بنت جبيل ــ
لم تنزل نتائج الانتخابات النيابية برداً وسلاماً على أبناء القرى والبلدات الملاصقة للحدود مع فلسطين المحتلّة. بل ساهمت في زيادة القلق والخوف من الأوضاع الأمنية والاقتصادية والتنموية، بحيث يمكن الحديث عن ثلاثة هواجس تنتاب الأهالي المقيمين قرب السياج الإسرائيلي الفاصل: الفتنة، وقف كشف شبكات التجسّس وعدم «التغيير والإصلاح».
أهمّ ما يخيف الأهالي هناك هو «إمكانية العمل من جديد على إزالة مصدر القوّة والصمود أي سلاح المقاومة الذي سيؤدي إلى الفتنة والحرب داخل الوطن من دون الخوف على السلاح نفسه أو من حرب إسرائيلية جديدة»، فيقول محمد شاهين، ابن بلدة يارون الحدودية: «كنّا ننتظر فوز المعارضة بالأكثرية النيابية، رغم أن ذلك كان سيؤدّي إلى المؤامرة من خلال حرب إسرائيلية جديدة. لكنّ فوز الموالاة قد يشعل حرباً داخلية، وخصوصاً إذا أعادت الطبقة الحاكمة العمل بقوّة لإزالة مصدر قوّة شعبنا المتماسك في الجنوب. وهذا أخطر من أي حرب قد تشنّها إسرائيل». يضيف: «كنّا نأمل فوز المعارضة للقضاء على مخاوفنا وليس بهدف الوصول إلى السلطة». ويرى في محاولة لإجراء نقد ذاتي: «لا شك في أن ما حصل في 7 أيّار ساهم في التعصّب وخسارة الانتخابات، لكنّ لم يكن هناك مفرّ منه، لولا حصوله لوقعت الحرب الأهلية ولم تجر الانتخابات. 7 أيّار تضحية من حزب الله في سبيل منع الفتنة وإجراء الانتخابات».
يتخوّف أحمد عطوي، المقيم في بلدة مركبا على الحدود مباشرة، من «استمرار الأكثرية المنتخبة في عدم دعم صمود الجنوبيين وإعادة التآمر على السلاح لأنه سبب وجودنا هنا، ما قد يؤدي إلى حرب داخلية لا نريد أن تحدث أبداً، فلا يهمّنا عدد نوّاب المعارضة والمقاومة بقدر ما يهمّنا دعم صمودنا هنا».
سبب ثان للقلق هو تقلّص الاهتمام بالكشف عن شبكات التجسّس الإسرائيلية، التي بدأت بالظهور فجأة قبل موعد الانتخابات. يقول علي قوصان، المقيم قرب مربّع التحرير في بنت جبيل: «يخاف الكثيرون هنا من انتهاء عملية كشف العملاء، بعد إشاعة أنّ الجهد الأمني الحاصل كان له علاقة بتوقّعات فوز المعارضة بالأكثرية النيابية، إضافة إلى الخوف من إصدار أحكام مخفّفة جديدة على الذين ألقي القبض عليهم واعترفوا بالعمالة». ويسأل عن «كيفية تعامل السلطة مع العملاء، وخصوصاً إذا جرى التوّصل إلى كشف شبكات تجسّس رفيعة المستوى ومن الطبقة السياسية الحاكمة، كما أشيع، وإنّ ذلك غير مستبعد بنظر الجنوبيين، لا سيما بعد حادثة شرب الشاي في مرجعيون».
تجربة علي قوصان هي ما يزيد مخاوفه، هو الذي فقد 13 شهيداً من أبناء حيّه في حرب تموز 2006. برأيه «اللبنانيون الذين صوّتوا لم يستطيعوا حتى الآن الاتفاق على تحديد العدوّ والصديق».
أمر واحد يمكنه أن يقلّص من هذه الهواجس يعبر عنه عند حسين رمّال، من بلدة العديسة «تماسك الجنوبيين والتفافهم على خيار المقاومة رغم كلّ الدسائس ومحاولات الابتزاز، وهذا يدعم صمودنا ويؤكد لنا أننا قادرون على هزيمة إسرائيل مجدداً ومنع أي محاولة لإزالة سلاح المقاومة».
الإصلاح والتغيير
لا يتعامل الجنوبيون مع عبارة «الإصلاح والتغيير» باعتبارها مجرد اسم لكتلة نيابية، بل هم عوّلوا عليها كثيراً، وخصوصاً في ما يتعلق بمحاربة الفساد وإصلاح الوضع الاقتصادي. لكنهم الآن باتوا يشككون في تحقيق ذلك مع استمرار الطبقة نفسها في الحكم. فيقول علي بزي (بنت جبيل) القادم من أميركا إنه عاد إلى لبنان بسبب تردي الوضع الاقتصادي هناك، «وهذا ما كان سيفعله الكثيرون من أبناء بنت جبيل، لكن ما حصل في الانتخابات النيابية أفقدنا الأمل بالاستقرار الاقتصادي والتغيير كما كنا نعوّل. أخشى أننا قد نجبر مجدّداً على العودة إلى بلاد المهجر».
تعليقات: