الاشتراكيون مع الحلفاء في 14 آذار
... فهل يختبر موقع الوسطية بعد 7 حزيران ؟
يعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي من أعرق الأحزاب اللبنانية، ليس فقط لأنه تأسس قبل 60 عاماً ، وانما لدوره الأساسي في الحياة السياسية اللبنانية في مرحلة ما بعد الاستقلال. ولعب الحزب ادواراً عدة في رسم معالم الجمهورية اللبنانية في عهد زعيمه الشهيد كمال جنبلاط، ثم أكمل النائب وليد جنبلاط مسيرة الحزب متنقلاً بين الموالاة والمعارضة، مؤكداً انه الرقم الصعب في المعادلة الداخلية.
كما حال الأحزاب اللبنانية، رخص للحزب التقدمي الاشتراكي وزير الداخلية عام 1949 غبريال المر، وهو منح هذا الترخيص للحزب الاشتراكي قبل نحو شهرين من الاعلان الرسمي عن انطلاقته.
النشأة "البورجوازية"
في الثالث من ايار عام 1949 ورد في الصفحة الثالثة من "النهار" خبر بعنوان: "مولد حزب اشتراكي في حفلة شاي بورجوازية، كمال جنبلاط يبسط للصحافيين مبادئ الحزب التقدمي الاشتراكي" وجاء في كلمة مؤسس الحزب الشهيد كمال جنبلاط :"(...) في هذه الساعة الكبيرة من حياتنا التي اتفق لنا فيها شرف قيادة حركة التحرير والسعي في سبيل هذه العدالة، وهذه الأخوة، وهذه المساواة الجوهرية بين البشر، نرحب بكم باسم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أولانا فضل تمثيله اعلاناً للحركة وإذكاءً للصراع العقائدي المرتقب وايذاناً ببدء انتظام جماهير الفكر والعمال والفلاحين في سيرورته".
وعادة ما ينزعج التقدميون الاشتراكيون من وصفهم بـ "الحزب البورجوازي الصغير". وهو تعبير ماركسي كان حلفاؤهم الشيوعيون يطلقونه عليهم في مجالسهم الداخلية.
والحزب الاشتراكي في الأدبيات الشيوعية ليس حزباً ماركسياً ولا يؤمن بالنظرية الشيوعية، لا بل انتقد مؤسسه كمال جنبلاط الماركسية عبر كتاباته وابرزها "ما بعد الماركسية". في اشارة الى رفض الحزب الاشتراكي النموذج السوفياتي رغم تبني الحزب مطالب الفئات الشعبية.
قبل اندلاع الحرب الأهلية وحروب الآخرين على الأراضي اللبنانية، كان الحزب التقدمي الاشتراكي واضحا في خياراته السياسية فأيد ثورة الزعيم جمال عبد الناصر، وانخرط في دعم حركات التحرر العالمية التي سجلت انتصارات عدة في افريقيا وآسيا واميركا الجنوبية. وناصب العداء للسياسات الأميركية في لبنان والمنطقة، وعبّر عن ذلك في ثورة العام 1958 التي اسقطت حلم التمديد للرئيس الراحل كميل شمعون حليف الاشتراكي في الثورة البيضاء التي اطاحت بالرئيس الراحل بشارة الخوري في ايلول 1952.
ورغم توجس الحزب الاشتراكي من وصول العسكر الى سدة الرئاسة اللبنانية ، فانه لم يحارب الشهابية في عهدها الأول، وعاد واختلف مع التجربة الشهابية الثانية في عهد الرئيس شارل حلو.
ثم خاض الحزب التقدمي الاشتراكي الحرب تحت لواء "الحركة الوطنية اللبنانية" مناصراً الثورة الفلسطينية وجامحاً للاطاحة بالنظام اللبناني ورأسه الذي تمثل في فترة السبعينات من القرن الفائت بالأحزاب اليمينية اللبنانية وفي مقدمها حزب الكتائب اللبنانية والوطنيين الأحرار.
وعاند مؤسسه الرغبة السورية ودفع حياته ثمن مواقفه في 16 آذار 1977.
ثم انخرط الحزب في جمهورية الطائف وتحالف لاحقاً مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في أعوام "الحاضنة السورية" للبنان والتي امتدت من العام 1992 وحتى العام 2005.
فياض: ضرورة العودة للمنابع
أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي المقدم شريف فياض يؤكد ان الحزب "هو من أكثر الأحزاب ارتباطاً بلحظة تأسيسه، وبفكر مؤسسه. وخلال المسيرة الطويلة، فان حجم التضحيات التي يقدمها الحزب، تجعله أكثر تعلقاً بتجربة المؤسس، باعتبارها تشكلُ مثالاً للتضحيةِ من أجل الثوابت والمبادئ. وتراكم الأزمات التي يعيشها لبنان والمنطقة والعالم في أحيانٍ كثيرة، تجعلنا أكثر تمسكاً بالبرنامج التقدمي الاشتراكي، الذي أعلنه كمال جنبلاط يوم ولادة الحزب.
ويضيف: "نحن في أمسّ الحاجة للعودة الى منابع الحزب ومنطلقاته، لأن المعركة التي نخوضها لا تزال عناوينها واحدة، فالحرية هي الشعار الدائم الذي دفعنا مع حلفائنا الى الانتفاض في 14 آذار، ويدفعنا اليوم الى العمل لتكريس هذه الحرية للبنان عبر الانتخابات الديموقراطية.
والعروبة هي الانتماء القومي والحضاري، الذي يُضاف الى الهوية الوطنية، كبديلٍ عن المخاطر التي تحدق بالأمة من أينما أتت، وكمخرجٍ لأي استقطاب مذهبي، أو طائفي تلوح بوادره في كل المنطقة.
والاشتراكية الانسانية هي النظام، الذي أثبت صلاحيته، بعد انهيار الأنظمة الشمولية، وبعد أزمة النظام الرأسمالي، وهي البديل عن الفوضى الاقتصادية.
ولا تزال الطائفية علة النظام والبديل عنه هو نظام مدني، لاطائفي يُوحّد اللبنانيين، ولا يميز بينهم، ومن الممكن القول: اننا اليوم في أمس الحاجة الى البرنامج الأساسي الذي انطلقنا منه ونحن لا نزال نتمسك به منطلقاً لعملنا السياسي والحزبي".
اغتيال الحريري شرارة التحول
في 14 شباط 2005 احدث اغتيال الحريري زلزالاً محلياً ورسم معالم مرحلة جديدة في لبنان، واختار الحزب التقدمي الاشتراكي الجهة المناهضة لسوريا وحلفائها وأضحى العمود الفقري لقوى المعارضة عامذاك التي اجتمعت تحت لواء قوى 14 آذار.
دأب زعيم الحزب النائب وليد جنبلاط على انتقاد النظام السوري وتوجيه اصابع الاتهام اليه في جريمة اغتيال الحريري وما تلاها من اغتيالات طاولت رموز قوى 14 آذار وغيرهم.
وذهب جنبلاط بعيداً في رهاناته في تغيير النظام في دمشق، لكن الأميركيين كانوا يفضلون تغيير سلوك هذا النظام في لبنان والعراق وفلسطين.
واستشعر الاشتراكي آفاق "السياسة الأميركية الى ان جاءت حوادث السابع من أيار في العام الفائت لترسم ملامح مرحلة جديدة في لبنان ، مما اضطر الحزب التقدمي الى مراجعة جادة لخطابه السياسي وبدأ انتهاج سياسة ترتكز على ايلاء القضية الفلسطينية الحيز الأكبر تماماً كما كان مؤسسه الشهيد كمال جنبلاط يعتبر نفسه من صميم هذه القضية.
أداء الاشتراكي أقلق حلفاءه في قوى 14 آذار خصوصاً ان زعيمه وليد جنبلاط لم يؤكد كما لم ينف خروجه من هذا التحالف بعد منتصف ليل الثامن من حزيران المقبل.
يرى فياض ان تحالفات الحزب التقدمي بعد العام 2005 تنسجم مع تطلعات جماهيره، ويشرح: "شَكّلَ اتفاق الطائف نقطة تَحَول أساسية في الحياة السياسية اللبنانية فهو أرسى أسس السلم الأهلي على قاعدة ترسيخ المصالحة وتطوير الوحدة الوطنية واعتماد السياق الديموقراطي في الصراع السياسي، وطوى صفحة الحرب الأهلية، وكان من الطبيعي العمل على انهاء تداعيات الحرب، وعودة المهجرين، ودعم العمل على استكمال التحريــر، وبناء القرار الوطنــي اللبناني المستقل، على قاعدة تطبيق الطائف.
وعندما أنجز التحرير في العام 2000 كان لا بد من المطالبة باعادة التموضع السوري تمهيداً للانسحاب الكامل. وكان لا بد من التلاقي موضوعياً مع القوى التي شاطرتنا المطالبة بذلك وصولاً الى رفض التمديد للرئيس اميل لحود وبلورة لقاء البريستول الذي مَهّدَ لانتفاضة الاستقلال بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
جماهير الحزب شعرت، كما أغلبية اللبنانيين، بأن الوصاية السورية على لبنان، كانت تحول بينهم وبين شركائهم في الوطن، وعبرت عن ذلك في ساحة الشهداء يوم 14 آذار، وقبل ذلك في محطاتٍ عدة بدأت مع التحركات الطالبية، الرافضة للوصاية، وقمع الحريات والنظام الأمني، الذي أرساه لحود منذ تسلم سدة الرئاسة.
ويضيف: "استطاع الحزب وجمهوره العمل، وفقاً لشعارات مرحلية، رفعتها قوى 14 آذار، في سياق عملها لبناء مشروع الدولة، على قاعدة التوفيق بين التحرير والاستقلال، فكان الحزب متمايزاً لجهة تأكيده التمسك بالنهج العربي، الذي لا يتعارض مع الاستقلال اللبناني، وفي الوقت عينه لم يألُ الحزب جهداً، في صراعه، على تشكيل همزة الوصل، بين الوطنية والعروبة، أو بين التحرير والاستقلال، ونستطيع القول، ان المرحلة هذه هي الأكثر ملاءمة لتلاقي الحزب مع تطلعاته، وتلاقي جماهيره مع الشعارات، التي يرفعها مع حلفائه، من القوى السياسية، التي نتمايز معها في بعض القضايا، ونلتقي معها على الأولويات، التي تشكلُ برنامجاً مشتركاً، ننطلق منه لتعزيز وتدعيم مشروع الدولة المستقلة التي تتمتع بعلاقات متكافئة مع سوريا".
ويعتبر فياض أن البرنامج المرحلي لـ"الحركة الوطنية اللبنانية"، كان برنامجاً شاملاً يعمل على تطوير النظام السياسي واصلاحه والاعتماد على مبدأ أن تكون الدولة، راعية لأبنائها، وهو أعطى حلولاً ومخارج لأزمة النظام السياسي، التي تشكل الطائفية احدى علله، ثم كان لديه النظرة الانمائية الشاملة، والرؤية الاقتصادية ـ الاجتماعية .
ويختم: "من الطبيعي، أن تكون تطورات كثيرة حصلت منذ ذلك الحين، لكن القواعد الأساسية التي وردت في البرنامج المرحلي، لا تزال تشكلُ أساساً لأي تصورٍ اصلاحي طالما أنه لم يتم الشروع في اصلاحات الطائف المتعلقة بالغاء الطائفية، وانشاء مجلس للشيوخ. وأن تأخذ برامج الأحزاب أفكاراً وبنود وردت في البرنامج المرحلي فهذا دليل على صوابية المشروع الاصلاحي، الذي أعده كمال جنبلاط والذي اعتمد في جزءٍ كبيرٍ منه على برنامج الحزب التقدمي الاشتراكي عند تأسيسه في العام 1949".
•••
هو الحزب التقدمي الاشتراكي الموالي في المعارضة ، والمعارض في الموالاة. هو الأكثر قدرة على التموضع واعادة التموضع. وتبقى شخصية رئيسه الأكثر جدلاً وتحير الحلفاء والخصوم.
وغداة الذكرى الستين لتأسيسه أعدّ الحزب ورشة تنظيمية وسياسية على وقع المستجدات في لبنان والمنطقة ولعل عنوانها الاول كان التزام القضية الفلسطينية عملاً بقول المؤسس: "انا لست مع القضية الفلسطينية، انا في صميم القضية الفلسطينية". لكن كيف سيوائم الاشتراكيون بين التزامهم فلسطين، وتحالفاتهم مح احزاب دخلت في صراعات دموية مع الفلسطينيين؟ ويذهب بعضها الى تسمية الفلسطيني بالغريب واحياناً بالمخرب.
ربما الاجابة تكون بعد السابع من حزيران، لكن ما يسرب في الآونة الاخيرة عن اعادة تموضع للحزب الاشتراكي امر جدير بالتوقف عنده. فهل ان الحزب الاشتراكي بعدما خبر موقعي المعارضة والموالاة يجنح نحو الموقع الوسطي؟ ربما تكون الاجابة عن هذا السؤال في 8 حزيران المقبل، خصوصاً أن أبواب حارة حريك باتت مشرّعة أمام جنبلاط وبدعوة واضحة من السيد حسن نصرالله.
تعليقات: