سهى بشارة في زيارة معتقل الخيام
سهى: اعتبروا ارتدائي «نص كم» بالضاحية صورة مركّبة!
هي ربحت الدعوى. هي، عادة، تربح، ولو بعد حين. فهي ابنة قضية محقة. وهي، لم تكتفِ برد الاتهامات، بل بادرت إلى شن هجوم مضاد على من أرادوا إخراجها من إطار النضال لتعليق نجمة الإرهاب الزرقاء على صدرها، كما كان النازيون يفعلون بمواطنيهم اليهود. لم تنته قصة سهى بشارة مع الإسرائيلي بخروجها من معتقل «الخيام»، فإلى أوروبا التي يراد لها أن تتحوّل إلى رهينة بيد الإسرائيليين عبر الضغط على خناق أمرها من ممسك عقدة ذنبها، انتقلت المواجهة.
تبدأ القصة بعد عرض التلفزيون السويسري TSR في 26 تشرين الاول الماضي الفيلم الوثائقي الذي أنتجه وصوّره في لبنان بعنوان «سهى ـ العودة الى وطن حزب الله». في الفيلم الذي انجزه كلا من الزميلين جانب برنار مونو وآن فرديريك ويدمان لبرنامج «الزمان الحاضر» (Temps Présent) تشارك سهى ضيفة وراوية ودليلاً. لم تكن الصورة التي نقلها الفيلم عن حقيقة المقاومة والصراع في الجنوب على خلفية حرب الصيف، لتحتملها أعصاب بعض الحركات الأصولية الغربية. فما كان من أشرسهم، وهو رجل يدّعي المسيحية في حين ينادي عبر موقعه على الأنترنت بطرد المسلمين من اوروبا، إلا أن أقام دعوى على التلفزيون وعلى المناضلة في 14 تشرين الثاني الماضي. ومؤخراً ردت المحكمة الدعوى بالإجماع. فماذا في التفاصيل؟
«السفير» اتصلت بالأسيرة المحررة المقيمة في سويسرا. فروت لنا القصة «إثر عرض الفيلم على القناة الرسمية في سويسرا، رفعت دعوى تحمل توقيع 26 مواطناً سويسرياً بحجة أنه منحاز ولم يراع قواعد المهنة الصحافية. والهدف: منع الفيلم أولاً، وفرض عرض فيلم آخر (تعويضاً) ضمن البرنامج نفسه يحمل عنوان: «هوس ـ حرب الإسلام الراديكالي ضد الغرب»، إضافة الى عرض مقابلة مع «إرهابي تائب» اعتنق المسيحية وهو وليد شوباط (أردني). كما طالبوا بعرض فيلم على التلفزيون السويسري الفرانكفوني تحت عنوان «إسلام، ما الذي يحتاج الغرب لمعرفته؟». وقد رفضت إدارة التلفزيون فسعوا من خلال الدعوى الى فرض هذه الشروط. وفي 4 ايار كانت الجلسة الفصل وصدر قرار (AIEP) اختصاراً لعبارة السلطة المستقلة لبحث الشكاوى في امور الإذاعة والتلفزيون بإجماع سبعة أصوات لمصلحة التلفزيون، معتبرين بأن الفيلم لم يكن منحازاً. وأنه على عكس إدعاء المشتكين، احترم قوانين المهنة الصحافية».
ولكن ما الذي أثار حنقهم بالتحديد؟ تقول بشارة المستقرة في سويسرا بعيد إطلاق سراحها العام 1999 والمتزوجة من سويسري ولها منه ابنة «اتضح لنا أولاً بأنهم يريدون أن يفرضوا تصنيف «حزب الله» خاصة و«المقاومة اللبنانية» ضد الاحتلال الإسرائيلي عامة، في سياق حركات إسلامية متطرفة تعمل على إلغاء كل ما هو يهودي أو مسيحي. الأمر الذي لا يمت للحقيقة بصلة كون الحركتين هما ضد المحتل ويندرجان ضمن المقاومة المشروعة للاحتلال التي نصّت عليها المواثيق الدولية». وتضيف «حتى أنهم اعتبروا بأن هناك تزويراً في بعض المشاهد وان بعضها الآخر رُكب في الأستوديو!». وتشرح ساخرة «..وجودي في الجنوب أو الضاحية وأنا مرتدية قميص «نصف كم» مثلاً!! قالوا إن هذا تزوير للواقع اللبناني ولمعاناة مسيحيي لبنان من هذه الجماعات المتطرفة، كما وصفوها». ولكن من هم هؤلاء؟ تقول «الذين وقعوا عريضة الشكوى هم مزيج من اليمين المتطرف ومن مؤيدي إسرائيل. أما الأساس والمحرك فهو شخص اسمه آلان جان ميري ( Alain Jean mairet) ولديه موقع على الأنترنت WWW.precaution.ch يدعو إلى إلغاء الإسلام في سويسرا وفي أوروبا. ولقد تعرّض الفيلم وفي الأماكن الثلاثة التي عرض فيها: أي مدينة تولوز (جنوب فرنسا) ومونتريال (كندا) وجنيف (سويسرا) للحملة نفسها لاعتبار مقاومتنا للاحتلال الإسرائيلي في خانة الإرهاب الممثل بـ«حزب الله» حسب زعمهم». لكن حملات من هذا النوع عادة ما تخيف وسائل الإعلام الأوروبية فكيف تعاطى التلفزيون الذي بث الفيلم معك؟ تجيب سهى بشارة «بالطبع لم أحاول التدخل. فقد كان لديهم محاميهم وكانوا يدافعون وبالدرجة الأولى عن مهنتهم وصحافييهم». ولكن ألن يستأنف الخاسرون؟ ترد «لن يكون هناك استئناف خاصة وإن التصويت جاء بالإجماع لمصلحة التلفزيون. وكان هناك تدقيق مهني مفصل في احترام الفيلم أصول المهنة الصحافية. لقد كان موقف القضاة السبعة موحداً». وتستطرد سهى مفكرة «سبب الهجمة برأيي أن هذا الفيلم هو الأول من نوعه في أوروبا الذي يعكس صورة حقيقية لبعض أوجه «حزب الله». من هنا كانت صدمة الرافضين لرؤية الشعوب وواقعها بتجرّد».
ولكن، هل انتهى الموضوع هنا؟ بالطبع لا، وإلا لا تكون سهى هي سهى. «إثر هذه الدعوى قمت بالمقابل برفع دعوى «قدح وذم» ضد الجهة المدعية التي قامت في سياق دعواها بترويج أخبار كاذبة عني على شبكاتها الألكترونية. فقد وصفوني بالإرهابية غير النادمة، وأدعوا انه حكم علي بعشر سنوات جزاء «العمل الإجرامي» الذي قمت به. وقد رفض قاض، في المرحلة الاولى، دعواي معتبراً أن الجهة التي وصفتني بذلك محقة. واستند بحكمه إلى تعريف القاموس للإرهاب: «كل عمل تقوم به مجموعة ما لقلب الحكومة القائمة أو الإخلال بالأمن». لكنني استأنفت الدعوى في 26 نيسان ,2007 وتم الاستماع إلى محاميتي وإلى القاضي الذي رفض دعواي في 13 حزيران الماضي، وأنا الآن بانتظار قرار المحكمة». وأضافت «إذا اعتمدنا رد القاضي فإن كل من يقاوم الاحتلال هو إرهابي؟ هذا المنطق هو انتهاك لحق الشعوب بمقاومة كل محتل». وتختم سهى بالقول «كان من واجبي أن أرفع هذه الدعوى، خاصة أنهم يرون ان اعتبارنا إسرائيل محتلاً هي.. وجهة نظر، تماماً كعكسها. إن تعرّضي لمحاكمة هو تزوير لتاريخنا مع هذا الاحتلال الإسرائيلي، وانتهاك واعتداء على ذاكرتنا في معتقلات العدو».
تعليقات: