خلال أحد نشاطات جنسيتي
بعدما فشلت السلطتان الاشتراعية والتنفيذية في الاعتراف بحق المرأة اللبنانية منح جنسيتها لعائلتها رغم كلّ الوعود، جاءت العدالة من السلطة القضائية التي أصدرت أمس حكماً ـــــ سابقة يعطي الحق لامرأة لبنانية متزوجة بأجنبي بمنح أطفالها القاصرين جنسيتها
في 5 حزيران الجاري كانت حملة «جنسيتي» تعقد مؤتمرها الصحافي الأخير قبل الانتخابات، وتعلن فيه أسفها لنكث السياسيين بوعودهم إمرار مشروع يعيد إلى المرأة اللبنانية حقها في منح جنسيتها لأسرتها. قبل ذلك بيوم واحد، كانت محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان، الغرفة الخامسة في جديدة المتن، تختم جلسات المحاكمة في قضية رفعتها سيدة لبنانية، اسمها سميرة (تحفّظ المعنيون عن إعلان هويّتها كاملة إلا إذا رغبت هي في ذلك)، تطالب فيها بإعطاء أولادها القاصرين جنسيتها اللبنانية. سميرة متزوجة بأجنبي ورُزقت منه أربعة أولاد قبل أن يفارق الحياة في 14 تشرين الثاني 1994.
بعد 12 يوماً من انتهاء الجلسات، صدر الحكم عن القاضي جون قزي وعضوية القاضيتين رنا حبقا ولميس كزما يعتبر فيه الأولاد القاصرين لبنانيين، ويقيّدهم على خانة والدتهم في سجل الأحوال الشخصية ويعطي كلاً منهم بطاقة هوية.
لكن، هذه الدعوى تعود أربع سنوات إلى الوراء، وتحديداً إلى 7 نيسان 2005، حين رفعت سميرة الدعوى في وجه الدولة اللبنانية ممثلةً برئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، طلبت فيها الحكم بإعطاء أولادها القاصرين جنسيتها اللبنانية، محتجة بتطبيق مبادئ العدل والإنصاف على أحكام الفقرة الثانية من المادة الرابعة من القرار رقم 15 الصادر بتاريخ 16/1/1925 (نصُّها مدرج في حيثيات الحكم أدناه) التي تسمح لأجنبية مجنّسة بمنح جنسيتها اللبنانية لأطفال أجانب من زواج سابق فيما تحرم اللبنانية هذا الحق.
في البداية ردّت الدولة اللبنانية الدعوى شكلاً «إذ إنه لا يجوز التوسع في تفسير المادة الرابعة من القرار رقم 15». فرفعت الدعوى مجدداً، هذه المرة الأم وابنتها «التي كانت قاصراً بتاريخ تقديم الادعاء الراهن، ثم بلغت سن الرشد أثناء المحاكمة، وهي لا تزال مصرّة على الاستحصال على جنسية والدتها اللبنانية». هذه المرة تقدمت النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بمطالعتها «تاركة أمر التقدير للمحكمة».
المفارقة خلال السنوات التي استغرقتها الدعوى، أن المحكمة كانت تدعو إلى الجلسات فلا تحضرها المدعية أو محاموها، ربما يأساً من إمكان الوصول إلى نتيجة مع التسييس الذي تواجَه به هذ القضية في لبنان. لكنّ المدعية عادت لتحريك دعواها مجدداً. وفي الجلسة المنعقدة بتاريخ 4 حزيران الجاري اختُتمت المحاكمة وفقاً للأصول ليصدر الحكم في 16 الجاري، معلّلاً بالكامل. وإننا إذ ننشر أبرز ما ورد فيه نظراً إلى ضيق المساحة، نلفت إلى متعة قراءة المطالعة كاملة، وخصوصاً أن معطياتها تمثّل مادة جدية تتيح للناشطين في الدفاع عن حق المرأة بمنح جنسيتها لأطفالها اعتمادها مستنداً قانونياً يدعم وجهة نظرهم بعيداً عن دهاليز السياسة.
في الشكل أكد القاضي صلاحية المحاكم العدلية النظر في هذه الدعوى حسب نص المادة التاسعة من القرار رقم 15 الصادر بتاريخ 16/1/1925 والمادة الأولى من القانون رقم 68 تاريخ 4/1/1967.
أما في الأساس، وبعد شرح قانوني لحقّ القاضي في الاستنتاج والقياس فانطلق القاضي في حكمه من نص المادة 4 من القرار رقم 15 الصادر في 19/1/1925 والمعدّل بالقانون تاريخ 11/1/1960، الذي جاء فيه أن «المقترنة بأجنبي اتخذ التابعية اللبنانية، والراشدين من أولاد الأجنبي المتخذ التابعية المذكورة، يمكنهم إذا طلبوا أن يحصلوا على التابعية اللبنانية بدون شرط الإقامة سواء أكان ذلك بالقرار الذي يمنح هذه التابعية للزوج أو للأب أو للأم أو بقرار خاص. وكذلك الأولاد القاصرين لأب اتخذ التابعية اللبنانية أو لأم اتخذت هذه التابعية وبقيت حية بعد وفاة الأب فإنهم يصيرون لبنانيين، إلا إذا كانوا في السنة التي تلي بلوغهم سن الرشد يرفضون هذه التابعية». كما أن الفقرة الثانية من المادة نفسها تناولت حال الولد غير الشرعي الذي ثبتت بنوته وهو قاصر، واعتبرته لبنانياً «إذا كان أحد والديه الذي تثبت البنوّة بالنظر إليه لبنانياً» علماً أن الأم هي غالباً من تعطي جنسيتها لطفلها غير الشرعي.
هذه المادة عددّت إذاً «حالتين لإعطاء الجنسية اللبنانية لقاصرين تبعاً لجنسية الأم اللبنانية، وسكتت عن حال القاصر المولود من أم لبنانية في الأساس احتفظت بجنسيتها أو استعادتها وكان لا يزال قاصراً لدى وفاة والده، وهي الحال التي يحتم التسلسل المنطقي والقانوني السليم اعتبارها مشمولة بالمادة المذكورة من باب أَولى، إذ من غير المنطقي اعتبار المتجنّسة في مركز أفضل من اللبنانية الأصل التي احتفظت بجنسيتها اللبنانية، وخاصة لدى انتفاء أي حجة منطقية مقنعة يمكن أن تبرّر عدم مساواة الأخيرة بالأولى في هذا المجال. فهل يمكن تصوّر أن القانون اللبناني قد أعطى الأفضلية للمرأة الأجنبية على المرأة اللبنانية، مع العلم أن كل قانون يلحظ حقوقاً معينة، إنما يلحظها لصالح المواطن قبل الأجنبي!».
«وحيث إنه، لا يوجد نص قانوني يمنع إعطاء الأم اللبنانية الأصل جنسيتها لولدها القاصر بعد وفاة الزوج الأجنبي، وبالتالي يطبّق المبدأ القائل إن الأصل في التشريع هو الإباحة وليس المنع، ولو أن في قوانين الجنسية خصوصية تستدعي المواءمة بين موجبات الحظر ومقتضيات التبرير. لا بل إن المادة السابعة من الدستور اللبناني ساوت كل اللبنانيين، رجالاً ونساءً، أمام القانون دونما فرق بينهم (...) فيكون لها، مثله، أن تُكسِب أطفالها جنسيتها، إذا ما تزوجت بأجنبي، مع ما يستتبع ذلك من ترسيخ لرابطة الأطفال ببلد الأم، وتأمين وحدة جنسية العائلة بعد وفاة الزوج، وتسهيل انتماء هذه العائلة وتجميعها في وطن واحد، وهو الأمر الحاصل واقعاً إذ إن أولاد المدعية يعيشون معها في لبنان، وهم لا يرتبطون بموطن والدهم إلا من خلال الجنسية الأجنبية».
وتابع القرار: «وحيث إن النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بتركها البت بأمر الدعوى لتقدير المحكمة، إنما تكون قد تركت لوقائع الملف المسندة أن تبرّر الحكم متجاوزةً النقص في النص أو الغموض فيه، نافية وجود أي مانع يحول دونه، وهي التي تمثل الحق العام، وتتدخل لحماية مصالحه كلما تعرضت للخطر تفعيلاً لأحكام المادة 8 من قانون الأصول المدنية. وحيث يقتضي في ضوء التحليل المتقدم اعتبار أن أولاد المدعية، الذين كانوا قاصرين بتاريخ تقديم الادعاء الراهن يصيرون لبنانيين، بعدما احتفظت والدتهم بجنسيتها اللبنانية وفقدت زوجها الأجنبي، إلا إذا رفضوا هذه التابعية في السنة التي تلي بلوغهم سن الرشد، الأمر غير المتحقق في القضية الراهنة. والحال هذه، ترى المحكمة إجابة الجهة المدعية في مطلبها، واعتبار الأولاد القاصرين لبنانيين، ويقتضي بالتالي تسجيلهم على خانة والدتهم في سجلات الأحوال الشخصية وإعطاؤهم بطاقات هوية لبنانية».
الوجدان والضمير
رحّبت منسقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» لينا أبو حبيب بالحكم القضائي الذي أنصف اللبنانيات، وقالت لـ«الأخبار» إنه «جاء ليقف في وجه كل الاستهتار الذي تعامل به السياسيون مع هذه القضية العادلة، وهو يؤكد أن من يريد القيام بشيء يستطيع ذلك، إذا كان يعمل بوجدان وضمير»، مشيرة إلى وعود السياسيين المتكررة التي تلقّتها الأمهات اللبنانيات خلال النشاطات التي قمن بها.
الوجدان والضمير كلمتان تكررتا في الحكم القضائي، حيث وردت فيه أسئلة «سطعت في ضمير المحكمة ووجدانها» تتساءل عن حق المساواة بين المواطنين، وعن دور القاضي الذي «لا يمكنه تحت ذريعة انتفاء النص القانوني الراعي للحالة المعروضة أمامه أو إبهامه رد الدعوى أو عدم البت بها إذ يعدّ عندها مستنكفاً عن إحقاق الحق»، وخصوصاً أن القاضي جون قزي يفهم القضاء «عدالة ثم قانون»، مؤكداً أن الحكم «قانوني 100%». ورداً على سؤال أوضح أن الحكم قابل للاستئناف من النيابة العامة (التي تركت للمحكمة اتخاذ القرار) أو من الدولة اللبنانية.
تعليقات: