منه الذهبي والأحمر والليلكي والأسود
لندن:
الأرز من النباتات أو الحبوب التي لا يمكن للناس الاستغناء عنها بسهولة، ولذا يعتبر جزءا من الأمن الغذائي عند بعض الشعوب وخصوصا في القارة الآسيوية، كما هو الحال مع الذرة والبطاطا وما يعرف أحيانا بالمواد الأساسية. وربما هو من أكثر أنواع الحبوب انتشارا واستهلاكا حول العالم ومنذ سنوات طويلة. ويصعب وصف أهميته ومحبة الكثير من الشعوب له ولأنواعه المتعددة، وقد صار من السهل على الفرد العثور على أنواع كثيرة منه ومن جميع القارات، بسبب التحرر الإقتصادي والعولمة في السنوات الأخيرة . ولا يزال هذا النبات الذي يعود إلى الفصيلة النجيلية، من أكثر النباتات استهلاكا في العالم العربي، وخصوصا منطقة الخليج. وفيما يستخدم ويؤكل في كل من لبنان وسورية وفلسطين والكثير من الدول إلى جانب المرق أو ما يعرف بـ«اليخنة» (كالفاصوليا باللحم والباميا والبازلاء)، يستخدم في دول الخليج بكميات كبيرة وبأنواع وخلطات كثيرة معروفة، إلى جانب اللحم والمرق وغيره من المشهيات. ويخلط الأرز بالكثير من أنواع البهارات والتوابل والمطيبات، خصوصا حب الهيل والزبيب وشتى أنواع الخضار أحيانا. انتقل اسم الأرز من اللغة اليونانية «اوريزا» إلى اللاتينية وتحول إلى «اوريزا» (oriza) ثم إلى الإنجليزية «رايز» (rice) والإيطالية «ريزو» (riso) والفرنسية القديمة والحديثة «ريز»، ومع هذا فإن أصله يعود إلى اسم إيراني ـ هندي وهو «vrihi». وهذا الاسم من أصول سنسكريتية (Vrihi) كما يبدو. والاسم السنسكريتي يشمل الذرة والقمح وهو مصدر لأسماء كثيرة لأنواع الأرز المختلفة، لكن بعض العلماء يعتقدون أن أصل الاسم تاميلي «اريزي» (arici) الذي أخذه العرب «أرز» (ar-ruzz) وأهل البرتغال وإسبانيا «أرز» (arroz). ويستخدم بالإنجليزية اسم «وايلد رايز» (wild rice) أيضا، الذي يعني «الأرز البري»، الذي يعود إلى فصيلة «زيزانيا» (Zizania) التي تضم الأرز البري والأرز العادي المطور والمعدل جينيا وغيره، وربما يعود أيضا إلى أنواع قديمة من الأرز غير المستغل وغير المحصل.
لكثرة أنواعه البرية في الهند يعتقد الكثير من المؤرخين والعلماء أن الأرز (Oryza sativa) جاء من تلك البلاد منذ زمن طويل، وربما من مينمار وتايلاندا. ورغم أن البعض يعتقد أنه جاء من مناطق استوائية كثيرة، فإن البعض الآخر يعتقد أن موطن الأرز الأصلي هو جنوب الصين (حسب الحفريات في إقليم يونان) وعلى ضفاف نهر اليانغتز بالتحديد، حيث انتقل من هناك إلى إيران. وكما يبدو فإن دخوله إلى مصر كان في القرن السابع حيث انتشر منها إلى معظم مناطق المتوسط وجزيرة صقلية الإيطالية. بأي حال فإن الوثائق التاريخية تشير إلى أن الأرز كان موجودا في مناطق جنوب الصين قبل أكثر من 11 ألف سنة، لكن لا يعرف تماما ما إذا كان ذلك لغاية الاستغلال الغذائي أو مجرد أرز بري كان ينبت هناك بالصدفة. إلا أن بروس سميث الذي كتب تاريخ الزراعة حول العالم (عالم أميركي من واشنطن)، يؤكد أن تحصيل الأرز واستغلاله على نطاق واسع كان في تلك المناطق القريبة من النهر. ويناقش البعض مسألة التاريخ ويعيده إلى 6400 سنة.
وفي الهند تشير الحفريات إلى وجوده هناك قبل 5500 سنة. ويبدو أن نهر الغانج ساهم قي انتشار زراعته وتنوعه.
وتشير الحفريات أيضا أن اليابان وكوريا عرفتا الأرز قلبل 3000 سنة. وأشارت بعض الحفريات عام 2003 إلى أن الأرز كان موجودا في سورو ـ ري في كوريا قبل 13 ألف سنة، أي قبل الصين. وفضلا عن مينمار وتايلاند، عرفت الفلبين الأرز منذ قديم الزمان منذ أكثر من 3 الآف سنة. ويعتبر أهل البلاد بعض المناطق الجبلية المجللة بحقول الأرز منذ ذلك الوقت العجيبة الثامنة في العالم، ومنها ما هو محميات ومناطق اعتبرتها منظمة اليونسكو تراثا بشريا يجب الحفاظ عليه وحمايته.
وقد ساهم الوجود الأوروبي وخصوصا البريطاني في القارة الآسيوية في القرن التاسع عشر بانتشار زراعة الأرز وكميات انتاجه، وكانت بورما أهم الدول المصدرة له في العالم آنذاك وحتى عام 1970، حيث أصبحت تايلاند على رأس الدول المصدرة له. وفي أفريقيا عرف الأرز في دلتا نهر النيجر والسنغال قبل الفلبين بخمسمائة سنة، ويعتقد أن العرب جلبوا الأرز إلى القارة السمراء بين القرنين السابع والحادي عشر. ويقال إن التجار المسلمين جلبوه إلى شرق أفريقيا في القرن العاشر، وبعد سيطرة الإسلام على شمال أفريقيا تركزت زراعته في جنوب المغرب. وتقول الموسوعة الحرة إن العرب جلبوه إلى كل المناطق التي تمتد من تشاد حتى النيل الأبيض، وزرعوه أيضا في كل منطقة يتوفر فيها الماء بكثرة. وكان جنوب العراق أيضا من المناطق التي تنتج الأرز كما كان وادي فولغا عند بحر قزوين واليمن ووادي الأردن. الدول العربية ودول منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط بشكل عام، عرفت الأرز عن طريق اليونان وقبل الحقبة الكلاسيكية والرومانية. وقد ذكره المؤرخون اليونان والرومان. وقال بعضهم إنه عثر على حفنة من عدة أنواع من الأرز في منطقة سوسا في إيران في القرن الأول بعد الميلاد، حيث كان يزرع أيضا في وادي بو في إيطاليا.
ويقول المؤرخ بليني، المعروف أن الأرز كان يزرع ويتوفر في سورية ومصر وتركيا واليونان.
ووصل الأرز إلى الولايات المتحدة الأميركية كما يبدو عن طريق المصادفة، إذ تقول القصة إن عاصفة بحرية هوجاء ضربت سفينة شحن هولندية عام 1694 مبحرة من مدغشقر، مما اضطر قبطانها إلى الرسو في ميناء تشارلستون من ولاية كارولينا الجنوبية. وبعد أن ساعد سكان الولاية القبطان الإنجليزي على ترميم سفينته واستعادة عافيته وقوته، قدم لهم حفنة من الأرز الذهبي كعربون عن التقدير والمحبة والشكر. ومن هذه الحفنة انتشر الأرز كما يبدو في جميع الولايات المتحدة. وتتركز زراعة الأرز حاليا في الولايات المتحدة في كل من ولايات: تكساس واركانساس وكاليفورنيا وميسوري وفلوريدا وليوزيانا وميسيسيبي. وعرفت الولايات المتحدة في السنوات الماضية بأنواعها سهلة الطبخ مثل «انكل بنز» وغيره من أنواع الأرز الاستهلاكية الرخيصة نسبيا. انواع الأرز لا تحصى ولا تعد، وتتراوح بين 7 الآف و10 الآف نوع، ومع هذا فإن الاختلاف بينها يعتمد على طبيعة الأرض والماء ومواعيد الزرع والحصاد. وعدا الألوان من الأبيض إلى الأصفر الفاتح أو الذهبي إلى الأسمر والليلكي والأسود والأحمر خصوصا في آسيا، فإن الأرز يقسم أيضا حسب طول حباته، أي ذو الحبة القصيرة والحبة الطويلة والحبة المتوسطة. وتعرف الولايات المتحدة بالحبة الطويلة كما هو الحال في بعض الدول الآسيوية.
وهناك بنك دولي خاص بأنواع الأرز، يشمل ما لا يقل عن 10 الآف نوع ، إذ يتم تصنيفه حسب الشكل والملمس. فالأرز التايلاندي «أرز الياسمين» (Jasmine rice) طويل وجاف بسبب تضمنه مادة «اميلوبكتين» على عكس الأرز القصير. وعادة ما يكثر اليابانيون (منها أنواع موشي وساك) والصينيون من الأرز القصير المدبق أو الرطب. الهند معروفة أيضا بأرزها الطويل، لكنها تزرع معظم أنواعه وخوصوصا الأنواع العطرة ومنها نوع برائحة عطر المانغو يسمى «امبموهار» (Ambemohar) إضافة إلى ذلك الباسماتي (Basmati) العطر والباتنا (Patna rice) الذي يعتبر من أكثر الأنواع استهلاكا. على الرغم من أن محصول الولايات المتحدة الأميركية وتايلاند من الأرز سنويا يساوي 6 في المائة من المحصول العالمي، فإن الدولتين لا تصدران معا أكثر من 45 في المائة من الأرز المصدر حول العالم. وتشير أرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الأخيرة أن تايلاند لا تزال أكبر المصدرين للأرز في العالم من ناحية الوزن، تليها الهند وفيتنام والولايات المتحدة وباكستان. كما أن كمية الأرز المصدر حول العالم ارتفعت بنسبة 4.4 في المائة عام 2004 أي ما يساوي 29 مليون طن متري، عما كان عليه عام 2003 . وتشير الأرقام الأخيرة أن الكمية التي تصدرها تايلاند إلى الخارج تراجعت عام 2007 لتصل إلى 9.7 مليون طن متري، ويتوقع أن تتراجع لتصل إلى 8.5 مليون طن متري، مع المزيد من التدخل الحكومي على صعيد الأسعار والكميات المصدرة. ويبدو أن النمو في كميات الأرز المصدرة يتركز في الفترة الأخيرة على دول مثل غويانا والأرجنتين ومصر والهند وتايلاند وإيطاليا وباكستان. اما الدول التي تشهد تراجعا في الكميات المصدرة فهي الصين ومينمار والولايات المتحدة والإمارات وإسبانيا. وتشير الأرقام أن السعودية والعراق وإيران وكوبا والمكسيك وروسيا من ضمن الدول المستوردة للأرز في العالم بكثرة.
تعليقات: