنبلاط ظهر وكأنه يحاول التقرب من الطائفة الشيعة بكل مفاهيمها السياسية المعروفة منذ عشرات السنوات، لكن مبتعداً عن طائفتين أخريين: الموارنة والسنة، ما يستدعي توضيحاً صريحاً منه لحل هذا الالتباس، وتقرير نوعية هذا الاصطفاف الجديد، هل هو سياسي أم طائفي؟ إذ ان جنبلاط يوم كان في حلف مع الرئيس أمين الجميل وسمير جعجع وسعد الحريري من ضمن قوى 14 آذار، هل كان حلفه من منطلقات سياسية وفكرية وعقائدية، أم من منطلقات مصلحية آنية؟ أم انه كان متحالفا مع السنة وبعض الموارنة ضد الشيعة، ليعود الآن ويتحدث عن عودة الحلف مع الشيعة ضد الموارنة، مضافا اليهم هذه المرة السنّة؟
في كل الأحوال، لا يمكن توصيف تحولات وليد جنبلاط في كل المراحل إلا أنها تنتج آثارا خطرة، ما لم يستدركها مبكرا بتحديد أهداف موضعية بعيداً عن الاصطفاف الطائفي، إلا اذا كان جنبلاط يعتقد انه لا يستمر زعيما سياسيا تقليديا قوياً من دون هذا الاصطفاف المذهبي، مع أنه يستطيع أن يكونه.
تحولاته خطيرة لأنه سبق عندما وقف ضد سوريا والمقاومة مع «مشروع الدولة» كما يسميه، أن بالغ كثيرا في تطرفه ومواقفه المعلنة في خطابات الساحات، وحتى في مواجهته لموضوع سلاح المقاومة والترويج لحصرية السلاح بيد الدولة، فاتُّهم بأنه المسبب والمحرض الأساسي لقرارات مجلس الوزراء الشهيرة في أيار من العام الماضي، والتي أدت الى أحداث 7 ايار، والتي شكلت لجنبلاط ما يشبه الصحوة، لا سيما بعد انهيار المشروع الأميركي حول «الشرق الأوسط الكبير». وها هو يحاول تصحيح الخطأ بخطأ أكبر عبر استعداء طائفتين، وباصطفاف طائفي جديد، ولو بعناوين سياسية غير مفهومة بعد، أو لأسباب وأهداف سياسية جديدة. يُخطئ قادة الشيعة اذا ماشوا جنبلاط فيه بعيداً عن البرامج السياسية الواضحة والمحددة، التي يفترض أن تقوم اولاً على فكرة إصلاح النظام والدولة بكل مفاهيم الإصلاح السياسية والإدارية، وعلى فكرة حماية المقاومة ضد إسرائيل.
ورُبَّ سائل يسأل لماذا يعمل جنبلاط بهذه الطريقة المثيرة للجدل؟ هل زعامة الدروز في بلد طائفي تتطلب تحالفات مع طوائف وانقلابات على طوائف اخرى، ام ان الزعامة تكون باستقطاب كل الطوائف لمصلحة مشروع سياسي كبير يبني الدولة ويكرس عليها زعيما أقوى وأقدر على الفعل؟ وهل سيبقى الدروز يميلون كما يميل جنبلاط، أم يخرج من يسائله يوما لماذا وكيف والى اين؟وكيف سيقنع جنبلاط حلفاء الأمس الموارنة والسنّة بأسباب انقلابه وتحولاته؟ وكيف سيقنع الشيعة بأنه أخطأ في حرب تموز 2006 بوقوفه الى الجانب الآخر، أو على الأقل بقي متفرجا أو صامتا أو محايدا؟
مطلوب من وليد جنبلاط الكثير من التوضيحات الصريحة والمباشرة والمعللة والمقنعة، ولا يكفي أن يعتذر أو يدعي خطأ التقدير في الحساب.
يجب أن يخرج من يسأل السياسيين: «الى أين» يأخذون طوائفهم ومواطنيهم وبلدهم؟
تعليقات: