الحرب السريّة مع العدو: شبكات جديدة إلى الواجهة

أجهزة اتصال صادرتها استخبارات الجيش من منزل العميل محمود رافع عام 2006
أجهزة اتصال صادرتها استخبارات الجيش من منزل العميل محمود رافع عام 2006


■ مضبوطات مع العملاء بالغة التطوّر تقنيّاً وباهظة الثمن..

■ بنك الأهداف الجديد تعرّض لضربة كبيرة خلال أسابيع..

■ الأجهزة اللبنانيّة تفتقر إلى التقنيات وتشكو الضغط السياسي..

كانت أبرز خلاصات تقرير لجنة فينوغراد التي حققت في فشل الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006، الإشارة الى الفشل الاستخباري الذي جعل القوات العسكرية غير قادرة على الوصول الى المقاومين ومخازن أسلحتهم

دخل لبنان في مرحلة حساسة من المواجهة الأمنية المفتوحة مع الاستخبارات الإسرائيلية على اختلافها. ويبدو أن مسلسل كشف الشبكات مستمر، وهناك دلائل قوية على احتمال سقوط المزيد في يد أجهزة قوى الأمن الداخلي ومديرية الاستخبارات في الجيش وجهاز أمن المقاومة في وقت قريب، فيما استمرت التحقيقات مع الموقوفين الذين اعترفوا بآلية العمل والتواصل ونوع الأهداف، ما كشف للأجهزة المعنية عن ثروة كبيرة من المعلومات، الامر الذي يبدّد قسماً لا بأس به من «بنك الأهداف» الذي عمل العدو على تغذيته بقوة منذ ما بعد عدوان عام 2006، الامر الذي يولد التوتر لدى العدو ويؤثر على برامج عمله الاستعلامية أو التنفيذية، دون أن يعني ذلك تراجع الاحتمالات بقيام العدو بأعمال عسكرية أو أمنية في أي وقت. وذلك في سياق حربه المفتوحة على لبنان، أو في سياق إعادة الاعتبار الى أجهزته الامنية التي أصيبت بنكسات كبيرة خلال هذه الفترة.

وحسب جهات واسعة الاطلاع، فإن الاجهزة الامنية اللبنانية العاملة على مواجهة الاختراقات الاسرائيلية، رصدت في الفترة الاخيرة، نشاطاً متزايداً للعدو، وثمة برامج مكثفة على العمل المباشر ضد أهداف مصنفة في خانة عناصر القوة البشرية واللوجستية للمقاومة. وهو أمر ظهر في آلية عمل عدد من الموقوفين الذين تبيّن ـــــ كما في كل مرة ـــــ أنه لا وجود لا صلة عملانية في ما بينهم.

■ تقنيات فائقة الدقة

ومع أن الاجهزة التي تتولى التحقيقات مع الموقوفين تشير الى أن الملف يحتاج الى وقت إضافي لكشف كل ما هو مستور، فإن ما برز حتى الآن من اعترافات أو من أدلة وموجودات في حوزة الموقوفين، يُظهر آلية عمل لدى الجانب الإسرائيلي فيها الكثير من الاحتراف والتطور التقني، ويورد المعنيون بعض المعطيات وفق الآتي:

أولاً: إن العدو عمل على تجنيد الموقوفين في فترات مختلفة، بينها ما يعود الى مرحلة ما قبل التحرير، وبعضها الآخر يعود الى أربع أو خمس سنوات. وإن طريقة التجنيد تبدو مستندة الى عملية ترشيح تتم من خلال عملاء كبار يعتقدون أن المختارين يفيدون في المهام المطلوبة منهم. وقد جرى الاتصال بهؤلاء الافراد بطرق مختلفة، ونقلت بعضهم الى داخل فلسطين المحتلة فرق كومندوس إسرائيلية تلاقيهم عند السياج الحدود جنوباً، أو خلال اجتماعات تعقد في الخارج (علي منتش اجتمع بضباط الموساد في هنغاريا).

ثانياً: أخضع هؤلاء لفترة اختبار تخللتها في المرحلة الاولى عملية إغراء كبيرة من خلال دفع مبالغ كبيرة لهؤلاء العملاء، قبل إقرار العمل معهم بصورة دائمة، وبدأت المرحلة الثانية بتدريبهم على طرق التواصل الآمنة من خلال أجهزة الهاتف الخلوية أو من خلال البريد الالكتروني قبل تزويدهم لاحقاً بأدوات للعمل هي عبارة عن كاميرات تصوير دقيقة تخبّأ في أجهزة تُستخدم عادة في أمور شخصية أو منزلية، ليصار في المرحلة اللاحقة الى طلب لائحة معلومات، من بينها أسماء قيادات أمنية وعسكرية في المقاومة وشخصيات لا يعرف العميل بالضرورة نوع عملها، حيث قام العملاء الثلاثة بعملية مسح بالصور والمعلومات والبيانات لكمية كبيرة من الأهداف والشخصيات.

ثالثاً: عُثر مع العملاء على تقنيات استقبال وإرسال متطورة جداً ومموّهة بطريقة معقدة جداً، وقد قاوم أحد الموقوفين لبعض الوقت قبل أن يقر بماهية أحد الاجهزة الالكترونية التي عثر عليها في منزله ليشرح بعد وقت وبعد عملية تفكيك هذا الجهاز أنه يحوي على جهاز إرسال موصول بهاتف وله آلية للربط بجهاز (flash memory) من نوع خاص وجديد وله مميزات غير مألوفة. وقد تبيّن أن هذه الذاكرة تبدو فارغة لكل من عمل على تفكيكها، وهي ذات سعة كبيرة جداً، وبعد الضغط على العميل أقر بطريقة استخدام هذه الذاكرة وكيفية فك رمز التشفير الخاص بها، ليتبيّن أنها تحتوي على خزان هائل من المعلومات والمواد المصورة التي عمل عليها العميل ويجري التدقيق في ما تم إرساله الى العدو وما لم يتسنّ للعميل إرساله.

رابعاً: دلت التحقيقات مع الموقوفين على أن العدو يسعى الى الحصول، في أسرع وقت ممكن، على أكبر قدر من المعلومات عن عناوين وأسماء وملفات خاصة بالمقاومة وأماكن وجودها، وتبيّن أن الذين جُنّدوا طُلب إليهم العمل سريعاً على خلق سواتر توفر لهم بعض الحماية وتبعدهم عن الشبهات، وتسهل لهم الوصول الى بعض الاهداف، وتبيّن أن أحد الموقوفين علي منتش الذي يعمل معرّفاً في حملات الحج وهو شقيق لمرافق القيادي في حركة «أمل» هاني قبيسي المرشح عن المقعد الشيعي في دائرة بيروت الثانية، يتمتع بقدرات إضافية عن الآخرين، وأنه قام بأعمال أكثر خطورة من الآخرين، وهو حاول المقاومة في المرحلة الاولى من التحقيقات لكنه عاد واعترف بالكثير مما كان مكلفاً به، بما في ذلك إشارته الى أن مشغليه طلبوا منه متابعة شخصيات جديدة بعد عدوان عام 2006 علماً بأنه جُنّد عام 2005.

■ فرع المعلومات.. إلى الجنوب در

لا يخفي مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى رأيهم بأن الأجهزة اللبنانية «قاصرة ومقصّرة» في مجال مكافحة العمل الاستخباري الإسرائيلي «العريق» في لبنان. ويؤكد هؤلاء أن القصور والتقصير نابعان بالدرجة الأولى من غياب القرار السياسي الذي من المفترض أن يوفر للأجهزة الأمنية (تقنياً وبشرياً ومادياً) ما يمكنها من مواجهة الخطر الاسرائيلي الفائق الاحتراف.

لكن فرع المعلومات تمكن خلال السنوات الماضية، مشفوعاً بدعم سياسي من الفريق الحاكم بعد الخروج السوري، من الحصول على دعم تقني ومادي (داخلي وخارجي)، ومن مضاعفة عديده أكثر من 8 مرات، ما خوّله خوض معركة أمنية في وجه شبكات الأصوليين الإسلاميين في تنظيمي «القاعدة» و«فتح الإسلام». وكانت تلك المعركة تستنزف معظم إمكانات الفرع، إلا أنها سمحت لعدد من الضباط والرتباء بمراكمة خبرة تقنية واسعة مكنتهم من الوصول إلى عالم كشف شبكات تجسّس إسرائيلية.

ويبدو القائمون على هذا الفرع في مواجهة «عدو شرس ولئيم» ولكنهم يعملون على برامج جديدة لمتابعة هذه المهمة التي يعتقدون أن العدو سوف يخسر فيها الكثير، وسوف تكون أولى نتائج كشف الشبكات تدمير معنويات شبكات العملاء المنتشرة في أكثر من مكان، حيث هناك قوائم بعشرات المشتبه فيهم أو الذين هم تحت المراقبة.

وإذ يرفض هؤلاء الحديث عن أي شيء يخص طريقة عمل الفرع في مكافحة التجسس الاسرائيلي، فإنهم يركزون على وجوب الاستمرار في العمل بعيداً عن الضجيج، وبعيداً عن السعي الى مكاسب إعلامية أو سياسية، رغم أن الامر مربح، وذلك لأن طبيعة المهمة تتطلب درجة عالية جداً من السرية، وتأخذ بعين الاعتبار كيفية تعامل إسرائيل مع هذا الأمر، وسط اهتمام بترقب ردة فعل العدو ونوعية تعليقاته على ما يجري.

ومع أن الجميع يتعامل مع نجاحات فرع المعلومات في مواجهة إسرائيل على أنه «أمر جديد ومحل ترحيب من أعتى خصوم هذا الجهاز» إلا أن آلية التنسيق في ما بينه وبين جهاز أمن المقاومة تتم وفق آليات خاصة، وربما تقود المرحلة المقبلة من المواجهة الجميع بمن فيهم استخبارات الجيش اللبناني الى مستوى آخر من التنسيق العملاني في ما بينهم، وخصوصاً أن التعاون ضروري في مواجهة «قدرات وإمكانات ونفقات هائلة جداً من قبل العدو في هذه الحرب ولا يمكن مقارنتها مطلقاً بما هو موجود لدى الاجهزة اللبنانية، حيث تسلم إسرائيل عدة عملاء أجهزة وتقنيات تصل كلفتها الى مئات الآلاف من الدولارات غير المتوافرة لدى الاجهزة الامنية اللبنانية» على حد تعبير أحد المسؤولين في الفرع.

■ مديرية الاستخبارات... نقص تقني وضغوط

أما في مديرية استخبارات الجيش، فتبدو التقنيات المستخدمة أقرب إلى ما كانت تملكه أجهزة الاستخبارات المحترفة قبل الثورة الرقمية. فالأكثرية الحاكمة نظرت إلى المديرية خلال الأعوام الأربعة الماضية على أنها جهاز «غير صديق»، بحسب أحد أبرز المتابعين لشؤونها.

وحتى اليوم، لم تتمكن المديرية من التخلص من الحرم السياسي الأكثري الذي أثقل كاهلها خلال الأعوام الماضية، والذي صنّف المدير السابق لاستخبارات الجيش، العميد جورج خوري، كأحد بقايا النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري. وبعد إبعاد خوري سفيراً إلى الفاتيكان، اضطر البعض لخوض معركة متعددة الاتجاهات قبل التوصل إلى إنشاء قسم متخصص بمكافحة العمل الاستخباري الإسرائيلي، وهو ما حدث قبل نحو 4 أشهر فقط، علماً بأن عدداً كبيراً من محققي مديرية استخبارات الجيش اكتسبوا اطلاعاً واسعاً على أساليب العمل الاستخباري الاسرائيلي طوال السنوات العشر الماضية، وخاصة مَن خاض منهم تجربة التحقيق مع العملاء الأمنيين والعسكريين في ميليشيا لحد والشبكات التي أوقِفَت بعد عام 2000 بالتنسيق مع المقاومة.

لكن القسم المذكور لا يزال يفتقر لأبسط التجهيزات التقنية والبشرية، ما يجعل عمله محصوراً في جزء غير واسع من العمل التجسسي الذي تقوم به أجهزة العدو، التي يرى مسؤولون أمنيون بارزون أن شبكاتها منتشرة في طول البلاد وعرضها، وأنها بحاجة لجهد كبير وإمكانات متطورة لمكافحتها. ويلفت المسؤولون المذكورون إلى أن معظم من كشفت علاقتهم بالأجهزة الإسرائيلية كانوا ممن جندوا خلال ثمانينيات القرن الفائت وتسعينياته. بيد أن ما لم يظهر بدقة بعد، هو ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية. فإسرائيل، يضيف هؤلاء، وجدت نفسها بعد عدوان تموز 2006 بحاجة لمضاعفة جهدها الاستخباري في لبنان، لكي تسد الثغرات المعلوماتية التي ظهرت في بنك أهدافها المتمحور في الدرجة الأولى حول العمل المقاوم. وبناءً على ذلك، أعاد الإسرائيليون التواصل مع معظم عملائهم السابقين، الذين تخلت عنهم قوات الاحتلال عند انسحابها من الشريط الحدودي عام 2000. وفي منطقة الجنوب وحدها، قصد عشرات الأشخاص (قارب عددهم المئة) فرع مديرية استخبارات الجيش بعد حرب تموز 2006، للإبلاغ عن تلقيهم عروضاً من أجهزة استخبارات إسرائيلية للعمل معها.

وعندما حاول بعض فروع المديرية وضع برنامج لمتابعة العملاء السابقين، لناحية مراقبتهم واستدعائهم دورياً للاستماع إلى المتغيرات التي طرأت على أوضاعهم الاجتماعية والمادية، اصطدم (إضافة إلى ضعف الإمكانات) بتدخلات من مراجع سياسية رفيعة تصر على إقفال ملف العملاء «السابقين» بصفتهم «كانوا مجبرين على التعامل مع إسرائيل»، وبعقلية لا تزال تحول دون تطوير العمل الأمني في البلاد عبر عدم وعي الخطر الأمني الإسرائيلي ومحاولة التركيز على الدور الأمني السوري دون ما عداه. وفضلاً عن ذلك، استمرت السلبية متحكمة بنظرة الأكثرية النيابية إلى مديرية الاستخبارات، ما حال دون حصولها على أي دعم يذكر خلال السنوات الأربع الماضية، على اعتبار أن «لقوى 14 آذار جهازها الأمني، فلماذا تدعم من ينافسه؟». ولم يغيّر في الواقع المذكور شيئاً وصولُ قائد الجيش السابق العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية، فيما يؤكد مطلعون على أوضاع الجيش أن دور وزير الدفاع الياس المر كان مشابهاً لدور 14 آذار في المجال عينه. وبناءً على ذلك، ثمة من ينتظر، على أحر من الجمر، نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، على أمل أن يؤدي فوز الأقلية الحالية إلى وضع العمل الاستخباري الإسرائيلي، عملاً لا قولاً، في موقعه الفعلي على سلم الأولويات، لكونه الخطر الأول على الأمن الداخلي اللبناني.

ويتخوف مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى من تنفيذ إسرائيل عملاً أمنياً كبيراً، قد يكون اغتيال إحدى الشخصيات السياسية، قبل الانتخابات النيابية المقبلة، بما يؤدي إلى إعادة الأزمة السياسية إلى المربع الذي كانت فيه قبل اتفاق الدوحة.

الأجهزة الغربية متفهمة والمحلية مرتاحة

أبدت جهات استخبارية أميركية وفرنسية وغربية دعمها لجهود فرع المعلومات في مكافحة التجسس الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، ووافقت على أنّ ما تقوم به إسرائيل يمثّل خرقاً للقرار 1701 وتهديداً للاستقرار اللبناني، ما يوجب التفهم لما تقوم به السلطات اللبنانية على هذا الصعيد.

وترك كشف فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لثلاث شبكات تعمل لحساب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خلال الأسابيع القليلة الماضية ارتياحاً لدى «أولاد الكار الواحد» في أجهزة أمنية لبنانية أخرى، رغم التنافس (السياسي والمهني) الذي يمثّل أبرز أوجه العلاقة بين هذه الأجهزة.

محمود رافع: 2003

عندما اغتيل المقاوم علي صالح في الضاحية عام 2003 بتفجير عبوة ناسفة تبين أن إسرائيل تقف خلفه، ورد اسم محمود رافع في التحقيقات لدى جهاز أمني رسمي، بعدما تبين أنه كان قد مرّ في المنطقة بسيارته، واستُبعد عن الشبهة لأنه عنصر سابق في قوى الأمن الداخلي، وظل رافع طليقاً لثلاث سنوات إضافية.

الهاتف الخلوي... جهاز للتنصت

حسمت الأجهزة الأمنية المتابعة لمعركة التجسس الآن مع إسرائيل أن الهاتف الخلوي بات أكثر الوسائل استخداماً في التعقب والتوقيف والتواصل. وتابعت دوائر تقنية معنية تفاصيل تخص أحدث الطرق في استخدام شبكة الهاتف الخلوي في التجسس، وخصوصاً لجهة متابعة الهدف، حتى بات يقال إن الهاتف الخلوي هو عبارة عن جهاز تنصت متنقل.

استعدادات أمنيّة وقضائيّة لإخلاء الضباط الأربعة

رغم وجود موادّ كثيرة ذات طابع أمني لتتابعها الأجهزة الأمنية المعنية، إلا أن ملف الضباط الأربعة كان أمس الشغل الشاغل لعدد كبير من رجال الأمن، بالإضافة إلى التنسيق والتشاور مع الجهات الرسمية المعنية بملف التوقيف، ولا سيما وزارة العدل والنيابة العامة التمييزية.

ومع أنه لا أحد يتحدث عن مضمون قرار القاضي الدولي المقررة إذاعته اليوم، إلا أن خيارَي الإطلاق أو استمرار الاحتجاز يتطلبان خطوات عملية من جانب السلطات اللبنانية المعنية. فإذا تقرر إبقاء الضباط قيد الاحتجاز، فذلك يستلزم تحديد موعد مباشر أو جلسة قريبة جداً لكي يستمع قاضي الإجراءات التمهيدية إلى الضباط أو من يبقى منهم قيد التوقيف بحضور المدعي العام الدولي ورئيس مكتب الدفاع في المحكمة إلى جانب وكلاء الموقوف، وذلك من خلال محادثة بواسطة الفيديو ومن خلال البث عبر الأقمار الصناعية.

أما إذا تقرر إطلاق سراح الضباط، فإن الآلية الرسمية تتطلب أن ترسل إدارة المحكمة الدولية قرار قاضي الإجراءات التمهيدية الموقّع بواسطة البريد الدبلوماسي ومن خلال السفارة اللبنانية في هولندا إلى بيروت، ليصل البريد إلى وزارة الخارجية قبل أن تحوله إلى وزارة العدل ومنها إلى النائب العام التمييزي بصفته المسؤول عن مكان التوقيف، ومنه إلى وزارة الداخلية التي تحيله على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي تطلب إلى فرع المعلومات فيها إنجاز عملية إخلاء السبيل من خلال تسليم الموقوفين إلى ذويهم في السجن أو تولي إيصالهم إلى منازلهم.

إلا أن هذه العملية تحتاج إلى أيام عدة حتى يصل البريد رسمياً، وهو ما فرض نقاشاً بين أكثر من جهة معنية بشأن إمكان اللجوء إلى طريقة مختصرة، من خلال قبول النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا تلقي قرار قاضي الإجراءات التمهيدية موقعاً ومختوماً بواسطة الفاكس أو البريد الإلكتروني، ليوقع عليه، بعد محادثة مع المعنيين، بوصفه قراراً قابلاً للتنفيذ الفوري، ويحيله على الجهات المعنية في وزارة الداخلية، حيث فهم أن فرع المعلومات اتخذ ما يلزم من إجراءات لتنفيذه فوراً وعدم إبقاء أي موقوف في السجن بعد تسلم القرار بدقيقة واحدة.

وإذ يصر القاضي ميرزا على صمته قائلاً: «لم أتحدث طوال الفترة الماضية، وتلقيت الكثير من الانتقادات، ولن أتحدث الآن، والأمر لم يعد من اختصاصي، بل هو ملك المحكمة الدولية»، تتصرف الأوساط القريبة من فريق الأكثرية على أساس أن إطلاق سراح الضباط بات أمراً أكيداً، وليس هناك ما يحرج أحداً في الملف، بما في ذلك القضاء اللبناني، ولدى النيابة العامة والمحقق العدلي ما يكفي من تغطية قانونية وقضائية لما حصل حتى الآن، باعتبار أن التوقيف والإطلاق يكونان بناءً على قرار الجهات الدولية في التحقيق، بما في ذلك أمر استمرار احتجاز الضباط منذ نقل الاختصاص إلى المحكمة واسترداد مذكرات التوقيف بحقهم من المحقق العدلي صقر صقر.

وأبدت الجهات نفسها قلة اهتمامها بملف الشاهد السوري محمد زهير الصديق، وقالت إن توقيفه أو نقله إلى أي جهة سيكشف أنه لا حقيقة لكل ما قيل عن علاقة شخصيات سياسية وأمنية وإعلامية من فريق الأكثرية به، وأنه كان على صلة حصرية بفريق المحقق الدولي الأول ديتليف ميليس ونائبه غيرهارد ليمان.

تعليقات: