الموقوف العميد السابق اديب العلم
قيادة فرع المعلومات تستغرب الحديث عن الخلفيات و«تبييض الصفحات»..
عندما دخل فرع المعلومات على خط مطاردة الشبكات الاسرائيلية وتفكيكها والقاء القبض على افرادها، فاجأ هذا الدخول كثيرين، وأحاطته مستويات سياسية وشعبية بتشكيك حول المرامي والاهداف، وبعلامات استفهام كبيرة حول مغزى هذا الدخول المتأخر، وتوقيته في الظرف السياسي الحالي، وفي موسم انتخابي قد تترتب عنه تغييرات على مستويات عديدة سياسية وامنية بعد 7 حزيران.
ومع توالي «هرهرة» الشبكات وبروز دور فرع المعلومات في توقيف مشتبه فيهم بالتورط بالعمالة للاسرائيليين، ومن ثم انتقال عدوى «فضيلة التوقيف» الى اجهزة امنية اخرى وتوقيف آخرين، بالتوازي مع الدور الذي تقوم به اصلا مخابرات الجيش على هذا الصعيد، لم يخرج «الانجاز» كما يسمونه في فرع المعلومات، من دائرة التساؤل على المستوى العام، ولم تبدد شكوك فئات مختلفة تعلن صراحة انها لا تثق بفرع المعلومات، وتعتقد ان خلف الاكمة، قطبة مخفية. فهل هذه التساؤلات مبررة، وهل التشكيك في محله؟
يستغربون في فرع المعلومات ما يعتبرونه رد الفعل التشكيكي بتفكيك شبكة اديب العلم، برغم ان الفرع، على ما يقول مصدر قريب من قيادته، «كان السباق الى فتح هذا الملف، وقام بذلك من تلقاء نفسه، ولم يقم بما قام به بمساعدة احد، لا «حزب الله» ولا غير «حزب الله»، بالعكس، نحن ساعدنا «حزب الله»». لكنه اشار الى تنسيق تمّ بين الفرع والحزب قبيل ساعات قليلة من القاء القبض على اديب العلم.
ولا يرى المصدر القريب من قيادة فرع المعلومات «انه من العدل ان يسري كلام عن خلفيات داخلية او سياسية، وخصوصا ان دافعنا، كان الدافع الوطني والحرص على المقاومة وعلى «حزب الله»، وليس أيّ امر آخر. وخلافا لما يقولونه، لم يكن الهدف ابدًا ان يبيّض رئيس الفرع صفحته، فهو اصلا لم يقم بأي عمل خارج قناعاته، او خارج اطار الوفاق الوطني». ولا يتصوّر المصدر المذكور «ان احدا ضد اسرائيل اكثر من العقيد وسام الحسن».. وليس مزايدة في القول، والكلام للمصدر، «أن ما قام به فرع المعلومات حيال الشبكات الاسرائيلية حقق للحسن شعبية كبيرة في مناطقه، لم تتوفر له عندما سبق وواجه الاصوليين، او «القاعدة» او «فتح الاسلام»، وبالتالي لم يكن الهدف تبييض صفحته، بل كان حرصنا على البلد وعلى المقاومة، منطلقنا الى تفكيك الشبكات. أما التوقيت الذي طرحت تساؤلات كثيرة حوله من هنا وهناك، فهو اننا بادرنا بعدما اكتملت كل عناصر الملف وتأكدنا من ان خطورته لا تحتمل التأجيل».
في مقابل ذلك، رواية اخرى لمصادر موثوقة، تنطلق من السؤال التالي: ملف اديب العلم موجود لدى فرع المعلومات، على الاقل منذ العام 2007، وقد سبق للواء اشرف ريفي ان اكد ذلك، فلماذا لم يقاربه فرع المعلومات منذ ذلك الحين، ولماذا ترك اديب العلم حرا طيلة تلك الفترة على الرغم من ادراك مدى خطورته على كل الصعد؟
تسلط رواية المصادر الموثوقة الضوء على ما تصفه بمسار «عدم الثقة»، فهو مسار طويل يمتد على السنوات التالية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. وشرارة «عدم الثقة» اشتعلت من محاولة اخذ التحقيق في جريمة الاغتيال في اتجاه سوريا دون غيرها، ومحاولة الباسها الجريمة بأي شكل من الاشكال، وكانت الذروة في هذا السياق، حينما ظهرت اعترافات مجموعة الـ13 الاصولية، وثمة تأكيدات في اوساط مختلفة في الموالاة والمعارضة عن اعترافات تفصيلية لهذه المجموعة باغتيال الرئيس الحريري، اضافة الى كيفية شراء الخطوط الهاتفية، الى المراقبة والرصد، الى كيفية استقدام الشاحنة المستخدمة في التفجير، الى كيفية التفجير. والمثير ان هذه الاعترافات، بعد فترة وجيزة على ظهورها، تمّ التراجع عنها، وكان لـ«الخبيط» دوره الاساسي في ذلك. والسؤال هنا لمصلحة من تبرئة الاصوليين؟
ومنذ تلك الفترة، بحسب رواية المصادر الموثوقة، تركزت كل التقنيات وخصوصا المتعلقة بتحليل «الداتا» في اتجاه سوريا، علما بأن هذه التقنيات حصل عليها فرع المعلومات من الولايات المتحدة الاميركية ومن فرنسا، ومـُنحت له لاستخدامها في الاتجاه الذي يخدم اتهام سوريا باغتيال الحريري. وعلى هذا الاساس انطلق العمل في هذه التقنيات، واولويته هي اصابة الهدف السوري. وقد سلك العمل مسارا مفتوحا في اخذ «الداتا» وتحليلها واحصاء انفاس الناس وخصوصا حلفاء سوريا، الى ان حصلت «الرمية» من دون رام، وبيّن «تحليل الداتا» بالتقنيات الموجودة لدى فرع المعلومات، وجود ملف خطير، هو ملف العميل اديب العلم خلال العام 2007، أي ما يزيد عن سنتين، وفي ذروة السعي لتوجيه التحقيق والاتهام ضد سوريا.
هنا المثير، تقول رواية المصادر الموثوقة،، فقد تمّ اعتماد الانتقائية في التعاطي مع الملفات، وبدلا من ان يتجه الجهد الى كشف ملف العلم واعتقاله، تقرّر «سياسيا» في ما يبدو، من قبل اصحاب القرار المحليّين والخارجيّين، الابقاء على المسار السوري، علما بأن التحقيق مع العلم بعد القاء القبض عليه، بيّن انه خطير جدا، وصاحب باع طويل ومهم جدا في العمالة للموساد الاسرائيلي، ومن مآثره في هذا المجال، كما اظهر التحقيق معه، شراء كمية كبيرة من الخطوط الخلوية تقارب الـ200 خط، ومن ثم ارسالها الى اماكن معينة في اوروبا، ومن هناك تم ارسالها الى اسرائيل، حيث قام الموساد الاسرائيلي بتوزيعها على عملائه في لبنان. وقد عثر على ارقام هذه الخطوط لدى اديب العلم. وقد اوصل العمل الجاري على تحليلها الى توقيف آخرين ومنهم ناصر نادر الذي اقرّ في التحقيق معه بصلته باغتيال الشهيد المقاوم غالب عوالي في الضاحية الجنوبية. ومن غير المستبعد ان يتوصل «تحليل الداتا» الى اكتشافات اخرى على صلة بالـ200 خط.
وتشير الرواية الموثوقة الى «ما يشبه التنسيق» مع «حزب الله» حول ملف اديب العلم، فقبل وقت قصير من تحرّك فرع المعلومات للقبض على العلم، عقد اجتماع امني بين مسؤولين كبار في فرع المعلومات ومسؤولين امنيين في «حزب الله»، وفي هذا الاجتماع تمّ ابلاغ «حزب الله» بأن لدى فرع المعلومات ملفا عن تعامل اديب العلم مع اسرائيل، وسئل ممثلو الحزب في الاجتماع عما اذا كانت لدى «حزب الله» معلومات اضافية حول هذا الموضوع، «فنحن بصدد ان نفتح هذا الملف بعد شهرين»(؟!) كما تنقل المصادر الموثوقة.
تقول الرواية ان ممثلي «حزب الله» ردوا بما مفاده «لماذا التأخير شهرين، التأخير مضر في هذه القضية، لذلك يجب ان تلقوا القبض عليه الآن ومن دون تأخير». ثم زادوا على «معلومات المعلومات.. معلومات»، وابلغوا المسؤولين في فرع المعلومات بالآتي: لا توقفوه وحده، بل اوقفوا زوجته معه ايضا، فهي القصة الكبيرة».
في احدى زوايا رواية المصادر الموثوقة، تحليل حول كل هذه المسألة، بان توقيت كشف ملف اديب العلم في هذه الفترة، وعلى باب الانتخابات التي ستنبثق عنها حكومة جديدة، هو جواب سابق عن سؤال لاحق ستطرحه المعارضة حكما ان فازت هي في الانتخابات حول «تنييم» ملف العلم. عمليا التوقيت دافعه الاساسي «عملية وقائية وهروب من المساءلة اللاحقة»، فبعد 7 حزيران ستحصل تبدلات في لبنان على المستويات السياسية والامنية في فرع المعلومات وفي غير فرع المعلومات، وبالتالي ستـوجـَّه اسئلة كثيرة من قبل «الخـَلــَف» الى «السـَّلــَف»، اوّلها واهمها: لماذا لم تفتحوا ملف اديب العلم في الـ2007، وما، ومن، الذي منعكم من مواجهة هذه الحالة الاسرائيلية.
وعندما يُسألون في «حزب الله» عن مدى تعاون الحزب مع فرع المعلومات في ملف العلم، يأتي الجواب: «الجواب الاكيد موجود لدى اللواء اشرف ريفي». ثم يضيفون «ايا كان مصدر كشف الشبكات الاسرائيلية في لبنان، فهو امر يبعث على الارتياح ومحل اشادة من قبلنا، فذلك يزيح الالغام المزروعة في طريقنا، وليس من احد يزعجه ان يكون بيته نظيفا، فكيف اذا كان التنظيف اليوم يتركز على العملاء وشبكات الموساد».
تعليقات: