زينب حشوش حامية ذخيرة المقاومين

الراحلة زينب حشوش
الراحلة زينب حشوش


النبطية ــ

بهدوء وصمت رحلت أول من أمس الحاجة زينب أسعد حشوش. رحلت هذه المناضلة الصامتة التي انخرطت بعفوية مطلقة في صفوف الحزب الشيوعي وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، عن 97 عاماً قضت معظمها محتضنة المقاومين في بيتها، وأسلحتهم في مخابئ سرية لا يعرفها أحد غيرها. هكذا كان ثمة من يهمس، في موكب تشييع أم محمد المدني إلى مثواها الأخير في جبانة النبطية: «ترى هل ما زالت تدفن في حديقة منزلها، قطعة سلاح لم تفش بسرها في انتظار مقاوم يساري قد يأتي في طلبها؟».

يروي عارفوها أنه في شهر تموز من عام 1985، خططت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لإسقاط طائرة إسرائيلية. وبعد بحث طويل عن الذخيرة المطلوبة، أخرجت أم محمد من مخبئها السري، الذي لم يهتد أحد إلى مكانه، صاروخَي «سام» وأعطتهما لمقاومين «تولوا مهمة نقلهما إلى محور زبقين، حيث أسقطت وقتها أول طائرة كوبرا إسرائيلية»، يقول أحد أفراد المجموعة.

في العام ذاته، وقبل استخدام الصاروخين في المكان المخصّص، دهمت قوة من أحد التنظيمات المحلية منزل أم محمد في «حي المدارس»، بحثاً عن السلاح والذخيرة بعد تسريب معلومات مفادها أن الشيوعيين نقلوا صواريخ صادروها خلال إحدى العمليات في منطقة الريحان؛ وحين لم تستجب، ونفت علمها بوجود أي سلاح أو ذخيرة تعرّضت للضرب بأعقاب الرشاشات والبنادق وللركل بالأرجل، نقلت على أثرها إلى أحد مستشفيات صيدا للمعالجة من تورّم شديد. دهم الإسرائيليون بيتها بحثاً عن سلاح، وعن أبنائها الشيوعيين الذين اعتقل بعضهم وزج بهم إما في مبنى «الريجي» في النبطية أو في معتقل أنصار. وفي إحدى المرات توقف الإسرائيليون عند صورة للينين معلقة على أحد الجدران، تهامسوا في ما بينهم، نظروا نحوها ثم غادروا.

هذا النفس اليساري الذي كانت تلفظه أو تتنشقه صاحبة البيت، يعود إلى الستينيات من القرن الماضي، عندما انخرط ابنها محمد في «حركة الأنصار» و«الحرس الشعبي» في النبطية. منذ ذلك الوقت صارت تشارك في كلّ تظاهرة يقودها المناضل الراحل عادل صباح، جنباً إلى جنب مع جورية فقيه وأخريات، حتى إنها في إحدى المرات أحكمت قبضتي يديها على خناق أحدهم عندما تناول عادل صباح بألفاظ نابية. بعد انسحاب الإسرائيليين من مدينة النبطية تعرّض بيتها مرات ومرات للمداهمة، لكن هذه المرة من عناصر حزبية محلية لم تصدّق أن هذا البيت يخلو من السلاح أو الذخيرة «كان عصبها حامياً، لا تقبل الذل أو التهديد، قوية وعنيدة، ولا تخاف وتجاهر برأيها» يقول ابنها محمد المدني. ويوم طاولت التصفيات الجسدية والاغتيالات عدداً من كوادر الشيوعيين واليساريين في مدينة النبطية ومنطقتها، هُدّدت أم محمد بالإبعاد والإقصاء عن بيتها ومدينتها مثلما أبعد العديد من الشيوعيين، لكنها لم تلن أو ترضخ لابتزاز.

في عيد المقاومة والتحرير رحلت الحاجة زينب. رحيل أضفى حزناً على مناسبة كان لهذه السيدة دور كبير في تحقيقها.

تعليقات: