مناصرون لتيّار المستقبل يحتفلون بفوزهم في الانتخابات النيابيّة في طريق الجديدة
الموالاة رابحة .. والمعارضة ثابتة.. والوسطية فقدت وزنها ومكانها!
إحدى أبرز العلامات الفارقة للانتخابات النيابية, هي ان الرابح والخاسر فيها سلّـما بالنتائج التي افرزتها, وبالخريطة الجديدة ـ القديمة لتوزيع القوى السياسية في المجلس النيابي, للسنوات الأربع الآتية.
قد يسجـّل هذا التسليم الديموقراطي للخاسر بخسارته, قبل الرابح الذي يسجـّل له ايضاً حسن إدارته لمعركته, ومن ثم خطابه الهادئ الذي ظهـّره الرابحان سعد الحريري ووليد جنبلاط وتخفيض نشوة الفوز الى حدها الأدنى, ومن ثم التفاعل إيجاباً مع خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ما تقدم على أهميته, لا يصرف عن تساؤلات تتوالد منذ اعلان نتائج الانتخابات, ومنها:
كيف ستثمـِّر «14 آذار» ربحها الانتخابي في الاتجاه الذي تسقطه برداً وسلاماً على البلد, ولا يحوّله عبئاً عليها وعلى البلد؟
كيف ستهضم المعارضة خسارتها, وقد منّت نفسها بفوز مبين, فيما خيّبت خسارتها كلّ التوقعات؟
هل سيؤدي الخطاب الهادئ الى تمرير هادئ لاستحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب الجديد بعد بدء الولاية النيابية الجديدة في 20 حزيران الجاري. وهل سيتأثر هذا الخطاب بـ«المشاغبة» التي بدأها بعض اطراف 14 اذار وتعكير المناخ الهادئ بشروط أحبطتها مبادرة النائب وليد جنبلاط الى الإعلان صراحة عن دعم الرئيس نبيه بري كمرشح وحيد لرئاسة المجلس.
ما هي الحدود السياسية التي يقف عندها تسليم الطرفين بنتائج الانتخابات, وهل أن الكلام الهادئ الذي يتوجه فيه رموز 14 آذار في اتجاه المعارضة, هو مفتاح الباب الى شراكة مطلوبة في السلطة التنفيذية, ام انه كلام يرتكز على أبعاد استيعابية, تستبطن التكتيك في سياق اجندة لقطف ثمار الربح في الانتخابات, الذي لا يمكن أن يتم إلا في أجواء هادئة؟
هل إن التسليم بالنتائج مرتكز على مبدأ شراكة متوازنة تريدها المعارضة صيغة مكرِّرة لشراكة ما بعد الدوحة بكل مندرجاتها وضماناتها؟
هل إن هذا التسليم, منبثق عن مبدأ شراكة من منظور «14 آذار», مرتكزة على فوزها بالأكثرية النيابية مجدداً, وأساسها رفض تكرار تجربة ما تسميه «الثلث المعطل» في الحكومة؟
هل إن الربط بين ما تسميه المعارضة «الثلث الضامن» والشراكة والدخول في الحكومة, هو ربط نهائي, ام ان هناك سقفاً سياسياً ما دون هذا الطرح يمكن ان تقبل به المعارضة؟
قال النائب ميشال عون إنه مع أن تكون المشاركة نسبية في الحكومة, فهل سيطرح الفريق الرابح الشراكة على عون اصلاً, وإن طرحها, فهل ستكون بالحجم الذي يتناسب وكتلته النيابية؟
ماذا لو قرر عون عدم المشاركة في حكومة يرأسها سعد الحريري او غيره من 14 اذار, من شأنها أن تفرمل او تعطل أساس نظريته الإصلاحية, فهل سيشارك حليفه الشيعي؟
هل استفادت «14 آذار» من تجربة حكمها في السنوات الماضية, فتتجنّب بناء على الدرس المستفاد منه, تكرار الأخطاء التي قادت الى تشنجات سياسية وتوترات مذهبية وخضات امنية، وتذهب الى شراكة بمعنى توافقي مع المعارضة تمليها الاعتبارات الداخلية وتوازنات الصيغة التوافقية للبنيان اللبناني، أم ان 14 آذار لم تستفد من التجربة, فتكرّر الأخطاء ذاتها, وتقود الى اشتباك سياسي وربما الى ما ابعد من اشتباك سياسي, ما قد يستدعي تدخلات إقليمية لمحاولة إعادة إنتاج هذه الشراكة, قد تصل الى دوحة جديد, او الى اعادة استنساخ دوحة ما بعد 7 أيار؟
ما هو موقع رئيس الجمهورية في التوازنات داخل الحكومة ـ في ظل الشراكة ـ وهل ستتأمن حصته الوزارية من خارج «الثلث الضامن» للمعارضة او من داخله, وهل ستقبل المعارضة شراكة رئيس الجمهورية في ثلثها الضامن فيما لو طرح الأمر, وخصوصا بعد ارتجاج العلاقة مع بعض اطرافها في الآونة الاخيرة, والذين رسموا علامات استفهام حول حيادية الرئاسة الاولى في الانتخابات, مع الميل في اتجاه 14 آذار؟
ترفض 14 آذار إعطاء الثلث الضامن الى المعارضة, وتقول إنها تعطيه لرئيس الجمهورية, فهل هذا الطرح جدي, ثم هل هي تستطيع ذلك, وإن اعطت الثلث للرئيس, فمن أين ستعطي حلفاءها؟
ما هي الوصفة السحرية لإدارة البلد في ظل توازن سياسي مختل برلمانياً لمصلحة 14 آذار, وما هو دور ثنائية جنبلاط والحريري في بلوغ هذه الوصفة, وكانت لافتة للانتباه مسارعة الأخير في الساعات الماضية الى تكييف نفسه مع المرحلة المقبلة, ويؤشر الى «المرشح الوحيد» لرئاسة حكومة ما بعد الانتخابات, محاولاً التقدم الى المسرح العام كشخصية جديدة بخطاب سياسي جديد متودد ومنفتح على «حزب الله» وسلاح المقاومة، مع استعداد مثير لتقديم ضمانات حول السلاح, وبنبرة إيجابية لم تُعهد فيه في السنوات الماضية؟
بين المنطقين المتناقضين حول مفهوم الشراكة, سؤال أساسي: هل يستطيع الرابح في الانتخابات ان يخرج على الصيغة التوافقية, فيفكر في ان يحكم وحده على كل المستويات. وهل ان البلد، بناء على التناقض السياسي القائم, مقبل على فراغ وطني كبير أدخله فيه قانون الستين, ولن يتم الخروج منه خلال أمد منظور؟
والسؤال الأهم, ما هو مستقبل العلاقة اللبنانية السورية, وهل إنّ إعادة إنتاج حكومة «14 آذار» سيفتح الباب على إيجابيات وعلاقة سليمة بين البلدين, أم على توترات تستجيب لرغبات بعض «الرؤوس الحامية» في هذا الفريق؟
الأسئلة تتوالد في كلّ الأرجاء, وليس في الإمكان تحديد نسلها, وأما الإجابات الدقيقة فرهن بما سيحمله الآتي من الأيام. لكن المثير في هذا التوالد هو أنه يبدأ وينتهي عند الآتي: «كيف تمكنت «14 آذار» من الفوز, وكيف خسرت المعارضة؟
وفي الإجابات حبل طويل من الأسباب, يبدأ من المال السياسي والخطاب التجييشي الاستقطابي, الى الادارة السياسية, الى الادارة الانتخابية, الى الادارة الاعلامية, الى ادارة الماكينات, الى العامل الخارجي, الى الاستطلاعات والتنجيم الانتخابي, الى زهو تبيّن انه سابق لأوانه... وأما الخلاصة فتظهر نمطين قام الاول على سوء إدارة انتخابية و«ترشيحية» وإعلامية, ونوم على حرير استطلاعات كذب منجموها ولم يصدقوا, وأما الثاني فقام على حنكة في الأداء وحسن ادارة للمعركة بكل مقوماتها الداخلية والخارجية!
واقعياً, يمكن القول إن الانتخابات ثبتت الأكثرية النيابية لـ«14 آذار», وثبتت المعارضة في مقاعدها ذاتها في مجلس الـ2005, ولكن مع كتلة فضفاضة للعماد ميشال عون. الا ان اهم ما في هذه الانتخابات انها ضربت فكرة «الوسطية», ليس من خلال النتائج التي اطاحت بالمرشحين المباشرين تحت هذا العنوان, بل من خلال التصويت, الذي اظهر بوضوح انّ اللبنانيين اقترعوا لعصبياتهم, دون ان يعيروا أي اهتمام بهذه الوسطية وأصحابها. ومع بروز النتائج بدا واضحاً, والكلام هنا لشخصية سياسية, ان الوزن السياسي لهذا الطرح قلَّ الى حد ان العناصر التي سوقت نفسها على انها وسطية, ستكتشف انها ستبقى الى اجل غير مسمى, في زاوية العمل السياسي, وليس في نقطة المركز... وموقع الحل والربط.
تعليقات: