تقترع في زحلة (أ ب)

زحلة:

خذل عصر زحلة صباحها، وأنهت عروس البقاع، التي استفاقت بنشاط قلّ نظيره في دورات انتخابية سابقة، أمسها بكسل مهّدت له ظهيرة التعب.

إقبال صباحي عكس روحية حية في مدينة تعرف كيف تحرك محيطها، بغض النظر عن نتائج صناديق هذا المحيط بمصيرها، وعلى رأسه القرى السنية وناخبيها الذين يربون على الأربعين ألفا وصوّت منهم حوالى الثلاثين ألف ناخب.

يسجل لـ «أم المعارك» هدوء لم يكن متوقعاً، بل لنقل انها بيومها الانتخابي الساكن، بددت مخاوف كثيرة سادت من انفراط عقد التنافس الديموقراطي لصالح المشاكل المتنقلة. مشاكل عرفت طريقها إلى مراكز الاقتراع لكنها ظلت خفيفة وفردية وأمكن للقوى الأمنية، التي سجلت حضوراً لافتاً للانتباه أن تضبطها بسرعة وتجنب الناخبين ذيولها.

لكن زحلة التي تعرف موقعها ككفة مرجحة في ميزان الأكثرية والأقلية حافظت على غموض مكنونات صناديقها إلى موعد الفرز الرسمي. كما حافظت على تقليد يقول بأهمية تأثير المال الذي لعب دوره الفعّال لدى الطرفين في مكاتب جانبية ليست ببعيدة عن مراكز الاقتراع، الأمر الذي انعكس اتهامات متبادلة.

لم يكن بوسع الأقطاب المتنافسين، على الرغم من الثقة الكبيرة التي أبداها مندوبو وأنصار كل طرف على حدا، ولا للمراقبين الذين أمعنوا في تحليل التركيبة الزحلاوية العائلية وعلاقتها التاريخية بالعائلات وكذلك المستجدات التي طرأت عليها، لم يكن بوسعهم جس النبض الاقتراعي ونتائجه على الفريقين المتنافسين. بدت زحلة حريصة على تشويق مارسته منذ الشهور الأولى للتحضير ليومها التاريخي امس.

ومع الهيصة التي رافقت رئيس الكتلة الشعبية الوزير الياس سكاف إلى حي مار الياس حيث اسقط ورقته الانتخابية، هاج مناصرو الكتلة وماجوا، وكثفوا حضورهم هاتفين بشعاراتهم الانتخابية وعلى رأسها «عنفوان زحلة مش للبيع»..

وفي غرفة التجارة والصناعة في زحلة حضر مناصرو النائب نقولا فتوش «الهيصة» عينها لرئيس لائحة «زحلة بالقلب»، مع إصرارهم على أن زحلة 2009 ليست أبدا زحلة 2005 في إشارة إلى أن نتائج الأمس لن تكون لصالح سكاف الذي سبق وحصد ستة نواب من أصل سبعة.

في زحلة المدينة، وخارج قراها ذات الموزاييك الطائفي والمذهبي، انحسرت شعارات تيار المستقبل ومندوبوه الذين تجنبوا إثارة الناخب المسيحي وإشعاره بحجم تأثيرهم في تحديد نوابه خوفاً من ردود فعل عكسية تصب في صالح سكاف، لكن ذلك لم يحصل على المستوى الكهنوتي وعلى رأسه البطريرك الماروني نصرالله صفير الذي بعباراته الأخيرة و«الحريصة على لبنان العربي» ممن يهددوه ككيان، أعطى أنصار 14 آذار كرة لصالحهم. فهذا جوزف غازي سلمان قد حضر من فرنسا ليصوت «للبنان البطريرك صفير..لأنه ضد ولاية الفقيه وضد القومي السوري وضد تفاهم الجنرال عون وحزب الله».

جوزف نفسه كان مع الجنرال في 1988 لكنه «تغيّر»، فـ «تغيَّر» هو بدوره، وبالتالي «انقلب» نحو الطرف الأخر «كان قائدا وبطلا»، وفق جوزف.

ليس جوزف «المتغير» الوحيد من حول عون وسكاف، «زحالنة» كثر عبروا عن انتقادهم «خطه» الجديد. فالبنسبة لهم «التحالف مع حزب الله ليس عيباً لأنه فريق لبناني»، لكنه، أي الحزب «مرتبط بسوريا وإيران» وهم لا يريدون «عودة السوري» ولا «أن يصبح لبنان كما إيران».

«زحالنة» آخرون يريدون «التغيير» لكن ليس البرتقالي منه. سبق وكانوا مع الياس سكاف «فمشى مع حزب الله»، وهم اليوم يغيرون لعلهم يجدون في الطرف الآخر ضالتهم، وإلا «فإننا سنغير في الانتخابات المقبلة» كما قالت كارولين جنات في حي مار مطانيوس.

يبدو جلياً في الشارع الزحلي «الثمن» المسيحي الذي يدفعه الوزير سكاف والجنرال عون نتيجة خياراتهما السياسية. «زحالنة» آخرون يصفون انفسهم «بالأصيلين» يؤكــدون ان تحالف عون حزب الله وخط سكاف زاداهــم تمسكاً بالعيش المشترك «نحن نثق بخيـارات سكاف ولا نبدل ابداً، هو يعرف مصلحة زحلة ووزنها وحين يتحالف فإنه يتحالف كند وليس كتابع كما يفعل الآخرون».

وفي زحلة المدينة يختفي مندوبو المرشحين لصالح ماكينة انتخابية موحدة للكتلة الشعبية فيما يبرز مندوبون للكتائب وآخرون للقوات وماكينة رئيسية لـ «زحلة بالقلب». مندوبون «انعجقوا» صباحاً بازدحام ناخبين غر مسبوق في زحلة، وجلسوا في فترة بعد الظهر يتسامرون وينجمون في النتائج حين ندر المقترعون وذهبوا لتناول غداءهم ولم يعرفوا طريق العودة إلا «بالتقطير».

المقترعون أنفسهم عرفوا ساعات صباحية سيئة حيث قضى معظمهم ثلاث أو أربع ساعات في انتظار دورهم للإدلاء بأصواتهم في ظل تذمر جامع من بطء آلية التصويت ووجود ساتر واحد في كل قلم رغم ان عدد الناخبين يفوق السبعمئة ناخب.

وكان لأقلام النساء في زحلة أن تؤشر لما يمكن أن تفعله المرأة اللبنانية في نصرة قضاياها لو توحدت الحركة النسائية في كل استحقاق، حيث كان الازدحام في الأساس على أقلام اقتراع الإناث في مقابل إقبال عادي عند الذكور.

من زحلة حيث تختلط الألوان والولاءات إلى وادي العرايش التي هدر البردوني من اعاليها تبرز اعلام القوات وصور جعجع وماكينتهما الانتخابية. هناك تسير امرأة واثقة من «فعالية» التصويت لسكاف «صحيح حصل تغيير في وادي العرايش لكن هل قرأت ما كتبناه في إشارة رفعها مناصرو سكاف تقول «زحلة إلك يا بيك من جدك لبيك ليك».

في قاع الريم التي تعلو زحلة وإن حافظت على روح شبيهة بروح «الأم المدينة»، تأبى «الضيعة» ان تغادر غموض عروس البقاع محتفظة بـ «سرها إلى أن تحين الساعة». عند الواحدة من ظهر امس كانت اقلام مركز الاقتراع الوحيد في قاع الريم قد ناصفت عدد الناخبين، وهي نسبة شبيهة بتلك التي سجلتها بعض ألأقلام الزحلاوية في قلب المدينة.

لم يكن نهار زحلة بالأمس عادياً.. انقسمت العائلات في منازلها. مارس رجالها ضغوطهم الذكورية على نسائها تحت طائلة التهديد في بعض البيوتات إلى حد الطلاق.

يحل الليل وزحلة تحافظ على غموضها. صناديق الاقتراع بدأت تفرز أوراقها وها هي المواكب الانتخابية للمعارضة والموالاة تتجول محتفلة في معظم قرى القضاء.

طوت زحلة ليلها ولم تغادر موقعها..أم المعارك لا بد من أن تحدد غالبية المجلس النيابي المقبل في نتائج رسمية ستعلن في خلال ساعات، ومعها ربما صفحة جديدة من تاريخها.