إطلاق نار في الهواء
لم تمنع خسارة المعارضة اللبنانية للانتخابات النيابية أنصارها من إطلاق النار في الهواء. استغل بعض المناصرين في الشياح إطلالة السيد حسن نصر الله للتعبير عن فرح مصطنع، وغضب حيال الهزيمة. أطلقوا القذائف الصاروخية من الطرقات، فيما لوحظ غياب تام للقوى الأمنية
استغل مناصرو المعارضة إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس، للتعبير عن رأيهم في نتائج الانتخابات. أطلقوا العنان لأسلحتهم الرشاشة والصاروخية، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما سبق خلال الأشهر الماضية. بدأ الأمر في الثامنة والنصف مساءً. أنارت الطلقات الحمراء (طلقة تعرف بالخطّاط) ظلمة السماء. لم يكتف المحتفلون بذلك، بل أطلقوا أربع قذائف صاروخية ابتهاجية. في ذلك الوقت، كان مناصرو الموالاة، ولا سيما في الطريق الجديدة، يحتفلون بالمئات عبر تسيير المواكب السيّارة وحلقات الدبكة والرقص. المخيف في الأمر هو الانتشار المسلح الذي لحظه المواطنون في ذلك الوقت على أطراف أوتوستراد السيد هادي نصر الله، بالقرب من إحدى نقاط القوى الأمنية، التي لم تحرّك ساكناً أمام كثافة النيران.
كان في تلك الساحة صبية لم تتجاوز أعمارهم سبع عشرة سنة، يحملون بنادق الكلاشنيكوف، وعلى مقربة منهم شبان تراوحت أعمارهم بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين يحملون بنادقهم وبعض المسدسات. يتقدم أحد الصبية موجّهاً بندقيته بزاوية 45 درجة «باتجاه سماء الطريق الجديدة» ثم يطلق «رشقه» دفعة واحدة. يتقدم بعده شاب عشريني متباهياً بحمل البندقية على وسطه. يصطفّ الجمهور مصفّقاً له، فهو خبير «الوقع الموسيقي». يبدأ المتباهي بعزف طلقاته، وسط الهتافات المؤيّدة والداعمة لقادة المعارضة. أما على الحاجز الفاصل للطريق، فوقف بعض الشبان يطلقون النار من مسدساتهم الحربية.
أحمد غ. شاب عشريني كان موجوداً، يقول لـ«الأخبار» إن إطلاقه النار ليس إلا تعبيراً عن مكنونات الغضب و«فشّة خلق». لم يكن أحمد يتوقع خسارة المعارضة في الانتخابات النيابية، وخصوصاً أن قياداتها كانوا يؤكدون أن «المجلس بالجيبة»، وأن عناء أربع سنوات مضت سيتوّج بنتائج زاهية، «لكن للأسف، حسابات البيدر غير حسابات قياداتنا». أما عن فشّة الخلق، فيقول «أنا أعددت سلاحي لكلتا الحالين، فزنا أو خسرنا، حرام ما نقوّص». محمد ش. (29 عاماً) محتفل آخر، يحاول أن يكون أكثر واقعية من أحمد: «الشبان نزلوا عفوياً إلى الشارع للتعبير عن سخطهم من نتائج الانتخابات، وقد اتُّخذت إطلالة الأمين العام ذريعة لما يقومون به». ويستفيض، فيعترف بأن الأمر غير معقول، و«لكن لا أخفيك سراً أنني أطلقت النار، فهو أمر مشوّق».
استمر «التشويق» المؤلم والمخيف على مدار ساعة من الزمن. تواصل إطلاق النار من دون تدخل القوى الأمنية المجاورة لمكان الحدث، فيما لم تتدخل أي دورية تابعة للجيش رغم مرور إحدى الدوريات المؤللة التابعة لفوج المغاوير بالقرب من مستديرة الطيونة مروراً بمستديرة شاتيلا. عند الانتهاء من الكلمة المتلفزة، استمر المسلحون الميدانيون بإطلاق الأعيرة النارية بالاتجاه عينه مجدداً، مع مزيد من التصفيق هذه المرة، ولا سيما مع وصول أخبار عن إصابة عشرين شخصاً من الطرف الآخر برصاصات طائشة. كان المشهد مأساوياً، رغم فرح جميع المشاركين. لم ينته الأمر إلا بعد تدخّل مسؤولي الأحزاب المحلية في المنطقة، لتفريق المحتشدين، علماً بأن عدداً من حملة الأجهزة اللاسلكية كانوا بين «المبتهجين».
خلت الساحة لبعض الأطفال الفرحين بلملمة المظاريف النحاسية. لقد اعتادوا أصوات الرصاص وغياب القوى الأمنية. لم يكن المشهد غريباً في الشياح أمس. لقد كان مؤلماً.
تعليقات: