يعتبران من أعمدة لبنان
منذ أيام أعلنت وزارة السياحة في لبنان تكريماً محبّباً على قلوب وعقول كل اللبنانيين والعرب، تكريماً يدركه من يؤمن بــعــطــاﺀ أهــــل الــشــمــس في سيرة صباح ووديــع الصافي، أعلنته تكريماً فــي كازينو لبنان فكان مهرجاناً يشبه الحكايات، وكم تمنينا أن يكون هذا الــتــكــريــم عــلــى مستوى الــوطــن والــدولــة ورئاسة الجمهورية.
صالة السفراﺀ في كازينو لبنان كانت متوهجة بهما، وغــرّدت مع مجموعة من الفنانين على رأسهم الــيــاس الرحباني وغــســان صليبا وأنــطــوان كــربــاج ومعين شريف ونقولا الاسطا ورولا سعد وجميع أفراد نقابة الممثلين، وشخصيات إعلامية كانت الفرحة لا تتسع لهم، كأنهم يشكرونهما على تواصلهما مع الإعلام وبالأخص صباح، وغنوا جميعاً في مملكة "تعلا وتتعمر يا دار" بفرح لا يوصف، وتواضع صباح ووديــع في صالة السفراﺀ أخجلنا جميعاً وتتويجهما ملكين دون منازعة، بخاصة حينما صعدا إلى المسرح.
كــانــت لــوزيــر السياحة إيلي ماروني كلمة رائعة، ولــم يسمح لغيره بالكلام في حضرة أعمدة الفنّ العربي، وهذا التكريم أفضل ما قام به خلال عهده في الوزارة، وكــانــت لأرشــيــف صــبــاح إطــلالــة متميزة ونفخر بها، ولا ندري لماذا لــم يستعن بــأرشــيــف تلفزيون لبنان للوديع الكبير، فما عرض عنه لم يكن، طويلا كنا نتمنى أن نجول في أرشيفه أكثر، ومع ذلك يكفي أن يصرخ بالآه حتى ينتزع المجد.
وقفت الأسطورة صباح شامخة كأميرة لا تعرف الــغــروب، ارتــدت ثوباً ملوكياً أبيض "رويال" من أنامل المصمم غــســان أنطونيو، كانت أميرة الأميرات ومن حولها رايات البسمة وتواضع التاريخ، مبتسمة وفــي نبراتها دمعة تحاكينا كي نعترف بــأن كــبــارنــا يحتاجوننا، وصادحة بأوف ترفض أن يتراكم عليها غبار الزمن، وقفت بأناقتها المعهودة تتعكز على مجد صنعته منفردة، وجالت به العالم راسمة في قلبها لبنان والعرب والشرق بجمال لا يعرفه غير أهل الجمال والصبر والفرح والإبداع. ووقف وديع الصافي ومن حوله الجبال تنحني، تركض إليه كــي تقبّل حنجرته، هو المتعب من زمن كان قد رسمه بتعب روحــه وتألق صوته، وقف كي يعلم الشباب كيفية الوقوف، وكـــان صـــدى الــصــوت حــاضــرا مع أنه لم يغب، ولا يعرف الأفــول. لا نبالغ إن قلنا ان العيون اشتكت فــرحــهــا لــلــدمــع وهـــي تتأملهما يخطان مساحات صغيرة كي يعتلا المسرح، وأن حالة من السحر حطّت علينا دون استئذان حينما وقفنا مندهشين لمجد يتحرّك ويسير على مسرح صنع خصيصاً لهما، فنحن في حضرة العمالقة من أهل ا لطا ئر ا لفينيقي، ا لكل يبتسم ويصفق ويتذكر ويتمنى أن ندرك قيمة هذه اللحظات، قيمة نادرة في هــذا التاريخ المرسوم بتعب الصبر، وبوطن صنعته حنجرة من تـــراب الــكــون ومـــاﺀ الــوجــود حتى غدت أطرافه عباﺀ ة مشرقية بفخر، هــذا التاريخ الــذي حاكته أنامل أمــة الــضــاد بعيدا عــن، الــدمــاﺀ بل بشغف الــمــوال، ونغم القصيدة، وسحر النغم، وتواضع الشحرورة والصادح.
صوتها يخرج من بين أضلعنا محملا بــالــتــراب والــشــجــر والــمــاﺀ والــمــلــح والــســكــر والأرز وخيمة القبيلة وقصر الملك والعاشقة والمرأة القوية الحالمة والعاطفية، وصــوتــه يخرج مــن الصخر وحبة الــتــراب والــزعــامــة ولــغــة البلابل وعبق الأيــام، وحنين الغربة إلى وطن الإنسان. اجتمعا معاً فكانت حكاية حروفها من ذهب وسطورها من لؤلؤ وروحها من بلور، وطيبها من بياض ثلج الوطن، وثورتها من لحم ودم، صدقونا حينما نحكي لأولادنا عن مجدهما سيعتبروننا نتحدث عن خيال الأسطورة غير الواقعية، لن يصدقوا ما صنعته أنــامــل صــوتــيــهــمــا، وفــنــونــهــمــا، وحركتهما في غابة العطاﺀ المميز، سيدهشون إذا تكرمت قنواتنا الــفــضــائــيــة وإذاعــاتــنــا بتقديم لــحــظــات زمــنــيــة مـــن فــنــونــهــمــا، وسيقولون لنا ان هــذا الفن من صنع أهل الجن.
كم تعبا وأدمعا وفرحا وتحديا وكم غردا في الكون حتى انحنت أوراق الآخــريــن أمــام كتابيهما، وكم جعلا من البلابل وكل الطيور فــي الــكــون أقــل مــن تــلامــيــذ في مدرستهما، وكم سافرا عبر العالم كسندباد لا يعرف غير الترحال من أجل راية الوطن، وتاريخ كل من زرع شجرة الأرز في الشرق.
صــنــعــا قــلاعــهــمــا بــيــن قــلاع التاريخ في بــلاد التاريخ، نافسا عبق الماضي، واستطاعا أن ينحتا عــلــى صــخــرة الــزمــن صورتيهما حيث روتهما الشمس بماﺀ من ذهب نادر الوجود، وتعمد القمر النزول من عرينه في كل ليل كي يحرسهما، ويمسح عن جبينهما تــعــبــا، شــكــل مـــع الأيـــــام تــاجــنــا وفخرنا.
رغم التنظيم الجميل، والحضور "الـــكـــلاس"، والــمــمــيــز بالفنانين الذين اعتبروا أن هكذا تكريما هو التكريم الحقيقي للجميع، تأسف الجميع مــمــن نــظــم وحــضــر عــدم حضور الفنان ملحم بركات، وصباح هــي الــتــي دعــمــتــه فــي بــدايــاتــه يـــوم كـــان هــاويــا لا أحـــد يسمع بــه، ووديــع ســانــده، وغــيــاب إيلي شويري المستهجن، وصباح هي التي عرفت به الخليقة، وتتلمذ فــي مــدرســة وديـــع، الــبــعــض بــرر غيابه بسبب مرضه، ولكننا عرفنا من مقربين أنه كان باستطاعته الحضور، أما غياب نجوى كرم وهي التي لا تــزال تتعلم في جامعة صباح، وغنت ديو مع وديع، وأول أغنية غنتها كانت "ليش لهلق سهرانين" لصباح في تلفزيون لــبــنــان تشهد عــلــى ذلــكــف كــان مؤسفاً بحقها. مهما يكن التبرير هـــو مــخــجــل فـــي حــقــهــم، وحــق كل فنان وصلته الدعوة وتعمد الــغــيــاب، وبـــالأخـــص الــمــبــتــدئــة رويــدا عطية. لن نزيد على غياب البعض المتعمد، فقط نقول ان أمسية التكريم التي زينها كتاب صباح وكتاب وديع الصافي يحلم بالوصول إلى ربعه من حضر ومن تعمد الغياب.
يُعتبر تكريم صباح ووديع الصافي منذأيام تكريما لكل الإبداع في الشرق.
تعليقات: