تنافس انتخابي بالصور واللافتات في جزين
ِأظهرت معطيات «مهزلة جزين» أن ما جرى من اتصالات بين الرابية وعين التينة، على مدى خمسة عشر يوماً، إنما كان عبارة عن إهدار للوقت بكل معنى الكلمة، ذلك أن ما كان يضمره كل طرف من الطرفين، لا بل ما كان قد قرره كلاهما ضمنياً، إنما يقود إلى موقعة انتخابية لا بد منها في جزين، لكن حساباتها أبعد من ذلك بكثير.
ومنذ اللحظة الأولى لإقرار قانون الستين الانتخابي في الدوحة، حصل الرئيس نبيه بري على ضمانة من حليفه الشيعي «حزب الله» بأن التقسيم الانتخابي الجديد المناقض لما نص عليه اتفاق الطائف، «يناسب كثيراً حليفنا الجنرال ميشال عون، ونحن لدينا كل الضمانات بأن حجم كتلة التحرير والتنمية لن ينقص مقعداً واحداً». في المقابل، سعى العماد ميشال عون إلى تكريس القضاء دائرة انتخابية والى انتزاع مقاعد «سرقها» خصومه في انتخابات عام ألفين وخمسة في بيروت وبعبدا والبترون والكورة والبقاع الغربي، وأخرى «صادرها» تاريخياً الحلفاء مثل المقعدين الماروني والكاثوليكي في بعلبك الهرمل والأرثوذكسي في حاصبيا ـ مرجعيون والكاثوليكي في الزهراني والمقاعد المسيحية الثلاثة في جزين، بالإضافة إلى ما يمكن أن «يتيسر» في باقي الأقضية.
استطاع «حزب الله» ترسيم الأوزان لكل من بري وعون في «الدوائر المشتركة» وكذلك بينه وبين عون في بعلبك ـ الهرمل، وتمثل ذلك بانتزاع المقعد الماروني من نادر سكر وتجييره لإميل رحمة (كتلة عون)، على الرغم من الأثمان الكبيرة التي دفعها سكر بفعل انقلابه على بيئته السابقة والتزامه خيار المقاومة في أصعب الظروف التي مر بها لبنان.
ومنذ اللحظة الأولى، أدرك عون أن حسابات المعارضة لا يمكن أن تقوم مسيحياً على خيار واحد، مثلما يصعب التنكر للوقائع الانتخابية الصارخة. وها هو سليمان فرنجية يعلن لائحته الانتخابية في زغرتا من دون أن يأخذ في الحسبان فايز كرم مرشح «التيار الوطني الحر»، وها هي كل الأرقام تشير إلى أن مرشح الحزب القومي في الكورة د.سليم سعادة، يحتل مع فريد مكاري (الموالاة) المرتبة الأولى في كل استطلاعات الرأي وينسحب الأمر نفسه، على المقعد الذي لا بد منه للقوميين السوريين في المتن الشمالي وتحديداً للمرشح غسان الأشقر، بما يمثل من قوة تجييرية تقليدية (حزبياً وعائلياً) في هذه الدائرة المحتدمة انتخابياً.
تدريجياً كان عون «يبلع» هذه الخيارات، ولكن لم تحد عينه يوما عن جزين. وكلما كان يجس نبض الحلفاء، كان الجواب يتكرر حول صعوبة التجاوب مع رغبته بأن يكون له الحق وحده بتسمية المرشحين الثلاثة في هذه الدائرة المسيحية، وجاءت زيارة «الجنرال» إلى جزين في الصيف الماضي وما رافقها من شعارات، لتحمل في طياتها، مؤشراً إلى ما يمكن أن تكون عليه صورة المشهد الانتخابي، وخاصة من خلال اللافتات التي نادت باستعادة القرار الجزيني المصادر منذ عقود طويلة!
آنذاك حصلت محاولات للتوضيح بين الرابية وعين التينة، ولكن الزيارة الجنوبية الأولى من نوعها لعون منذ سنوات طويلة، إنما جاءت غداة تأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثانية وما رافقها من تجاذبات، خاصة على صعيد المقاعد المسيحية المعارضة، ويومها، رفض الرئيس بري التنازل عن حقيبة الخارجية السيادية لمصلحة عون، فيما كان الأخير، قد «فوّل» من بري منذ زمن تحرك المعارضة في الشارع وخوض التفاوض حول الثلث المعطل وانتخابات رئاسة الجمهورية مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
كان عون ينظر بريبة إلى بري «حليف حليفه»، وأظهرت وقائع مفاوضات بري وسعد الحريري برعاية موسى، والتي اطلعت عليها دمشق لاحقاً، أن ثمة لغطاً استدعى فجأة تفويض «الجنرال» بالتفاوض مع الحريري، وجاء السابع من أيار، لكي ينهي بتداعياته وبدخول «الدول» على خط الأزمة، مأزق عدم قدرة المعارضة على الخروج من حليفها ميشال عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية لمصلحة العماد ميشال سليمان، الذي لم تغادره لا سابقاً ولا اليوم، حقيقة أن أكثر من كان حزيناً لوصوله إلى سدة الرئاسة هو ميشال عون كونه لطالما منّى نفسه بالكرسي الرئاسي، لا بل «تطوع» مقربون من «الجنرال» في مرحلة من مراحل ما بعد 25 أيار 2008 لكي يهمسوا في أذن سليمان بأن عون سيبادر فور تشكيل مجلس دستوري جديد إلى الطعن بالانتخابات الرئاسية!
بري ينصح سليمان بالصبر حتى الانتخابات
هذا الطين المتراكم، بين بري وعون، زاد من بلته، ما رافق التشكيلات القضائية الأخيرة وما يتردد حول مشروع التعيينات الإدارية، فضلا عن شعور عون بأن رئيس المجلس النيابي لا يسهل عملية تكبير كتلته، بل هو سأل أكثر من مرة المحيطين به ومن خلالهم «حزب الله» حول مدى قابلية بري للانضواء في «الكتلة الوسطية» التي ستتموضع عند رئيس الجمهورية بعد الانتخابات النيابية... وكان الجواب إما بالنفي أو بالقول له «إن بري يرغب ولكنه لا يجرؤ».. أو دعوته لانتظار مجريات الأمور حتى الانتخابات... علما بأن البعض «تطوع» بنقل كلام له «من داخل القصر الجمهوري» مفاده أن بري أبلغ الرئيس سليمان مباشرة نصيحة بوجوب عدم تغطية أي ترشيح وسطي يلتحف عباءة بعبدا، لأن الربح لن يكون محرزاً (مقعد واحد) كما أن الهزيمة ستلحق به وليس بمرشحه وأن الكتلة الوسطية تفرزها الانتخابات عادة وليس الترشيحات «وما أدراك ربما سأكون أنا ووليد جنبلاط ونجيب ميقاتي ومحمد الصفدي مع كثيرين ضمن هذه الكتلة»، والكلام لبري أمام رئيس الجمهورية حسب مقربين من القصر الجمهوري.
في المحصلة، التراكمات كثيرة بين بري وعون.. أما «حزب الله»، فإنه يضع نفسه بين معادلتين لا يمكن أن يحيد عنهما قيد أنملة: الأولى، أنه لن يفرط أبداً بتحالفه وعلاقته الاستراتيجية مع شريكه الشيعي نبيه بري، وإذا لم تكن «أمل» موجودة لا بد من اختراعها من أجل منع الأحادية الشيعية التي تحمل في طياتها بذور إضعاف المقاومة وعمودها الفقــري.
والثانية، أن لا تفريط بالعلاقة الاستراتيجية مع الحليف الماروني ميشال عون، لأسباب متصلة بالتوازنات الطائفية والسياسية التي كرسها «التفاهم الثنائي» وبالدور الذي لعبه عون إبان «حرب تموز» ووقوفه المستمر إلى جانب المقاومة، من دون أي تردد، مع كل الكلفة الباهظة التي دفعها نتيجة ذلك لبنانيا (وخاصة مسيحياً) وعربياً ودولياً (وخاصة أميركياً)... فضلاً عن «مغامرة» انفتاحه على دمشق... قبل الانتخابات النيابية بعكس ما كان السوريون أنفسهم يريدون.
حسين خليل يحمل اقتراحات مضنية وبسيطة
لم تكن الاقتراحات التي استهلكت من المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل وقتاً وجهداً وأياماً وأعصاباً، اقتراحات تعجيزية، بل بسيطة ومضنية للغاية. عون يرفض سمير عازار. يرد بري متمسكاً به. عون يسأل عن تسمية بديل لعازار، فيرفض بري. عون يطلب تسمية نجل عازار (ابراهيم) فيرفض بري. عون يريد تسمية لائحة من اثنين (أسود وصوايا) وأن يترشح عازار منفرداً، فيرد بري إما لائحة واحدة من ثلاثة أو أن عازار سيكون على رأس لائحة من ثلاثة أيضاً. تتسلل اقتراحات من هنا أو هناك بينها إمكان تخلي بري عن مقعد الزهراني الكاثوليكي لمصلحة عون (رد «الجنرال» أنه نقل مرشحه بالزهراني فوزي بو فرحات إلى جزين ثم سـحبه نهائياً).
يجري التداول بمخارج ويبادر «حزب الله» إلى إجراءات وقائية أبرزها سحب أمين شري من الدائرة البيروتية الثانية لمصلحة هاني قبيسي («أمل»)، فيكون الأخير بمثابة تعويض عن حجب النيابة نظرياً عن أنطوان خوري في جزين على قاعدة المحافظة على كتلة بري نفسها عددياً، آخذاً في الاعتبار ذهاب المفاوضات نحو أن يقتصر التمثيل النيابي القديم على عازار وحده.
ويروي أحدهم أن عون أبلغ أحد معاوني بري أثناء التفاوض «هذا تعهد خطي مني بموضوع تبني ترشيح الرئيس بري لرئاسة المجلس بعد الانتخابات ولكن، أتمنى عليه في المقابل، أن ينسى أمر سمير عازار».. ورد ممثل بري «أبداً، لا علاقة لهذه بتلك... ونحن لن نقايض»!
سمير عازار عقدة العقد عند العونيين
صارت عقدة سمير عازار عقدة العقد عند المعارضة. «الجنرال» ومحيطه الجزيني و«البيتي»، يوجهون اتهاما تلو آخر إلى عازار! اتهام ببيع الأراضي!. اتهام بأنه قصّر في واجباته أثناء زيارة عون إلى جزين في آب 2008 !. اتهام بأنه قال كلاما قاسيا ضد عون! اتهام بأنه شكك بشعبية وجدية مرشحي «التيار» الخ... لكن عازار المقل في الكلام أصلاً وفصلاً، سارع بلسان بري إلى التوضيح: شاركت باستقبال «الجنرال» في جزين ودعوته إلى منزلي فاعتذر ودعاني «شبابه» إلى عشاء تكريمي واعتذرت، لكنني طلبت من رئيس البلدية (سعيد أبو عقل) وهو معروف بانتمائه إلى تياري بأن يشارك وأن يلقي كلمة وأن تقوم البلدية بكل واجباتها وهذا ما حصل...
أضاف الرئيس بري أن عازار لا يمكن أن يسيء إلى أحد بالكلام وكان من ألد المدافعين عن مصلحة جزين وأهلها بالاندماج مع الجوار بكل أطيافه وقدم بصمت خدمات كبيرة للأهالي وعندما قررت كل التيارات المسيحية خوض معركة البلدية بوجهه، بما في ذلك «التيار الحر» و«القوات» و«الكتائب» و«حراس الأرز» الخ... تمكن من هزيمتهم بالجملة... «كما يجب ألا ينسى أحد الدور الوطني الذي لعبه عازار وتياره في مواجهة مرحلة الاحتلال ووقفاته المشهودة ضد محاولة جر جزين الى خيارات تجعلها على صدام مع الجوار» والكلام للرئيس بري.
لم يكتف بري بذلك، بل قال مخاطباً معاونه النائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل في احد الأيام «إليكم هذا الاقتراح مني، قولوا لـ«الجنرال» أنا مستعد لتوفير المخرج. أزوره أنا في الرابية وبرفقتي سمير عازار وننهي الموضوع، وإذا اقتضى التبرير لاحقاً أن أقوم بجولة على القيادات السياسية كلها، سأفعل ذلك، والمهم أن ننهي الأمر وأن تبقى المعارضة موحدة في كل الانتخابات».
في الرابية كان هناك من يفكر بطريقة مختلفة. في الحلقة الأقرب إلى «الجنرال»، بدا أن هناك قوة دفع نحو المعركة منذ اليوم الأول. موقف جماعة «التيار» في جزين وتذرعهم بمناخات القاعدة العونية المتشنجة تجاه عازار ورفضها الكامل لخيار التحالف معه، شكل عنصراً سلبياً إضافياً. أركان الماكينة الانتخابية العونية المركزية وبـ«عونة» من بعض الماكينات الانتخابية، ساهموا في جعل الأمور تسلك منحى دراماتيكياً متسارعاً..
في كل الحيثيات التي قدمها ميشال عون، كان يردد أنه يريد من خلال استرداد مقاعد جزين الثلاثة (وكان يطمح أيضا بمقعدي ميشال موسى في الزهراني وأسعد حردان في حاصبيا)، أن يوجه رسالة إلى مسيحيي باقي الأقضية المسيحية، بأنه «استرد» التمثيل المسيحي حتى من أقرب حلفائه وأن هذه الخطوة ستشكل رافعة له في الأقضية المسيحية وترفع رصيده المسيحي ولو تسبب بزعل أو حرد حلفاء مسيحيين لحليفيه الشيعيين، طالما أنه متفق معهم على أنه يريد كتلة كبيرة (حدد سقفها بـ 35 نائباً) وأن الدول القريبة والبعيدة تحاربه في الانتخابات بالمال والسياسة والإعلام لأنه وقف إلى جانب المقاومة وأخذ المسيحيين اللبنانيين إلى موقع تاريخي جديد غير مسبوق بحيث لم يكن أحد يحلم بأن يكون موقعهم في مناهضة إسرائيل والغرب في يوم من الأيام.
المعركة أربح من الائتلاف مع عازار
بالمعنى نفسه، بدا عون مشدوداً لما كان يتردد في الحلقة الأضيق عنده: «عدم التوصل إلى تفاهم مع الرئيس بري والإيحاء للجمهور المسيحي بأنك غير متساهل حتى مع حلفائك في موضوع استعادة التمثيل المسيحي، سيعطي مردوداً أكبر للوائحك خارج جزين... وفي كل الأحوال، لن تذهب جزين انتخابياً خارج حسابات المعارضة... علما بأن معطيات ماكينتنا الانتخابية واستطلاعات الرأي التي قمنا بها، تشير كلها إلى أننا نستطيع الفوز بالمقاعد الثلاثة... ويبدو أن غيرنا لا يعرف حجمه جيداً حتى الآن».
قلّب ميشال عون الأمر جيداً. تبين أن نتائج «الاشتباك الحبي» مع حليف حليفه سيكون مردوده إيجابياً. قيل له في اليوم الأول لإشاعة مناخ «الاشتباك» أن رصيدك المسيحي ارتفع في الأقضية المسيحية وهو قابل للزيادة أكثر إذا حافظ على الوتيرة نفسها. قرر عون عدم التراجع، ولو أنه اتفق مع «حزب الله» والرئيس بري على صياغات تتعلق بحصر نار المعركة في جزين... لكن من يستطيع أن يجزم... وهل يمكن أن يصدر أمر كنسي لمناصري عون في البقاع الغربي من أجل التصويت لناصر نصر الله وماذا عن قوة بري التجييرية في دائرة بيروت الأولى والمقدرة بمئات الأصوات في ساحة معركة انتخابية ربما تحسمها مئات الأصوات؟ ماذا عن تأثيرات «الاشتباك» على التصويت الشيعي في جبيل وزحلة وبعبدا الخ...
لم يحسم «حزب الله» موقفه مما جرى لكن الأكيد أن جهده ينصب على جعل «الموقعة» حصرية في جزين وأن لا تمتد نيرانها إلى أماكن أخرى حتى لا تحرق آمال المعارضة بالحصول على الأكثرية، وهو أمر صار مدعاة للتفكير والبحث إلا إذا صدقت نوايا بري وعون والتزاماتهما الأخلاقية مع «حزب الله» بأن يضعوا صمامات أمان تنظيمية وسياسية تتحول إلى ما يشيه ميثاق الشرف بين الجانبين في جميع الأماكن المشتركة باستثناء جزين...
النتيجة واحدة: عازار وأسود وصوايا
وإذا كان من الصعب على «حزب الله»، بالرغم من كل مرارته وقهره وغضبه، أن ينسحب من معركة جزين، فإنه انخرط عملياً في تحضير المسرح الانتخابي للنتيجة التي كان يريد الوصول إليها منذ اليوم الأول، وتتمثل في تجيير أصواته لكل من زياد اسود وعصام صوايا (لائحة عون) وسمير عازار (لائحة بري)، وهو الأمر الذي يجعل من السهل الافتراض منذ الآن بأن النتيجة في جزين محسومة لمصلحة كل من عازار وأسود وصوايا... بعيداً عن أهواء من نظروا للعكس أو زادوا حصة هذا أو ذاك من المرشحين تبعاً لحسابات لم تكن الغايات الشخصية غائبة عنها.
وفي هذا السياق، تبدت ملامح صوت جزيني من خارج الكتلتين المتنافستين، يأخذ على العماد عون أنه «اسقط» على جزين مرشحاً بـ«الباراشوت»... وذلك «لأسباب مالية بحتة»، بينما يتحدث كثيرون عن «ملف ضخم» لمرشح ثان، الأمر الذي يرسم الكثير من علامات الاستفهام حول اعتماد خيارات «لا تعبر فعلياً عن نبض أهالي جزين وكأن المدينة بحاجة إلى استيراد الكفاءات من خارجها»، على حد تعبير أحد رموز المهن الحرة في المدينة، وهو من المحسوبين على «التيار الحر»!
عون ليس ألف باء الوطنية المسيحية
من الواضح أن عون حاول إحراج «حزب الله» على قاعدة أنه يرفض أن يعامل بالحيثية التي يعامل فيها الحزب رئيس المجلس، وفي المقابل، بدا منطق الرئيس بري مقنعاً لحلقة كبيرة في الحزب وأبعد من ذلك: «نحن نقدر للعماد عون وقفته المشهودة إلى جانب المقاومة، لكن لا يجوز أن نعتبر أن «ألف باء» الوطنية المسيحية قد بدأ مع ميشال عون وتفاهمه مع الحزب، بل العكس صحيح، فهناك شخصيات مسيحية مثل سمير عازار وأنطوان خوري وآل سرحال وغيرهم كثيرون في جزين والجنوب قد أبرموا تفاهماً مع «حزب الله» وحركة «أمل» وسـبحوا في بحـر المقـاومة، فهل نحذفهم بشحطة قلم».
يسري الأمر نفسه على شخصيات مسيحية أخرى مثل جان عبيد وألبير منصور وفارس بويز وجان حواط وكريم بقرادوني ورفيق ابي يونس «وعشرات لا بل مئات الشخصيات المسيحية التي يمكن القول إنها كانت صديقة للمقاومة وما زالت لكنها لم تنجح في تشريع أبواب المجتمع المسيحي أمام الخيارات الاستراتيجية الجديدة التي قادها إليها ميشال عون، فهل يعني ذلك الانتقاص من دور هؤلاء وهم الذين أسسوا بسلوكهم ومواقفهم منذ سنوات طويلة، للتفاهم الذي أبرمه ميشال عون مع «حزب الله»، وماذا عن شخصيات مسيحية تساند المقاومة ولكنها لا تريد للمسيحيين أن يكونوا في أي يوم من الأيام إلا جسراً بين الأكثريات اللبنانية الجديدة، وخاصة صمام أمان بين السنة والشيعة»، على حد تعبير أحد أصدقاء المقاومة في البيئة المسيحية؟
يسأل هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر، عن شخصيات حزبية كانت تطل دورياً على الشخصيات المسيحية، الروحية والسياسية، بعنوان، إمساكها بـ«الملف المسيحي» ومتى كان آخر نشاط لهؤلاء في إطار الحرص على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، وهل صحيح ما يقال بأنه تم تلزيم الوضع المسيحي للعماد ميشال عون، وماذا إذا أصاب العماد عون أي مكروه، ولماذا التردد في تحويل الحالة العونية من حالة شخصية وشعبية وعاطفية إلى حالة حزبية وسياسية مؤسساتية تتجذر تدريجياً في الوجدان المسيحي بدل أن يبقى الارتجال سمتها البارزة في كل مرحلة ما بعد عودة العماد عون من الخارج؟
حسابات دول وطوائف أبعد من جزين
لا يمكن عزل ما انتهت إليه عملية تشكيل اللوائح في جزين عن حسابات ومعارك أخرى، تشارك فيها قوى محلية وإقليمية ودولية، فالنائب سعد الحريري نجح في صياغة ائتلاف سني انتخابي يجعل كتلته الوحيدة القادرة على تسمية رئيس الحكومة المقبل، إذا تمكن من انتزاع الأكثرية أو لم يتمكن، أما «حزب الله»، فإنه يمهد الطريق مع حليفه نبيه بري، حتى يكون متعذراً على أحد أن «يكسر الموقف الشيعي» أو أن «يسمي رئيساً للمجلس من خارج كتلتيهما، ولعل الإطاحة ببعض الأسماء، ومنها الرئيس حسين الحسيني، هي الإشعار المباشر بأنه لن يكون مسموحاً أن تكون هناك رافعة شيعية لما يسمى خيار الكتلة الوسـطية التي يطمح البعض إلى تكوينها بعد الانتخابات».
لكن السؤال هنا، ماذا إذا صحت فرضية «المصادر الأميركية» التي راهنت على أن يكون الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي وآخرون، خاصة من المسيحيين، كتلة وسطية كبرى تحول دون حصول هذه أو تلك على الأكثرية المطلقة، وأين هي دمشق وواشنطن والرياض وطهران من خيار كهذا؟!، وهل المطلوب الوصول الى خيار تحصين رئاسة الجمهورية بكتلة مستقلة كبيرة أم محاصرتها بأكثرية وأقلية، كما هي الحال اليوم، أم أن القرار يقول بترك اللعبة مفتوحة أمام ميشال عون حتى يحقق ما يطمح إليه، من أرقام... وعندها يكون لزاماً على رئيس الجمهورية أن يحتمي تحت سقف الأكثرية المسيحية الجديدة، وخاصة أنها تتبنى شعاراته الداعية إلى تعديل الدستور وتعزيز صلاحيات رئاسة الجمهورية؟
ماذا عن الكتلة التي يطمح إليها ميشال عون وهل نموذج تعامله مع ظاهرة آل المر في المتن الشمالي أدى الى «تنقيز» باقي حلفائه المسيحيين من سليمان فرنجية الذي يطمح للوصول الى كتلة نيابية من اربعة نواب على الأقل وحزب «الطاشناق» الذي يريد كتلة من أربعة أو خمسة نواب أرمن أيضاً وإيلي سكاف الذي يريد كتلة زحلاوية حليفة لميشال عون ولـ«الخط الوطني» ولكنها ليست عونية مئة في المئة...
الكل يحتاج الى مراجعة بعد الانتخابات المقبلة وخاصة «التيار العوني»... من أجل إعادة الاعتبار للمبادئ أولاً وتسهيل عملية الانتقال نحو المؤسسة ثانياً، والحد من دور بعض «الانعزال» المحيط بـ«الجنرال»، لمصلحة الرموز الحوارية الأكثر اعتدالا ثالثاً...
يفصلنا عن موعد الانتخابات أربعة اسابيع، ولعلها تكون فرصة للتأمل والتفكر، وليس معيباً في آخر لحظة أن تحاول المعارضة تفادي كأس المعركة الانتخابية الحبية... وأن تأخذ في الحسبان أن هناك من قوى 14 آذار مسيحياً من يريد أن يتخذ التصويت في جزين طابعاً انتقامياً بوجه ميشال عون ولو أدى ذلك الى فوز إبليس وليس سمير عازار.
جزين: معركة تثبيت المرجعية الحالية.. أو التغيير جذرياً
محمد صالح
جزين :
دخلت مدينة جزين عاصمة الموارنة في الجنوب اللبناني في معركة لم تكن تتمناها بين أهل المعارضة أنفسهم من أجل تحديد الأحجام والأوزان بين نهجين مختلفين حول كل شيء في عروس الشلال، الاول، نهج تثبيت خيارات العائلات السياسية من خلال نهج الاعتدال الذي حفظ جزين مع الإصرار على إبقاء مرجعيتها جنوبية الهوى والهوية ويتمثل هذا الخط بالنائب سمير عازار. والثاني، يقوده الجنرال ميشال عون ويسعى الى التغيير الجذري في جزين والسيطرة على مقاعدها الثلاثة وعلى قرارها بالمطلق وجعل مرجعيتها المركزية في الرابية.
وتؤكد مصادر جزينية أنه انطلاقا من ذلك ستجد جزين نفسها في السابع من حزيران المقبل أمام ثلاث لوائح انتخابية، الأولى، أعلنها الجنرال عون وتتألف من المحامي زياد أسود وميشال الحلو وعصام صوايا. والثانية مدعومة من الرئيس نبيه بري وتضم النائبين سمير عازار وانطوان خوري والدكتور كميل سرحال (شقيق النائب بيارو سرحال). الثالثة ستعلن لاحقا وتضم النائب السابق ادمون رزق وعجاج حداد وجوزيف نهرا وتردد أنها ستكون مدعومة من عدد من بعض المستقلين وقوى 14 آذار.
واذا كانت القاعدة الشعبية لحركة أمل في إقليم الريحان قد حسمت خيارها لمصلحة النائب سمير عازار ولائحته، فلمن ستصوت القوة التجييرية لحزب الله في جبل الريحان حيث هناك نحو 12 ألف صوت شيعي، وهل سيصوت «الأصفر» لـ«البرتقالي» أم يقف على الحياد.. وهل بإمكان حزب الله أن يتخلى عن حليف حليفه وحليف حركة أمل في جزين النائب سمير عازار ولائحته أم يكتفي بتجيير أصواته لعازار فقط من دون سرحال وخوري، مع أن آل سرحال لهم نائب مع الحزب؟ وهل سيصوت حزب الله لكل لائحة عون! ام يكتفي بتجيير الأصوات لزياد الأسود وعصام صوايا أم يترك الخيار لقاعدته الانتخابية في جبل الريحان لتختار من تراه مناسبا من اللائحتين لتمثيلها في الندوة البرلمانية.
أسئلة محرجة طغت على ما عداها في الشارع الجزيني أمس بعد وصول المفاوضات الى طريق مسدود، حيث باتت جزين أمام معركة أين منها هدير الشلال ولا يجاريها في قساوتها تدفق مياه الشالوف المدرار، ووضعت مدينة السكاكين وقبضاتها المسبوكة بحرفنة ماهرة أمام معركة لتثبيت خيارات جزينية جديدة.
في الشارع الجزيني غابت صور المرشحين إلا ما ندر، كما غابت معها اللافتات والشعارات الانتخابية في مدينة تضج بالحيوية السياسية، ومع ذلك ليس من صورة واحدة لزعيم تيار الاعتدال سمير عازار وهو وفق أحد أعضاء ماكينته الانتخابية لا يحب أن ترفع صوره في المدينة منذ أن أصبح نائبا عام 1992، فيما ينشر التيار الوطني الحر صور العماد عون على أكثر من مبنى في جزين مع علم التيار على شرفات المراكز التابعة له، إضافة الى صور مرشح الكتائب سامي الجميل مع صور شقيقه الراحل بيار الجميل.
ويبدو أن الناخب الجزيني متعب هذه الأيام من هذا الانقسام الحاد الذي نخر جسمه والذي لم تتعود عليه جزين منذ 1992، إلا أنهم يؤكدون أنهم يريدون أن يعطوا صوتهم لمن قدّم لجزين وأقام فيها المشاريع وبقي مع أهلها وجاء اليوم ليحصد ما جناه في صندوق الاقتراع.
في المحصلة هل سيصبح لون شلال جزين «برتقاليا» في الثامن من حزيران..
الجواب يأتي سريعا ومن ذاكرة جزين «عندما وقف الحلف الثلاثي عام 1968 على أعتاب معبور جزين ولم يتخطَّها إلا بمرشح واحد».
تعليقات: