الرئيس نبيه بري
الحريري وجنبلاط يطلقان الخطاب الهادئ.. والحلفاء يصعّدون!..
فتح مروان حماده البازار حول رئاسة المجلس النيابي، وتبعه سمير جعجع بطرح نقاش مسبق بالمواصفات وبحث دفتر شروط حول ما يتصل بترشيح الرئيس نبيه بري. ودخل أحمد فتفت بموقف يمزج فيه السياسي بالشخصي ليرشح بديلا من فريقه. ومن هذا الباب انطلق بطرس حرب بهجوم متقن ومدروس كلمة كلمة، وذريعته المعلنة ما سماه «وعدا اصلاحيا مجلسيا» قال ان بري قطعه ولم يفِ به. وعلى الوتر ذاته عزف عقاب صقر، ولاقاه أخيرهم، وعلى الارجح الا يكون آخرهم دوري شمعون.
ما هو اكيد ان هؤلاء المشتركين في البازار جميعا، لا يقعون في منطقة القرار في «14 آذار»، بل هم جزء من «منظومة التلقي» او الجهاز التنفيذي لما يأتي من فوقهم، هكذا برزوا ونفذوا واعتيد عليهم على الاقل منذ بداية حكم فريقهم في سنة 2005.
وإذا كان أكيدا ايضا ان هؤلاء يعبرون عن الظاهر والمكنون لديهم. فإنهم يكشفون قصدا او عن غير قصد، عن رغبة «مستنفـَرة» في مكان ما ضمن «14 آذار»، في إلباس الرئاسة الثانية مقاسات أكثرية لا تلائم نبيه بري.
لكن المثير للريبة في فتح البازار ليس الرغبات الظاهرة او الدفينة... بل توقيت فتح البازار مع مناخ التهدئة الذي يبثه اصحاب القرار في «14 آذار»، وخصوصا وليد جنبلاط الذي أشهر موقفه بتأييد بري كمرشح وحيد ولا بديل عنه لرئاسة المجلس، وأيضا سعد الحريري الذي اقترن خطابه الهادئ والانفتاحي في اتجاه الطرف الشيعي بتواصل ومراسلات إيجابية بينه وبين رئيس المجلس.
يقود هذا التناقض الواضح بين رأس هرم «14 آذار» وبين من هم ادنى، الى طرح التالي:
ـ هل إن ما بدر عن المشاركين في البازار، هو تعبير صريح عن أمنيات فردية لاشخاص لا يقررون ولا يعبرون عن وزن، أم انها تعبير عن رسائل تؤسس لاشتباك سياسي، أم ان وراء الأكمة ما وراءها؟
ـ هل يستطيع الستة المذكورون نقض، او التناقض مع قرار مرجعياتهم في أي امر مهما كان، او التشويش او خرق الخطاب الهادئ الذي يطلقه أولياء نعمتهم السياسية والنيابية من دون «قبة باط» وإذن صريح من مكان ما. والسؤال الابرز هل ان المرجعيات المذكورة قد اصيبت بالديموقراطية فجأة، ما جعلها تترك لجماعتها التعبير عن رأيها والسماح لها بالكلام على هواها، في أمر بالغ الخطورة والحساسية يتطلب التعاطي معه إحاطته بأعلى درجات الحيطة تجنبا لما قد يترتب عليه من تبعات وسلبيات؟
ـ هل إن الايجابية التي يبديها رموز «14 آذار».. والسلبية التي تبدر عن كل من هم دونهم، تندرجان في سياق توزيع أدوار، ومن أين صدر القرار ومن يقوم بالتوزيع؟
ـ هل ينطوي إظهار الايجابية بيد والسلبية بيد أخرى، على تقصُّد ابراز موقفين في آن معا، بما يعكس الجهوزية لاعتماد أي منهما بحسب الظروف التي قد تنشأ. وبالتالي الميل مع الظروف بحسب المصلحة؟
ـ هل ينطوي إظهار الايجابية والسلبية معا على محاولة لتحسين شروط التفاوض مع بري.
ـ هل تستطيع 14 آذار تلبية رغبات أصحاب البازار، وغيرهم ضمن فريقها، فتقفز الى ارتكاب دعسات ناقصة تترتـّب عليها أثمان باهظة أقلها إطاحة فرص التوافق كلها. علما ان الخطوات حتى الآن لا تشي بذلك؟
ـ بالاستناد إلى ما يرغب به أصحاب البازار، هل تستطيع «14 آذار» أن تتجاوز حقيقة ان لا بديل عن بري رئيسا لمجلس النواب، وهل تستطيع ان تنفي حقيقة أنها لا تملك شخصية لها وزنها يمكن ان تراهن عليها او تستثمر عليها لمنافسة بري وتاريخه وموقعه السياسي وما يمثله على المستوى العام، وفي الوعي العام عند شريحة واسعة من جمهور اللبنانيين؟
ـ لنسلم بعدم وجود توزيع ادوار، او محاولة تحسين شروط، فلماذا فتح البازار من أساسه، ولماذا الهجوم على بري. ألا يمكن ان يؤدي ذلك الى تعقيد الامور بدل ان يسهـِّلها؟
الاجابات الاكيدة على ما تقدم، سترد حكما مع بدء الولاية المجلسية بعد خمسة أيام، وقبل ذلك يحضر السؤال التالي: ماذا يشكل وزن بري في المرحلة المجلسية الجديدة، وما هو حجم الدور الذي يمكن ان يلعبه على المستوى العام؟
ليس صعبا ابدا تقليب بعض صفحات الذاكرة اللبنانية، وتحديد الجهات التي تخصّصت بشن الحملات على بري، والغرف المحترفة سياسيا وإعلاميا التي طبخت وضخـّت الشعارات والاتهامات ضده، وسعت بكل ما تملك من قدرات الى زرعها في الذهن العام. ولم يـُمحَ من الذاكرة اللبنانية ان بري تحمل عبئا كبيرا جدا وظالما ومتجنى عليه عندما وضع في لحظة معيّنة في مرمى النار المباشر في السياسي وفي الشخصي، وأريد له ان يكون ضحية هذه الشعارات والاتهامات، بدءا من رمزيته وموقعه الحليف لسوريا، وصولا الى فترة ما وصفه الاعلام المصنـِّع للاتهامات، «اقفال» المجلس النيابي، والذي ثبت باعتراف كثيرين في داخل «14 آذار» وفي خارجها، ان هذا الاقفال حال دون إلقاء القبض على البلد، ودون إطاحة صلاحيات الرئاسة الاولى، وأنقذ البلد من كوارث فظيعة كانت تنتظره في زمن «النصف + 1».
ولكن في موازاة تلك الحملات، استطاع بري ان يتملك من الحنكة والجرأة والاستعداد للمواجهة، ومن داخل المواجهة الاستعداد للحوار وقيادته، ما مكنه من تجاوز وتفشيل هدف أشرس المعارك السياسية التي أرادت النيل منه سياسيا وحتى على المستوى الشخصي.
والمثير للريبة في مرحلة ما بعد الانتخابات الاخيرة، هو ان بعض المشاركين في الحملة على بري، هم انفسهم كانوا في صدارة المشاركين في الحملة عليه في بداية عهد مجلس الـ2005، متسلحين بـ«فيتو» اميركي ـ فرنسي، مع بعض العرب، لقطع طريق بري الى رئاسة مجلس النواب، والذي سقط بفوز بري. فها هم هؤلاء يعيدون الكرّة اليوم من باب البازار حول رئاسة مجلس النواب، مع استحضار العناوين السابقة ذاتها وأولها اقفال المجلس النيابي.
صحيح أن نتائج الانتخابات الاخيرة اكدت الاكثرية النيابية لـ«14 آذار»، لكنها لم تمنحها قدرة القول بأن لديها ما يوازي نبيه بري فتشهره سلاحا فعالا في وجه المعارضة. بينما في المقابل، اعادت الانتخابات تثبيت بري في الموقع المتقدم، وقدمته مرشحا قويا لا منافس له على رئاسة المجلس النيابي، ومن جهة ثانية، عززت موقعه داخل المعارضة، وكما وسـّع هامش حركته، التي اعتمدها في السنوات السابقة، وسعى من خلالها ونجح في تثبيت موقعه في منطقة التواصل الايجابي بين الموالاة والمعارضة، وهذا ما بدا جليا في مبادرته الحوارية في آذار 2006 ومقرراتها الاجماعية.
يقول مطلعون ان نظرة المعنيين بالشأن اللبناني تذهب الى ما بعد الكلام عن هامش واسع لحركة بري في المرحلة المقبلة، اذ قد تتيح له حيوية الحركة التي قد يمتلكها، أن يكون في موقع حجر الرحى الذي تدور عليه الاحداث الداخلية في المرحلة المقبلة. ويرصد هؤلاء المطلعون ايجابيات سعودية على خط عين التينة، بالتوازي مع مديح وثناء تدفق من دمشق في الساعات الاخيرة، الى من تسميه «رجل المرحلة.. القادر على ربط الخيوط والصلات.. القاطن في عين التينة».
تعليقات: