العماد ميشال عون والوزير علي حسن خليل في الدوحة في أيار 2008
ثوابت المعارضة تنتظر الحريري: المشاركة وفق اتفاق الدوحة
(أرشيف ــ أ ف ب)العماد ميشال عون والوزير علي حسن خليل في الدوحة في أيار 2008 (أرشيف ــ أ ف ب)
ملفّ الحكومة ورئاستها لم يُحسَما بصورة نهائية بعد، وهما رهن أشياء كثيرة، بينها القرار الإقليمي بمستقبل الوضع في لبنان، ما يعني عودة إلى الحوار السعودي ــ السوري، وليس معلوماً هنا ما إذا كنا أمام مفاجأة في هذا المجال
فتحت عودة النائب سعد الحريري إلى بيروت الباب أمام مرحلة جديدة من المشاورات والخطوات التي تنطلق في العشرين من الشهر الجاري، تحت عنوان انتخاب رئيس المجلس النيابي. وبينما تحجم قوى 14 آذار عن ترشيح أي نائب لهذا المنصب، فهي تحاول تحويل بقاء الرئيس نبيه بري في منصبه، إلى ورقة يفترض بالمعارضة أن تدفع ثمنها، علماً بأن النائبين الحريري ووليد جنبلاط حسما الموقف لجهة تأييد بقاء الرئيس بري في موقعه، الأمر الذي يحسم النتيجة لناحية التصويت، لكن الحريري يطلب بعض الوقت للحصول على موقف إجماعي من فريق 14 آذار، وهو يشير بحسب أوساط قريبة منه إلى احتمال لجوء نواب من مسيحيي 14 آذار إلى رفض التصويت لمصلحة بري، وأن الأمر لا يعدو كونه محاولة تسجيل نقاط في الشارع المسيحي، وسعي البعض من هؤلاء إلى انتزاع حيثية مستقلة عن بقية قوى 14 آذار، وهو الأمر الذي رفضته المعارضة، لناحية إبلاغ الفريق الآخر أن موضوع انتخاب بري لرئاسة المجلس غير قابل للمفاوضة، وأن محاولة ربطه بأمور أخرى لن تجدي نفعاً. حتى إن مرجعاً بارزاً في فريق 14 آذار قال هذا الكلام أمام دبلوماسي غربي سأله عما إذا كان هناك إمكان لتعديل في آلية إدارة أمور المجلس النيابي في المرحلة المقبلة.
■ شروط المعارضة الحكوميّة
بعد العشرين من الشهر الجاري، ستُوجّه سريعاً الدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة من رئيس الجمهورية لاختيار الرئيس المكلف تأليف الحكومة. والحلقة التشاورية الأولى التي أجرتها قيادات المعارضة في ما بينها، أفضت إلى توافق أوّلي على سلسلة من الخطوات الواجب التعامل معها في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في ما يتعلق بتأليف الحكومة الجديدة. ويمكن اختصار التفاهمات التي قامت بعد سلسلة من الاجتماعات الجوّالة بالآتي:
أولاً: تجديد وحدة المعارضة، وعدّ الانتخابات النيابية الأخيرة محطّة بارزة على صعيد تثبيت التحالف السياسي بين القوى المشكّلة للمعارضة، وأن تجربة جزين على وجه التحديد لم تترك أي نوع من الآثار المباشرة أو الجانبية على الوحدة السياسية. وبالتالي فإن كل التقديرات بشأن احتمال ابتعاد الرئيس نبيه بري، ولو قليلاً، ليست في محلها.
ثانياً: إن المعارضة، بمعزل عن مراجعتها الذاتية لما آلت إليه نتائج الانتخابات، تقترب من موقف حازم باتجاه عدّ اتفاق الدوحة غير قابل للتعديل أو الشطب، وإن كلام فريق 14 آذار عن أن الانتخابات النيابية أنهت مفاعيل الاتفاق، لا يعدو كونه مناورة سياسية لا يمكن إدراجها على أي طاولة بحث.
ثالثاً: إن المعارضة توافقت في ما بينها على أن الثلث الضامن هو شرط أساسي لأيّ شكل من أشكال المشاركة في الحكومة المقبلة، وإن أي صيغة لا توفر للمعارضة هذا الثلث ستكون مرفوضة بإجماع قوى المعارضة. وإن البديل سيكون سقفاً جديداً وضعه العماد ميشال عون الذي أكد مبدأ النسبية في التمثيل الوزاري ربطاً بنسبة التمثيل النيابي لفريقَي الموالاة والمعارضة.
رابعاً: إن المعارضة لديها سلّة من الأولويات، وهي لا تتضارب ولا تتجزأ، وبالتالي هي لا تقبل بأي نوع من المقايضة التي يعمل بعض أقطاب 14 آذار على تسويقها، مثل القول بأن توفير ضمانات لسلاح المقاومة، من شأنه دفع المعارضة إلى التخلي عن مطالب أخرى، بينها الثلث الضامن.
خامساً: إن المعارضة تبدي خشية من محاولة وضعها في مواجهة مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وهي بمعزل عن تقويمها لموقف الرئيس سليمان ودوره خلال الانتخابات، ترفض بالتالي أي محاولة لنقل جزء من حصة المعارضة أو تمثيلها إلى رئيس الجمهورية، ويبدأ الاعتراض من أن المعارضة لن تقبل بصيغة العشرات الثلاث، علماً بأن فريق 14 آذار يرفضها أصلاً.
سلاح المقاومة... وملف التوطين
يبدو واضحاً أن في فريق 14 آذار من يريد أن تكون الحكومة المقبلة تعيش مرحلة استقرار. وهم رتّبوا لأجل ذلك سلسلة من الأولويات التي تفترض تسويات ممكنة أو ضرورية مع الطرف الآخر. وإذا كانت رغبة هذا الفريق كبيرة وواضحة حيال عدم منح المعارضة الثلث المعطل، فهذا يتطلب رشوة بالمقابل، وهو ما يعتقد الأكثريون أنه ممكن من خلال حجم الرسائل المتواصلة بشأن ملف سلاح المقاومة، على اعتبار أن حزب الله يمثّل برأيهم العمود الفقري ورأس المعارضة، ومتى تم التوافق معه سارت الأمور على خير مع الآخرين.
سعد الحريري نفسه سارع إلى القول إنه مستعد لأن يقدم كل الضمانات الخاصة بهذا السلاح. وهو طلب إلى أركانه والمقربين منه سياسياً وإعلامياً، وحتى أمنياً، تأكيد أن ملف المقاومة ليس على طاولة النقاش الآن، وأنه متروك لطاولة الحوار، وأن مشاركة المعارضة، وتحديداً الشيعة، في الحكومة تفترض توفير ضمانات لهذا العنوان، ثم بعث بطرق رسمية وغير رسمية من يقول بأنه مستعدّ لتثبيت ما ورد في البيانات الوزارية الأخيرة بشأن المقاومة، وأنه يتكفل بحلفائه المسيحيين. وهو في هذا المجال تناغم مع النائب جنبلاط الذي «نصح» بإبعاد هذا الملف الساخن عن النقاش حتى لا يفجر أي تسوية ممكنة.
لكن هل صحيح أن المقاومة تحتاج إلى ضمانات من هذا النوع؟
حتى قبل يومين، كان هناك من يتساءل عمّا إذا كان فريق 14 آذار سيرفع الغطاء الشرعي بمعناه الرسمي عن المقاومة، علماً بأن كل الخطب التي أُلقيت من جانب حزب الله، بما في ذلك الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، غداة إعلان النتائج، لم يتطرق إلى الأمر على أنه مشكلة. بل على العكس تماماً، فإن الحزب على وجه الخصوص، يرى أن ما مرّ حتى الآن على البلاد منذ خمس سنوات إلى الآن، قد حسم الأمر بصورة نهائية، وأنه لا مجال لأي حكم يريد إدارة الوضع في لبنان إذا ما فكر في مناقشة مشروعية المقاومة وسلاحها. ثم جاء خطاب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ليقفل هذا البحث، بل على العكس فإن أي حكومة جديدة، ستكون مضطرة لأن تقدم برنامج عمل لا مجرد موقف من كيفية مواجهة التهديد الإسرائيلي، وخصوصاً أن ملف مواجهة شبكات التجسس لن يتوقف، بل قد يكون اللبنانيون قريباً أمام مفاجآت على هذا الصعيد، ولا يبدو أن نتائج الانتخابات من شأنها تعطيل هذا العمل أو الحد منه أو حتى توفير ضمانات أو تغطية لأي من المشتبه فيهم.
أما الأمر الثاني الذي يفترض بأي مرشح لرئاسة الحكومة أن يوفر له برنامجاً عملياً، فهو المتعلق بملف التوطين، وخصوصاً بعد تصريحات إسرائيل الأخيرة، وبعد ما ظهر من مداولات مع دبلوماسيين غربيين زاروا بيروت أخيراً، وهم أشاروا إلى أن عملية السلام تتطلب قرارات صعبة من الجانبين العربي والإسرائيلي، وعندما استفسر البعض عن المقصود، كانت هناك إشارات واضحة إلى ملف التوطين من خلال القول بأن على لبنان كما على بقية الدول العربية تحمّل المسؤولية إزاء معالجة نهائية ودائمة لملف اللاجئين الفلسطينيين.
وعليه، يبدو أن المعارضة تسعى إلى تعطيل مسبق لأي محاولة لمقايضة الموقف من المقاومة بالموقف من المشاركة. لأن النقاش الذي لا يزال متفرقاً عند أوساط معارضة لم ينته بعد إلى تحديد المطلوب من فكرة المشاركة في الثلث المعطل، لأن في فريق 14 آذار من يعتقد بأن الهدف الوحيد هو عنوان المقاومة وهذا غير دقيق. حتى إن قطباً بارزاً في المعارضة ذكر أنه خلال مناقشة البيان الوزاري للحكومة الحالية، رفض رئيسها فؤاد السنيورة وضع برنامج عمل لمواجهة مشروع التوطين، وحتى رفض جعل العنوان مادة رئيسية على طاولة الحوار، وظل متمسكاً بكلام عام، علماً بأنه يعرف أن الدستور نفسه حسم الموقف من رفض التوطين، وأن على الحكومة أن تضع برنامجاً، من دون أن ينجرّ أحد إلى أساليب ذات طابع عنصري مثل الكلام على تهجيرهم أو ترك أمرهم لأحد آخر، وهو التطور الذي أضيف إلى خطاب قسم من المعارضة لناحية تأكيد حق العودة.
■ أيّ مشاركة ولأيّ هدف؟
حتى اللحظة، لا يمكن الادّعاء أن هناك توافقاً مفصّلاً بين قوى المعارضة على تحديد برنامج المشاركة. وليس بين أيديهم وأيدي الجمهور سوى العنوان الذي يقول إن المعارضة تريد المشاركة، وهو أمر يتطلب مناقشة من نوع مختلف بحسب أحد المراقبين الذي يدعو إلى عدم إهمال لجوء فريق 14 آذار ومن خلفه السعودية والولايات المتحدة إلى قرار بتأليف حكومة من دون مشاركة المعارضة.
وبرأي هذا المراقب، فإنه في حال تعذُّر توفير متطلبات المشاركة بحسب شروط المعارضة، فإن سعد الحريري سيكون مضطراً لبتّ أمور عدة، من بينها:
ـــــ هل هو مستعدّ لتدشين تجربته رئيساً للحكومة من دون حصوله على ضمانات كافية بأنها سوف تعيش مرحلة من الاستقرار السياسي والشعبي. وبالتالي هل هو صاحب مصلحة في أن يبدأ هذه التجربة بحكومة تمثّل جهة واحدة في البلاد؟
ـــــ هل الدول الراعية للحريري ولفريق 14 آذار تريد «حرق» الرجل من اليوم الأول، وهي التي تعرف أن المعارضة لن تمارس دورها كما هو متوقع في الأدبيات الغربية من خلال بيانات احتجاج أو مساءلة الحكومة، كذلك، إن في ذهن أحد غير البطريرك الماروني نصر الله صفير معادلة أن الموالاة تحكم وأن المعارضة تحاسب. بل إن المعارضة لن تنتظر طويلاً حتى تنطلق في برنامج اعتراضي يكون الشارع إحدى أبرز أدواته، من دون أن تقع تحت ابتزاز أن الشارع يهدّد السلم الأهلي.
ـــــ هل بمقدور السعودية إبرام اتفاق مع سوريا من دون توفير ضمانات تحتاج إليها قوى المعارضة، وبالتالي هل في فريق 14 آذار من يراهن على انقسام في موقف المعارضة، أو على استمالة الشيعة على حساب المسيحيين؟
وبرأي هذا المراقب، وبإزاء برنامج العمل المطلوب من فريق 14 آذار إقليمياً ودولياً، فكرة تأليف حكومة بلون واحد فكرة قائمة، وبالتالي يصبح خيار إبقاء الرئيس فؤاد السنيورة في منصبه خياراً حقيقياً، وبالتالي يترك له أمر إدارة حكومة من لون واحد لفترة لا تستمر إلا لأشهر قليلة، على أن ينجز خلالها مجموعة من الخطوات الأساسية على صعيد الإمساك بمقدرات الحكم ومفاصله الأمنية والعسكرية والقضائية والمالية، وربما التورط في مواقف خارجية من شأنها تهديد الوحدة الوطنية، وأن يصار بعد ذلك إلى استقالة هذه الحكومة وترشيح سعد الحريري لترؤس حكومة وحدة وطنية تعطى المعارضة فيها الثلث المعطل، لكن من دون أن يكون هناك أي جدوى لهذا الثلث، غير المشاركة في تحمل مسؤولية الخراب الذي ستتركه حكومة السنيورة.
■ من يدفع الثمن؟
حتى اللحظة، يرى كثيرون أنّ من المبكر البحث في الملف الحكومي، ولكلٍّ أسبابه. في المعارضة من يقول بأن علينا انتظار الفريق الآخر، وفي المعارضة أيضاً من يهتم بأن يُتجاوَز ملف رئاسة المجلس بأقل الأضرار الممكنة. وفي فريق الأكثرية كلام يقال بالواسطة، مثل أن سعد الحريري لا يقول أي موقف من مبدأ الثلث المعطل، ولا يقدم أي نوع من التحفظ على إعادة انتخاب بري. لكنه يترك لحلفائه القيام بالأمر، سواء الفريق المسيحي الذي يريد من فريد مكاري تولّي إخضاع بري لامتحان في الحقوق الدستورية والتشريعية، بينما يخرج فؤاد السنيورة من باب الرئاسة المصرية محذراً من الثلث المعطل. لكن الحريري لا يقول أي كلام، فيما يعدل جنبلاط من لهجته، فيعلن رفضاً للثلث ثم يعود ليتحدث عن أن الأمر لا يزال مبكراً. والحقيقة أن الجميع ينتظر الإشارة الخارجية: ما هو الموقف الحقيقي للولايات المتحدة والسعودية من هذا النقاش؟ وبانتظار الحصول على الجواب، فإن المعطيات ليست من النوع المقلق، لكنها ليست بالإيجابية التي تصوّرها الماكينة الإعلامية التي حذّرت اللبنانيين من أن فوز المعارضة يعني الجحيم بعينه، وأن بقاء جهابذة 14 آذار يعني الجنّة بنعيمها... فمن سيدفع الثمن؟
15 + 5 + 10
يجري التداول بين أقطاب فريق 14 آذار بأن الصيغة البديلة من الثلث الضامن للمعارضة، هي ترك الكتلة الوزارية الحاسمة لرئيس الجمهورية، بحيث لا تأخذ الأكثرية إلا 15 وزيراً، فلا يكون النصف + واحداً معها، وتأخذ المعارضة عشرة وزراء، فلا يكون الثلث المعطّل معها. ويفترض أصحاب هذا الاقتراح أن 14 آذار تكون قد تخلّت عن حقها في إدارة الحكومة بطريقة تتناسب وحجمها النيابي، وتكون المعارضة قد شاركت دون تهديد عمل الحكومة، ويكون الرئيس قد أخذ الحصة التي تجعل دوره قوياً بين الطرفين.
إلى البيت
لفت انتباه متابعين إلى أن الرئيس فؤاد السنيورة طلب من مساعدين ومن أقرباء إشاعة أجواء عن قيامه بإعادة تأهيل منزله في بيروت، وتنظيم منزله في صيدا استعداداً لمغادرة السرايا الكبيرة، وتولي الإدارة السياسية لتيار «المستقبل» بعد تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة. ويصر هؤلاء على أن مساعديه الحاليين سيكون لهم وظائفهم المؤمنة في الدولة وخارجها.
من يكون وزيراً؟
بينما قرر الرئيس نبيه بري عدم توزير أيّ من نوابه في الحكومة المقبلة، يسعى النائب سعد الحريري إلى مناقشة الفكرة مع مقربين منه لإرضاء من أُبعدوا عن اللوائح الانتخابية. بينما لم يقرر العماد ميشال عون شكل مشاركته في الحكومة مقابل ثبات سليمان فرنجية عند رفضه أن يكون هو شخصياً في الحكومة، أما حزب الله، فإنه مستعد لتكرار التجربة الحالية لتوزير حلفاء.
فرنجيّة والرشوة
بخلاف ما يعتقد أركان فريق 14 آذار من المسيحيين، فإن في قيادتهم من يرى أنه ليس من الخطأ رشوة النائب المنتخب سليمان فرنجية بتمثيل وزاري قوي، شرط أن يكون هذا جزءاً من عملية إبعاد العماد ميشال عون عن الحكومة، وهو الأمر الذي يجعل فرنجية يقلب على ظهره من الضحك، لأنه يحتاج إلى مزيد من الشرح بشأن نوعية تحالفه مع عون بخلاف ما يعتقد خصومه.
تعليقات: