المرحومان مالك عبدالله ويوسف السيد علي في أبو ظبي كانون الثاني 1979
أنقضى أسبوع على خبر الشؤم الذي طوى القفار وبلغنا في غربتنا العتيدة، وكأنه ليس مكتوب علينا إلا أن نعزي أنفسنا بنعي الأحبة، فنواسي الأعزاء في فقد حبيب هنا أو غياب صديق هناك.
أبا غالب عرفناك منذ الطفولة، فوجدناك الأب الرحيم، وعاشرناك منذ زمن الغربة الأولى في بوادي الكويت فاكتشفنا فيك الخل الوفي، وقفاتك مع المرحوم والدنا لا تنسى، بادلته حبا بحب، وصدقاً بصدق، وأن فرقتكم منعطفات الاغتراب ردحا من الزمن، بعد انتقال والدنا الى الامارات، فكان التواصل عنوان صحبتكم، وأمسى التلاقي ديدن مسيرتكم، فنجدك فجأة بيننا في أبوظبي من غير موعدا ننتظره، أو أملا ننشده. إلى أن علم المرحوم والدي، في إحدى ليالي عام 1997 بأن أزمة صحية قد ألمت بك، وانتقلت الى بريطانبا للعلاج، فخيم عليه وجوم جلّي، وتملكه الغم الشديد، فاتصل بك مرارا لعل نفسه تهدأ، إلى أن عدت معافيا الى ربوع الوطن.
أبا غالب، كان المرحوم والدي، عندما يشرح لنا في صبانا معنى كلمة عصامي، لا يسعه إلا أن يضرب مثلا لايغيب عن باله أبدا ألا وهو صديق العمر (يوسف السيد علي)، فكنت رحمك الله، ذلك العصامي الذي جبلتك الحياة بمشاقها، فتخرج من خطوبها وأنت أشد قوة وعزما على المضي قٌدما ورأسك مرفوعة الى الأعلى، وهمتك لا تخبو أبدا.
بدأت مسيرتك في مجاهل هذه الدنيا الفانية، مثل جلّ أهل بلدتنا أثناء الحرب العالمية الثانية بطرق باب العمل في مدينة حيفا قبل أن ينتزعها الصهاينة، فغرست تلك التجربة في نفسك المداميك الأولى لكفاحك الطويل من أجل اثبات الذات مهما انهالت عليك معاول الصعاب دون أن تعيق دربك الطويل.
كنت من الرعيل الأول الذي يمم وجهه شطر الخليج فكانت الكويت هي الهدف، التي وصلتها في مطلع الخمسينات وهي جرداء قاحلة، فأنبتت وأينعت من عرقك وجهدك أنت وأبناء جيلك من المهاجرين الأوائل من بلدتنا، لقد عشتم في بلاد الاغتراب في البوتقة واحدة يحسبكم الغريب من نفس العائلة، لدرجة أننا نشأنا ونحسب ان أبا غالب هو عمنا الرؤوم، وأم غالب خالتنا الرؤوفة.
أبا غالب، وأن كنت لم تأخذ قسطك من التعليم، فيكفيك فخرا، أن الحياة قد خرجتك من مدرستها، وزادك فخرا على فخر أن يتخرج أبنائك السبعة مهندسين من جامعات بريطانيا، فكنت فعلا الأمثولة الأعلى لكل أبناء جيلك في من يجعل العلم نبراسه والثقافة مصباحه.
أبا غالب، واسيناك في مصابك الأليم منذ خمس سنوات بفقدان ولدك الحبيب "غالب"، فوجدناك صلدا كصخور الخيام العتيقة، وتعاليت على الألم الدفين، فلم تجزع، ووقفت منتصب القامة تأخذ العزاء بفلذة كبدك الذي وري الثرى وهو في ريعان الشباب.
أبا غالب مهما أمدنا القلم بالكلمات فلن نوفيك حقك علينا، فنسأله تعالى أن يتغمد روحك بجنة عرضها السموات والآرض، وان يلهم أهل بيتك الصبر والسلوان، وانا لله و انا اليه راجعون.
الحاج/ أحمد مالك عبدالله - أبوظبي
Ahmad59@yahoo.com
كلمة حسن حيدر وهبي "... عرفتك منذ اليوم الاول لاغترابي"
كلمة المغترب محمد صفاوي "إلى روح العزيز أبو غالب"
مقالة محمد عواضة "..الأب العطوف والحنون"
سجل تعازي بالمرحوم أبو غالب يوسف السيد علي
تعليقات: