«زي ما هي» في سعدنايل
لا يصح القول أن زحلة أفاقت أمس مذهولة. فعروس البقاع لم تنم ليل الأحد -الاثنين أصلاً، على الرغم من أن ملامح نتائج صناديقها قد لاحت لصالح الرابع عشر من آذار قبل البدء بفتح الصناديق بساعتين على ألأكثر.
ولم ينتصف ليل النهار الانتخابي الطويل بهزيمة سليل عائلاتها وزعيمها الزمني ونائبها منذ العام 1992 الوزير الياس سكاف، إلا وبدأت المدينة وأهلها بمراجعة حسابات الحقل التي لم تطابق حساب البيدر لدى أحد، بما فيهم قوى الرابع عشر من آذار أنفسهم.
زحلة نفسها، ومعها أهلها، بدت بالأمس غير مصدقة لما حصل وكيف، بغض النظر عن إيجابية أو سلبية فوز لائحة «زحلة بالقلب» كاملة على المدينة أو الفرحة بانتصارها أم لا. لم يكن أحد يتوقع أن تنتهي النتيجة بسبعة ـ صفر، في مباراة بدت مجرياتها، ومنذ اللحظة الأولى خاضعة لمتغيرات مذهبية وحزبية ودينية وعائلية كبيرة ولكن ليس إلى الحد الفاصل الذي وصلت إليه.
بالأمس كان لسان حال مثقفي زحلة وأهلها يقول «توقعنا لائحة «موزاييكية» من الطرفين، وربما تكون الغلبة فيها للموالاة، ولكن ليس من لون واحد كما حصل». «كنا نعرف أن المسيحيين قد انقسموا حول سكاف ولكن ليس لدرجة إسقاطه». «جميعنا نقدر وزن وارتفاع نسبة اقتراع «البلوك» السني في القضاء، ولكن ليس أن تقارب الـ72 في المئة».
يعرف «الزحالنة»، ومعهم السياسيون، أن الاقتراع المسيحي متدن، ولكن لم يتوقع أحد أن ينكفئ الكاثوليك إلى أدنى مستوى اقتراعي بين الطوائف التي تشكل الدائرة القضائية للمدينة. وماذا عن الموارنة الذين كانوا في الأساس هم عماد الصوت السكافي المرجح في المعركة التاريخية السكافية عند نشوئها مع العائلات التقليدية الكاثوليكية؟ وهل صحيح ان المسيحيين قد انفضوا عن سكاف لصالح ألأحزاب السياسية من قوات وكتائب بالإضافة إلى تصاعد نفوذ النائب نقولا فتوش الذي لم يتمكن في انتخابات 2005 ،وفي عز التحالف الرباعي ان يصل البرلمان ولو بنائب واحد معه من كتلته.
تقول الأرقام التي رشحت عن الماكينة الانتخابية لبعض أقطاب المعارضة أن المزاج المسيحي الزحلاوي قد تغير فعلاً لمصلحة القوات والكتائب وفتوش والبطريرك الماروني نصرالله صفير الذي دخل المعركة، بتصريحاته قبل الإنتخابات وببيانه الشهير عشيته، من بابها الواسع مع فريق ضد آخر، ولكن ليس لدرجة تعرية سكاف من زعامته نهائياً.
وتؤكد الأرقام ان سكاف قد تفوق مسيحياً على فتوش وأسقطه الصوت السني الذي قارب الثلاثين الفاً في القضاء وصب منه 28 الف صوت لصالح لائحة «زحلة بالقلب».
وفي قراءة تفصيلية لأرقام الإقتراع المسيحية في قضاء زحلة، يبدو تفوق سكاف على فتوش جلياً إذ حصل الأول على 17 الفا و600 صوت مسيحي صافي في مقابل 14 الفا و750 صوت مسيحي لفتوش.
ويبقى سكاف متفوقاً على فتوش مع إضافة اصوات الأقلام المختلطة ما بين مسيحيين وبعض السنة والشيعة والأقليات في مدينة زحلة ومعها الفرزل وقاع الريم ووادي العرايش وشرق زحلة من كفرزبد ودير الغزال واخواتهما.
وتشير ارقام هذه الصناديق المختلطة إلى حصول سكاف على سبعة آلاف ومئة صوت (بينهم طبعاً أصوات مارونية وكاثوليكية وارثوذكسية وارمنية ـ غير عنجر) في مقابل سبعة آلاف وسبعمئة صوت لفتوش. وتقول ألأرقام أيضا انه إذا جمعنا الأرقام االمسيحية المختلطة مع بقية الطوائف (وهي هنا غير القرى السنية أوالشيعية «الصافية») إلى الصوت المسيحي الصرف في زحلة وقراها المسيحي، يبقى سكاف في الحصيلة متفوقاً على فتوش بـ24 الفا و700 صوت غالبيتها مسيحية في مقابل 22 الفا و450 صوت لفتوش.
ولكن سكاف، وإن ربح على فتوش مسيحياً بالأمس، سجل تراجعاً دراماتيكياً عن العام 2005، في مقابل تحسن وضع فتوش ومعه القوات والكتائب والبطريرك بما يمثله من زعامة روحية مؤثرة على الصعيد المسيحي عامة والماروني بالتحديد.
ويفيد تفنيد ألأصوات المسيحية في زحلة في تحديد كيفية إقتراع المذاهب المسيحية حيث نال سكاف سبعة آلاف ومئتي صوت كاثوليكي في مقابل ستة آلاف وخمسمئة صوت لفتوش، وهو ما يغاير وبالأرقام المعلومات التي قالت بأن سكاف قد سقط أمام فتوش حتى في الأقلام الكاثوليكية، من دون أن ينفي ذلك أن هؤلاء قد خذلوا سكاف ليس فقط بارتفاع حظوظ فتوش في ما بينهم بل في انكفائهم عن الاقتراع بكثافة وهو ما تركه لقمة سهلة أمام «الشهية المفتوحة» السنية على الاقتراع. وكذلك يجدر التوقف عند تراجع حظوظ سكاف في أقلام أحياء معروفة تقليدياً بولائها لسكاف مثل مار مخايل وحارة الراسية والميدان وحوش الزراعنة.
أما على صعيد المقترعين الموارنة، فقد تفوق فتوش على سكاف بنيله خمسة آلاف وتسعمئة صوت في مقابل خمسة آلاف ومئة صوت للأخير وهو فرق ليس بكبير مقارنة مع الأطراف التي انحشدت في الحلف «الرباعي» المضاد لسكاف في المدينة وقراها.
وتقول أقلام ألإقتراع ايضاً أن الأرثوذكس حافظوا على وفائهم لسكاف فمنحوه ثلاثة آلاف و500 صوت في مقابل ألفين ومئتي صوت لفتوش. وعلى الصعيد المسيحي أيضا اثبت حزب الطاشناق مرة أخرى قدرته التجيرية بين ألأرمن حيث نال سكاف 1800 صوت في عنجر في مقابل 150 صوتا للائحة فتوش.
وانطلاقاً من الأصوات المسيحية التي نالها النائب نقولا فتوش، والتي بلغت مع الأقلام المسيحية المختلطة 22 الفا و450 صوتاً نضيف عليها الأصوات السنية التي صبت لصالح «زحلة بالقلب» فيصل فتوش إلى مجموعه الذي فاز به ومجموعها 47 الفا و709 اصوات.
وبالنسبة لسكاف فإن أصواته المسيحية الصافية (17600 صوت) والتي تصبح مع المسيحية المختلطة 24 ألفا و700 صوت ، يضاف إليها حوالى 15 ألف وخمسمئة صوت شيعي صبت بكاملها لسكاف ولائحته بالإضافة إلى حوالى ألفي صوت سني من ثلاثين الف صوت تقريباً اقترعوا في القضاء، يصل مجموع ما حصل عليه سكاف إلى حدود 42 الفا صوت وهو ما اكدته وزارة الداخلية بإشارتها إلى حصوله على 42 الفا و975 صوتا.
تجدر الإشارة إلى أن المرشحين النواب طوني ابو خاطر وعقاب صقر وايلي ماروني وشانت جنجنيان وعصام عراجي وجوزف معلوف قد نالوا اصواتاً فاقت ما ناله فتوش.
إلى جانب الأصوات وتوزعها، عناصر أخرى اوصلت سكاف إلى خارج البرلمان.
يقول سياسي متابع لأوضاع زحلة ونتائجها ان ما حصل مع سكاف بالأمس شبيه بما حصل مع سليمان فرنجية في العام 2005 يوم اسقطه الصوت السني غير المسيحي حيث كان الإقتراع يومها أي في 2005 على مستوى المحافظة وليس القضاء كما حصل حالياً.
ويشير المصدر إلى ان سكاف تراجع مسيحياً بشكل لافت ولكنه «لم يسقط بل سقط بالصوت السني وذلك نتيجة «التهييج» والاصطفاف المذهبي الحاد الذي رفع نسبة اقتراع السنة إلى حوالى 72 في المئة وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ القضاء».
وطبعاً، يأتي الإقبال السني نتيجة طبيعية للأهمية والرعاية الكبيرة التي أولاها النائب سعد الحريري بزياراته المتتالية والمتعاقبة للبقاع ألاوسط وحثه السنة على الاقتراع لما لزحلة من دور في تحديد ألغالبية والأقلية البرلمانية.
ولا يغيب عن ذهن المتابعين ارتباط تأثير تراجع سكاف بتحالفه مع الجنرال ميشال عون ومعه حزب الله والتهويل الحاد والتخويف الذي مورس على القضاء ومسيحييه.
ويقول أحد اساتذة الجامعة في زحلة وهو من العاملين «المخضرمين» في الشأن السياسي ان اللاعبين على هذا الوتر وضعوا المسيحيين امام خيارات متناقضة. «السلاح والحرب أو السلام والديموقراطية أو ولاية الفقيه، فرنسا واميركا أو إيران وسوريا، حسن نصرالله أو ميشال سليمان والبطريرك صفير...».
وقد استفاد حزبا القوات والكتائب من التخويف ومن الأزمة السنية الشيعية والتحالفات على مستوى الوطن لنشر نفوذهما في زحلة والعمل على التغلغل بين أهلها.
كل ذلك لا ينفي مسؤولية سكاف الشخصية وطريقة تعاطيه مع زحلة. يقول استاذ آخر في الجامعة اللبنانية لـ«السفير» ان إحباط الكاثوليك وإحجامهم عن الإقتراع يعود إلى إحساسهم بأنهم فقدوا كل الامتيازات التي كانوا يحتفظون بها على مرّ التاريخ حيث لم يكن هناك موقع أو مركز حساس يخرج من بين ابنائهم لصالح الطوائف الأخرى. اما اليوم، ووفق الأستاذ الذي لم يرغب بذكر اسمه، «يشعر الكاثوليك انهم متروكين وان سكاف لا يرعى مصالحهم بما فيه الكفاية وهم يردون على الإهمال بالمثل.
وتبقى زحلة التي تحاسب على إهمالها أيضاً وعلى عدم التطلع لاحتياجاتها ومشاكلها ألإنمائية والخدماتية وقلقها، وهي العروس «المتشاوفة» على محيطها ترى مناطق أخرى تنمو من حولها وتأخذ من دربها وإن أدركت في سرها ان سحرها صعب أن يقهر أو أن يخمد وإن سطعت نجوم أخرى في سماء قضائها.
تعليقات: