لبعض البيوت في لبنان وهج القداسة، لأنها ترتبط في وجدان الناس بالقضايا التي استحقت وتستحق أن تبذل من أجلها الأرواح وأن تسقى بالدماء غزيرة.
فليس لبنان كله «سوقاً» أو «بازاراً مفتوحاً» أو «ساحة» للمساومات، مناقصة ومزايدة...
إن لبنان، في وجهه الأصيل، جبهة نضال وقلعة صمود وحصن للقضايا العادلة، وصفوف من المجاهدين الذين قاتلوا ويقاتلون من أجل عزة الوطن وحريته ومن أجل كرامة الإنسان وحقه في حياة تليق بتاريخه.
بين هذه البيوت، بل في طليعتها، بيت معروف سعد في صيدا.
إنه، بحق، بيت الشهادة من أجل الحق والخير، من أجل عزة الوطن وحقوق مواطنه فيه.
البداية مع معروف سعد: المجاهد المقاتل في فلسطين، من أجل حقوق شعبها فيها، ودفاعاً عن لبنان قبل أن يمتد إليه الاحتلال الإسرائيلي..
ثم إنه معروف سعد المناضل من أجل الإنسان وحقه في حياة كريمة في وطنه، الرافع صوته بمطالب الفقراء والمساكين، المناضل في الشارع ثم في المجلس النيابي من أجل حقوق المواطنين في وطنهم.
وهو معروف سعد: الشهيد المقتول برصاص الغدر والخيانة والتواطؤ على الفقراء لحساب شركات الاستثمار الأجنبية التي كانت تحاول مصادرة البحر وخبز الصيادين، بعد أن صادرت «شقيقاتها» البر.
وهو بيت مصطفى سعد: الذي ورث مع شهادة أبيه القضايا التي ناضل من أجلها وأولها فلسطين لشعبها، وآخرها الخبز مع الكرامة للفقراء والكادحين المحرومين من وطنهم في وطنهم.
ولقد ظل مصطفى سعد يقاتل ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد الطغيان المحلي المتواطئ معه، حتى بعد أن فجر الاحتلال بيته ففقد مع بصره ابنته ناتاشا في حين سقط باقي أفراد الأسرة جرحى...
وبعد استشهاد مصطفى حمل الراية الدكتور أسامة معروف سعد، وواصل النضال والطريق واضح أمامه بقداسة الدم المتوهج الذي يحدد مساره.
وظلت صيدا وفيّة لهذا البيت الذي عزّز رصيدها وأضاف إليه كثيراً حتى باتت في موقع «المزار» لكل مجاهد ولكل من يثبت في أرضه بإيمانه.
صارت صيدا ببيت معروف سعد وذريّته، والعديد من أبنائها الشهداء البررة الذين واجهوا الاجتياح الإسرائيلي فقاتلوه، وواجهوا الانحراف الداخلي فقاتلوا ضد مشاريع إلحاق لبنان بالعدو (اتفاق 17 أيار) حتى أسقطوها في المواجهة الوطنية العامة، منارة للوطنية وقلعة للعروبة في لبنان تؤكد تواصل التاريخ بالشهداء...
أسامة سعد المثقل بهذا التراث النضالي لم يكبر بمقعده في المجلس النيابي، بل كبرت به صيدا التي تحفظ شهداءها وأبطالها، وكبر به المجلس الذي لم تكن أكثريته في أي يوم في صف القضايا الوطنية ولا هي كانت دائماً مع الجهد الوطني من أجل التحرير.
لكن صيدا الوفية تعرف أنها ستخذل ذاتها وستخذل اللبنانيين جميعاً إذا هي تنكرت لدماء الشهداء الذين أعطوا لبنان مجده، فخذلت أسامة سعد... بغض النظر عن موقفها من منافسه الطارئ الذي لم يكن بحاجة إلى مقعد نيابي، لا في عيون مناصري السيدة بهية الحريري، ولا في عيون من استخصمتهم وهم أهلها الذين نصروها وحزنوا لحزنها على فقيد صيدا ولبنان والعرب قبل أن يكون فقيدها الرئيس رفيق الحريري.
كنا نتمنى لو جمعت السيدة بهية بين الشهداء فلم تفرقهم.
وكنا نتمنى لو أنها حفظت صيدا رمزاً للجهاد والمقاومة وقلعة للوحدة الوطنية.
لكن السياسة أغراض وأهواء ومصالح، وكلها تفرّق..
لصيدا أن تقول كلمتها غداً. ونتمنى أن تكون في مستوى شهدائها فتصونهم كما صانوها وتحفظهم كما حفظوها... وأما النيابة فتذهب هباءً منثوراً!
تعليقات: