ملكة الفاكهة الاستوائية الرحالة
لندن:
فاكهة الأناناس من أنواع الفاكهة الجميلة الشكل والطيبة المذاق خصوصا الحلو منها، انتشرت من بعض مناطق القارة الأميركية والكاريبي باتجاه أوروبا ودول العالم وخصوصا جنوب شرقي آسيا حيث توجد بكثرة ويعتمد عليها الكثير من الشعوب. ولأنها من أنواع الفاكهة التي تنمو في المناطق الاستوائية والمحببة والغالية الثمن بشكل عام، فقد استخدم الناس رمزها للتعبير عن مشاعر العداء والصداقة منذ سنوات طويلة. ولطالما استخدم شكلها لإنشاء المباني وصناعة شتى أنواع البضائع. وهي كالكثير من أنواع الفاكهة تستخدم طازجة ومطبوخة وكعصير. وفيما تنتج منها الكثير من المواد المفيدة، تستخدم في شتى أنواع الأطباق أكانت رئيسية أم كحلوى فاخرة. وبالرغم من انتشارها الواسع في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن هذه الفاكهة الطيبة لا تزال مجهولة ونادرة في الكثير من البلدان الفقيرة. يعود أصل النبتة نفسها إلى البرازيل والباراغواي حيث انتشر من هناك باتجاه دول البحر الكاريبي وجنوب القارة الأميركية وخصوصا ما يعرف بـ«الانديز». ويقال إن كريستوفر كولومبوس جلب النبتة الطيبة من جزيرة غواديلوب (التي زارها تشالرز داروين) خلال رحلاته الاستكشافية إلى أميركا إلى أوروبا عام 1493. وقد قدم الإسبان الأناناس إلى الفلبين وجزيرة هاواي وزيمبابوي في بدايات القرن التاسع عشر حيث بدأت أول محاولات تحصيليها على نطاق واسع حول العالم ولغايات تجارية بحتة. وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار إن الدول الأوروبية بدأت اسغلال الأناناس على نطاق واسع عام 1720 وخصوصا أنواع «رد سبانيش» و«هيلو» و«نتال كوين». ويبدو ان ادخاله الى جزيرة هاواي عام 1813 ساهم في بدء انتاجه التصنيعي والمعلب وبكثرة الى جانب الولايات المتحدة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وساهمت شركتا «ديل مونتي» (Del Monte ) و«دول» (Dole) المعروفتان بإنتاج الأناناس وتوزيعه على نطاق واسع. وتشير المعلومات المتوفرة، إلى أن شكل الأناناس كان يرمز الى العداء لدى اهل الكاريبي، وكان وضع حبة اناناس على مدخل البلدة في بعض بلدات اميركا اللاتينية والوسطى يعني ترحيبهم بالجنود الاسبان ولا يبغون أي اذى لهم. وهذا الرمز انتقل الى اوروبا لاحقا واميركا الشمالية ايضا حيث اصبح وضع منحوتة خشبية للأناناس على مدخل المزارع تقليدا عاديا. ويقال ان ملك اسبانيا تشالرز الخامس كان اول من تذوق هذه الفاكهة الطيبة في اوروبا ورغم طعمها الـ«مز» او القاسي او الحامض آنذاك، فقد بدأت عمليات زراعة الأناناس بكثرة عام 1642 وبإيعاز من ملك انجلترا تشارلز الثاني الذي احبها حبا جما. كما ساهم ملك فرنسا لويس الخامس عشر في انتشارها ايضا إذ طلب من معاونيه زرعها في حدائق قصر فرساي. لكن لويس الخامس عشر قطع شفته عندما حاول اكل الاناناس بقشره. وقام لا كور وهو احد التجار الفرنسيين في بداية القرن الثامن عشر بزرع نبتة الأناناس في «البيوت الزجاجية» لأول مرة وبنجاح. وكانت هذه الفاكهة الغريبة من اغلى انواع الفاكهة في اوروبا في منتصف القرن الثامن عشر بسبب كلفة زراعتها واستغلالها. وقد حافظ الأناناس على سعره الغالي دوليا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وبشكل اصح بعد السبيعينات.
ولطالما حمل البحارة من جميع انحاء العالم معهم حبة الاناناس خلال اسفارهم ورحلاتهم الطويلة لمعالجة بعض الامراض الخطيرة، وكانت الحبة في المنزل تعني عودة البحار الى عائلته بسلام وانه مستعد لرؤية واستقبال الزوار . وفي الولايات المتحدة كان الكثير من العائلات تضع حبة الأناناس وسط طاولة الطعام لشكلها الجميل وخصوصا خلال الوجبات الخاصة بالاحتفالات الدينية وغيره. وكانت عائلات اخرى تتناولها بعد الطعام من وقت لآخر. ورغم استخدامها احيانا للتعبير عن الترحيب واحيانا اخرى عن العداوة، فإن الزوار كانوا ينامون في الغرفة التي تحمل رمز الأناناس. وفي الماضي كانت رموز الأناناس منتشرة في كل مكان، وقد اطلق بعض المستعمرين الاوروبيين الجدد في اميركا من كارولاينا وجورجيا وفرجينيا في بداية القرن التاسع عشر على بلدتهم اسم «باين ابل» (Pine Apple) تيمنا بالنبتة الطيبة التي منحت اشجارها بلدتهم جمالا خاصا وجلبت لهم الثروة. ولذا اطلق عليها آنذاك اسم «فريند شيب» ( Friendship ) الذي يعني «الصداقة». ولا يزال اهل الولايات الجنوبية يستخدمون رموز الأناناس في صناعة القدور والصواني الخشبية. كما استخدم الرمز كثيرا في المطرزات البلدية في الكثير من المناطق وخصوصا التي تعلق على الحيطان وتستخدم كأغطية لطاولات الطعام. ولا يزال الناس في كل مكان يستخدمون الرمز والشكل الخاص بالأناناس في صناعة الزجاج وتلوين المناشف وصناعة «مسكات» الأبواب وصناديق البريد وغيره من البضائع الكثيرة. يعود اصل اسم الأناناس بالإنجليزية «باين ابل» (pineapple ) كما يبدو الى كلمة «باين كون» (pine cone)، أي «كوز الصنوبر» للتشابه بين النبتتين من ناحية الشكل حسب وثائق عام 1398، ووثائق عام 1664، أي بعد اكتشاف اوروبا الفاكهة اللذيذة. وتم استخدام الاسمين خلال فترات تاريخية مختلفة، لكنه بدأ في المناطق والمستعمرات التي تتحدث الإنجليزية. ومع هذا فإن اسم النبتة العلمي والنباتي «اناناس كوموسوس او أناناس (Ananas comosus-ananas) يعود الى الكلمة البرازيلية (ريوديجينيرو) «ناناس» (nanas) التي تعني «صنوبر» (pine )، على حد ذمة ذيفينيت عام 1555. وكلمة كوموسوس تعود لوصف جذع النبتة. وقد اطلق الإسبان على النبتة اسم «انانا» (anan? ) واحيانا «بينا» (pi?a,). وتعني كلمة «أنانا» الفاكهة الممتازة. ولا تزال الكثير من الدول مثل الدول العربية وهولندا ورومانيا وبولندا والمانيا وفرنسا وايطاليا والسويد وروسيا تطلق على النبتة اسم «أناناس» (ananas) التقليدي منذ زمن طويل. ويطلق على النبتة في اللغة التاميلية (annachi pazham ) وفي اللغة البنغالية «اناروش» (anarosh). ومع هذا يطلق عليها اهل مالاي (Malay) اسم «ناناس» او «نيناس» (nenas ). والمهم في كل هذا ان البرتغاليين هم الذين رسخوا الاسم في اوروبا «اناناز» (ananaz) المستوحى من «نانا» الكاريبية الأصل.
وكالعديد من انواع الفاكهة والخضار الرئيسية، تعتبر فاكهة الأناناس من المواد المهمة للكثير من الدول النامية وخصوصا جنوب شرقي آسيا ومصدرا مهما من مصادر الدخل ـ بسبب الصادرات ـ بالإضافة الى كونه جزءا اساسيا من المنظومة الغذائية الرئيسية في هذه البلدان. وتعتبر كل من تايلاندا والصين والفلبين والبرازيل من الدول الرئيسية المنتجة للفاكهة الاستوائية الطيبة في العالم. وقد صدرت هذه الدول وحدها ما نسبته خمسين في المائة من الأناناس في العالم عام 2004. ومن الدول الرئيسية ايضا في هذا المضمار كل من نيجيريا والهند والمكسيك واندونيسيا وكينيا وكوستاريكا. وقد وصل الإنتاج العالمي من الأناناس حسب منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة في عام 2004 الى 15 مليون طن متري. ولطالما تربعت تايلاندا على رأس لائحة الدول المنتجة للأناناس منذ السبعينات وقد احتلت الصين المرتبة الرابعة من ناحية الإنتاج نهاية التسعينيات من الهند التي انتجت آنذاك ما يقدر بـ1.3 مليون طن متري. ووصل حجم الصادرات في العالم عام 2005 حوالي 22 مليون طن متري وحازت كوستاريكا على رأس اللائحة بنسبة 41 في المائة من الكميات المصدرة حول العالم، أي ضعف ما كانت عليه عام 2000. ومن اهم المصدرين ايضا الفلبين بنسبة 10 في المائة تقريبا وساحل العاج وهولندا بنسبة 4.5 في المائة والولايات المتحدة بنسبة 3.6 في المائة. ورغم ان الهند من الدول المهمة في إنتاج الاناناس فإنها لا تصدر الكثير منه الى الخارج. ويعتبر الأناناس المعلب من اهم منتجات الأناناس التي تصدر الى الخارج وتشكل نسبة كبيرة من مصادر دخله. وترتفع الكمية المنتجة من المعلب كل عام حسب الإحصاءات الأخيرة. وتصدر كل من اندونيسيا وتايلاندا والفلبين ما نسبته 72 في المائة من الأناناس المعلب في العالم. والاهم من هذا، وفضلا عن طعمها ومذاقها الطيب واللذيذ، فإن فاكهة الأناناس من انواع الفاكهة المفيدة جدا للصحة وللجسم ، إذ انها تحتوي على كمية كبيرة من الفيتامينات والمعادن وكمية قليلة من الدهون. ويوصف الأناناس عادة للذين يعانون من مشاكل واضطرابات في الامعاء. ويعتقد البعض انها تساعد على الولادة بعد الحمل. ولأن نبتة الأناناس تحتوي على كمية لا بأس بها من الكالسيوم فإنها مفيدة ومقوية جدا للعظام ومانعة للتسوس لدى الأطفال. اضف الى ذلك المنغنيز الذي يعتبر من المواد الرئيسية في عملية بناء العظام وبعض الأنسجة. ويقال ايضا ان النبتة مفيدة جدا كما هو الحال مع البرتقال لعلاج النزلات البردية والانفلونزا والسعال لاحتوائها على كمية كبيرة من فيتامين «سي». كما تساهم فاكهة الأناناس في التخلص من البلغم. وتشير آخر الدراسات التي اجرتها احدى الجامعات الاميركية، ان هذه الفاكهة مفيدة جدا للوقاية ولعلاج نوبات الربو والنزلات الصدرية، بسبب احتوائها على مادة الـ«بروميلين» (bromelain ). وتمكن كما يبدو ايضا بعض العلماء والبحاثة في جامعة كوينزلاند في استراليا من اكتشاف فعالية البروميلين ( يستخدم لتليين اللحم ) المستخرج من جذع النبتة، في دعم جهاز المناعة في الجسم وبالتالي تدمير الخلايا السرطانية الخطيرة. ولهذا يتوقع ان يتم انتاج ادوية خاصة لعلاج السرطان مبنية على الاناناس. وكان البعض يستخدم الأناناس لعلاج الحروق وعقص الهوام، والبعض الآخر لعلاج الرمل والحصى في الكلى والمثانة والمجاري البولية. كما ان هذه الفاكهة مدرة للبول وتمنع تراكم الدهون في الشرايين، وتساعد على الهضم.
تعليقات: