الأستاذ سعدالله مزرعاني
مقال كتبه الأستاذ سعدالله مزرعاني في مجلة النداء جدير بالقراءة المتمعّنة:
فيما ان خطاب السيد حسن نصرالله (بممناسبة تخريج دفعة من الطلاب الحزبيين) أقام الدنيا ولم يقعدها، فإن خطابه الذي يحذِّر فيه من إحتمال ومخاطر عدوان إسرائيلي قريب، مرَّ وكانه صرخة في واد!
بشكل أو بآخر، يختصر هذا الأمر الخلل الخطير القائم في الوضع اللبناني، او هو يشير اليه بشكل صارخ، على الأقل. وفداحة هذا الخلل لا تتجسد فقط في التقليل من خطر العدوان، بل، أساسا، في مواقف فريق كبير من اللبنانيين، من العدو الاسرائيلي نفسه وليس من إحتمال قيامه بعدوان فقط!
كان التباين اللبناني بشأن الموقف من صراعات المنطقة ومن العدوان الاسرائيلي على لبنان، يتلوَّّن باللون الطائفي منذ بضع سنوات. وها هو الآن، يرتدي الثوب المذهبي المباشر. ويعوِّل الصهاينة على ذلك الى أقصى الحدود. وها هو رئيس حكومة إسرائيل يشعر أنه يمتلك الحيثية الكافية ليذهب في زيارة الى أكبر دولة عربية عارضاً على رئيس هذه الدولة (غير المبارك!) تحالفاً هجومياً ضد "المتطرفين" الذين تمولهم إيران. وكان الرئيس المصري قد مهّد الطريق لذلك بالإعلان الاستعراضي عن شبكة تهريب أسلحة الى غزة، في عملية، أخطر ما فيها، محاولة زرع ثقافة ومفاهيم بين الناس من نوع أن مساعدة شعب غزة هو عمل مدان وإعتداء على سيادة مصر ومعتقدات شعبها (!)، وأن حصار قطاعها وشعبه (خصوصاً في مرحلة العدوان الاسرائيلي وقبله) هو العمل الطبيعي!!
السعي لإثارة الغرائز المذهبية بعد الطائفية، لم يعد أمراً ثانوياً في التاكتيكات الأميركية والصهيونية الهادفة للسيطرة على المنطقة أو لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني. إن هذا الأمر يشكل الأداة الرئيسية الأن في خطة تفتيت شعوب المنطقة وقواها بما يسهل اضعافها فإخضاعها والقضاء على كل أشكال المقاومة فيها.
نحن هنا لا نكتشف البارود مجدداً. فعندما يسعى متطرفون مثل ناتانياهو وليبرمان و... للإستثمار السريع والواثق في هذا الحقل، فمعنى ذلك في أقل تقدير، بالنسبة للحريصين، هو الشعور بالخطر! وبالفعل هذا الاستثمار هو تمهيد لعدوان ما سيأتي، اليوم، او غداً، ضد لبنان او سوريا او الأردن أو مصر نفسها (فضلاً عن كل الشعب الفلسطيني بالأساس). وإسرائيل بقيادتها الجديدة تستعجل توفير شروط قيام هذا العدوان. شبكات التجسس في لبنان هي جزء من التحضير له في عملية نشاطها فإنكشافها نتيجة هذا النشاط.
ما معنى ذلك؟ معناه أن على القوى التي اعتمدت التعبئة المذهبية واعتبرتها ضرورية في مرحلة سابقة لحشد القوى في مواجهة العدو الصهيوني، عليها أن تدرك الأن، أن هذا السلاح بات، بالفعل سلاحاً ذا حدين. والحد الذي يجري تظهيره وتضخيمه من العراق الى لبنان الى بعض دول الخليج وسواها، انما هو الحد المذهبي بكل صراحة و"بجاحة" (كما يقول إخواننا المصريون).
يجب معالجة هذا الأمر. والمعالجة لا يمكن أن تكون كافية إذا تمّ فقط استعمال المواقف المرنة والمهدئة. يجب الذهاب أبعد: أي الى استئصال المذهبية من البنى والمؤسسات والبرامج.
ها هو الأن أضعف الايمان. أما الايمان الأكبر فبإعتماد برنامج نقيض: برنامج وطني شامل يشعر فيه ومعه المواطنون، بأكثريتهم الساحقة، بأنهم موحدون ومطمئنون وفعاّلون في الوقت عينه!
هل هذا مستحيل؟ فلنجرب ولنختبر النتائج.
سعدالله مزرعاني
أنشطة ومواقف للشيوعي في منطقة مرجعيون - حاصبيا
تعليقات: