واقع العرقوب بعد التحرير

المفتي القاضي الشيخ حسن دلي
المفتي القاضي الشيخ حسن دلي


تسع سنوات مرّت على إندحار الجيش الصهيوني عن الجزء الكبير من أرض الجنوب الغالي، وعادت منطقة العرقوب إلى حضن الوطن وبقي جزء عزيز على قلوب أهلنا - مزارع شبعا وتلال كفرشوبا - يدنسه الإحتلال الصهيوني·

عادت هذه المنطقة والتأمت مع الوطن لتستريح من عذاب الإحتلال والقهر والإذلال، ليطل عليها قهر الفقر والتهجير والهجرة بحثاً عن مؤسسات الدولة بمشاريعها التنموية لتعيد للإنسان كيانه، تعويضاً له عن عقود من الزمن عاشتها المنطقة من حروب وويلات عانى منها الناس، إلا أن النسيان إزداد لدى القيمين على الوطن، وكأن هذه المنطقة كتب عليها وعلى أهلها الحرمان والجوع والبطالة والهجرة والتهجير والإهمال·

فقاصد هذه المنطقة من المسؤولين يرى بأم عينه ويتأثر لما تعانيه هذه المنطقة، ولدى خروجه منها نسي أنه زار تلك المنطقة، وكأنه لم يمر أو شاهد ما شاهده، فصمتت الآذان وعطلت عقول الكثير من المسؤولين، فلم يعودوا يسمعوا أو يفكروا أن هذه المنطقة هي جزء من لبنان، وأن أهلها مواطنون لبنانيون، فلا ندري من أي فئة يصنفوننا في تلك المنطقة، هل لهذه المنطقة رقم وتوصيف في أذهانهم، فالتمييز واضح بين منطقة وأخرى، وبلدة وأخرى، وقرية وأخرى، فتجد في مكان ما الإعمار والبنى التحتية والمشاريع التنموية على أحسن حال، وتجد في مكان آخر الإهمال والفقر والتهميش رغم قرب المسافة وتداخل البلدات بعضها مع بعض، وأقول ذلك على سبيل المثال منها هي قرى عين عرب والوزاني والمجيدية والعباسية ووادي خنسا وحلتا والدميرجات وكثير من قرى العرقوب التي أصبحت لا حول لها ولا قوة، وتشكو أمرها إلى الله، لعل الله يفرج عنها مما هي فيه، وأضع ذلك برسم كل المسؤولين في الدولة حتى يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أهلنا في تلك المنطقة، فقد سئمنا من كثرة المراجعات والوقوف أمام أبواب المسؤولين، ولكن لا حياة لمن تنادي، أهكذا نكافأ! ألسنا من هذا الوطن ومن نسيجه! سماؤنا واحدة، وهواءنا واحد وهويتنا واحدة!

يطل علينا عيد التحرير والنفوس تملكها الإحباط إلا أن الكرامة والعنفوان والإباء والشمم هي سمة وعنوان منطقتنا مهما أمعن في نسياننا، ومهما حوربنا ومهما مورست الضغوط علينا، إلا أننا متشبثون بوطننا وأرضنا وهويتنا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا·

أين المشاريع التنموية لإيجاد فرص عمل للقضاء على البطالة التي فاقت كل تصوّر؟ أين نصيبنا في وظائف الدولة كغيرنا من البلدات، فلدينا كفاءات كغيرنا من البلدات والقرى، وأذكر على سبيل المثال أن بعض المؤسسات في الدولة نجد الناجحين فيها من منطقة لا بل العدد الأكبر من بلدة واحدة، ومنطقة بكاملها لم يحظ أحد بالقبول لدى هذه المؤسسة، ولا أريد أن أذكر هذه المؤسسة لأنها مؤسسة عزيزة على قلبنا، ولكن أردت أن أضرب مثلاً، ليس انتقاصاً من أحد وإنما للفت الإنتباه لذلك، منطقة العرقوب منطقة يجب أن تصنف منطقة سياحية، أين وزارة السياحة، ولماذا هذا الإهمال؟

أقول خرج الناس من تحت نير الإحتلال الصهيوني وإذلاله إلى وطأة وقسوة الفقر والعوز، فإنسان تلك المنطقة تأبى عليه كرامته وعنفوانه أن يعيش ذليلاً، بين شريكه في الوطن يتنعم وتغدق عليه المشاريع والوظائف·· وأحذر من أن تصبح منطقة العرقوب لا حياة فيها من خلال نزوح أهلها إلى الداخل، أو الهجرة بحثاً عن لقمة العيش الكريم· فها هي أرضنا وبساتين منطقتنا أخذت تتجه إلى أن تكون أرض بور لعدم الإهتمام بالمزارعين وبزرعاتهم·· أين وزارة الزراعة؟

ألا فليتحمل المسؤولين مسؤولياتهم ويعودوا إلى ضميرهم، لأنهم سيقفون أمام العزيز الجبار المنتقم·

* مفتي حاصبيا ومرجعيون·

تعليقات: