مناصرات لتيار المستقبل في مهرجان ملعب النجمة ببيروت
قُدّمت قراءات كثيرة لأسباب الفوز الكبير الذي حققته قوى 14 آذار في الانتخابات النيابية الأخيرة. تحدّثت قوى المعارضة عن المال الانتخابي والشحن الطائفي و«استيراد» الناخبين من بلاد الاغتراب، أما تيار المستقبل، فلا يجد في الفوز أكثر من نتيجة لأخطاء خصومه ولخياراتهم التي رفضها الجمهور. ولم يكن حصد المقاعد صعباً في ظل الفريق الذي عمل لحساب الطرف الآخر وضلّله
لا تخفي «الروح الوفاقية» التي بعثها النائب سعد الحريري بعد الانتخابات حال الزهو التي يعيشها مسؤولو تيار المستقبل بعد فوز قوى 14 آذار مرة جديدة بأكثرية مقاعد مجلس النواب. وتبدو تلك الحال جلية في خطاب الانتصار الذي يتحدّث به خصوصاً أولئك الذين أسهموا في الحملة الانتخابية، أو الذين كان لهم رأي مسموع من زعيم تيار المستقبل.
يؤكد أحد هؤلاء أن قراءة تيار المستقبل، بعيداً عن استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، كانت تشير إلى فوز مؤكد لقوى 14 آذار. فـ«حراك الشارع كان واضحاً بالنسبة إلينا، وقبل خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن 7 أيار، كانت قراءتنا أننا سنحصل على 65 نائباً على الأقل. لكن الخطاب رفع من رصيدنا لدى الناخبين من الطائفة السنّية، وما قاله نصر الله في ربع ساعة كان له وقع يعادل حصيلة عمل سعد الحريري مدة 10 أيام على الأقل. وفي الأسبوع الذي سبق الانتخابات، بتنا متيقنين من أن الأوضاع تحسنت على الساحة المسيحية، فوصلت تقديراتنا إلى أن الأمور باتت محسومة لمصلحة لائحتي 14 آذار في دائرتي بيروت الأولى والبقاع الأوسط».
■ الضابط الذي خسر معاركه
ولهذا التقدم الأكثري أسباب تتعلق بالدرجة الأولى بردّ فعل المسيحيين على مواقف العماد ميشال عون وتحالفاته السياسية. فالرجل الذي كان يمثل أكثر من 65 في المئة من المسيحيين خاصم اثنين من ثلاثة رموز لهم مكانتهم الخاصة في وجدان المسيحيين بوجه عام، والموارنة بوجه خاص، أي رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية والجيش.
ورغم أن الرئيس ميشال سليمان بذل جهداً لمواجهة عون في بعض الدوائر، فإنه لم يكن يتمتع بالروح القتالية الكافية للوقوف في وجه رئيس التيار الوطني الحر، ولو توافرت لديه مثل هذه الروح لحصل على نصف ما ناله عون على الأقل.
لكن، في المقابل، قرّر البطريرك صفير وجيشه الأسود مواجهة عون، ونجح في توجيه ضربات موجعة إليه، على صعيد الناخبين الموارنة تحديداً. وبدت هذه الضربات واضحة في كسروان، وهي المنطقة التي تحضن مقر البطريركية المارونية، ولا يمكن إغفال قدر تأثير بكركي المباشر على أهلها. وأتت رسالة البطريرك صفير قبل يومين من الانتخابات لتزيد من صعوبة المعركة في وجه عون، وهو ما أدى إلى أن تلامس نسبة الاقتراع حدود 68 في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة في أي دائرة مسيحية. ويشير المسؤول ذاته إلى أن تراجع عون أوصله إلى حد أن ماكينة 14 آذار الانتخابية في كسروان كانت عند الساعة الواحدة والنصف من فجر اليوم التالي للانتخابات، قد سجلت خسارة لائحة التيار الوطني الحر في كسروان، وبفارق نحو 1500 صوت عن اللائحة المنافسة، وذلك في صناديق الفتوح والساحل. إلا أن أصوات الجرد عادت وعدّلت النتيجة التي لم يكن فيها ما يشرّف من نال تأييداً كاسحاً في الدائرة ذاتها عام 2005.
وإضافة إلى ذلك، فإن من أبرز أسباب تراجع ميشال عون في الساحة المسيحية هو سيره، منذ أربع سنوات، عكس المسار التاريخي السياسي للمسيحيين، وبالتحديد للموارنة. فهؤلاء ذوو هوى غربي، فيما ميشال عون يريد أخذهم شرقاً، وبالتحديد إلى الدول التي ينفرون منها، أي إيران وسوريا.
لكن ألا يقتضي ذلك من تيار المستقبل، الذي يمثل أكثرية الطائفة التي حملت لواء العروبة في لبنان، أن يقف إلى جانب عون الذي واجه المسار التاريخي التغريبي للزعامات المسيحية التقليدية؟ يجيب المقرب من الحريري بالقول إن ذلك في المبدأ صحيح، لكن المسيحيين يتصرفون برد فعل على هذا التوجه العوني. والدليل على ذلك هو دخول القوات اللبنانية إلى أماكن لم تكن تحلم بالوصول إليها، كالمتن مثلاً. فما أقنع ميشال المر وأقطاب لائحة 14 آذار في المتن بضم مرشح القوات إدي أبي اللمع إليها هو استطلاعات الرأي التي أعطت القوات قدرة تجييرية كبيرة في المتن. وإذا استمر الحراك المسيحي على ما هو عليه اليوم، فإن الأكثرية المسيحية ستكون مستقبلاً في أيدي القوات اللبنانية وسامي ونديم الجميّل. فالحالة العونية ستستمر في التراجع، وخاصة أن «الضابط الذي فشل في جميع معاركه العسكرية، لم ينجح في بناء تنظيم سياسي يستمر بعد رحيله».
■ التنظيم الحديدي للماكينات
لكن ألم تكن الماكينات الانتخابية واستقدام المغتربين عوامل مساهمة في فوز قوى 14 آذار بالأكثرية؟ يجيب المسؤول المقرب من النائب سعد الحريري بأن إعلام قوى 14 آذار كان ناجحاً خلال الحملة الانتخابية، وكذلك كان لإطلالات النائب سعد الحريري دور في شد عصب جمهوره، سواء في مهرجان البيال، أو لاحقاً خلال جولاته في المناطق. أما الماكينة الانتخابية، فكانت أيضاً أفضل من ماكينة قوى الأقلية، التي كان عمادها حزب الله. فماكينة الأخير متأثرة بحديدية تنظيمه. لكن أسلوب عمل حزب الله ناجح في المجال العسكري. أما انتخابياً، فلا يمكن الماكينات الانتخابية إلا أن تكون متماهية مع العلاقات الاجتماعية والسياسية اللبنانية، والقائمة على شيء من الفوضى. وهكذا كانت ماكينات 14 آذار، وبالتحديد ماكينة تيار المستقبل، تعمل من دون حسيب جدي. ويضرب المسؤول ذاته مثلاً بشأن ما جرى في إحدى المحطات الانتخابية بين الرئيس الحريري والنائب سمير الجسر. فالأخير كان حذراً في صرف الأموال على الماكينة الانتخابية، وعندما سأله الرئيس رفيق الحريري عن عدد العاملين في الماكينة المذكورة، أجابه الجسر بأنهم 800. فقال له الحريري: «أريدهم بعد أسبوع 20 ألفاً». وكان له ما أراد. ويقول المسؤول الذي رافق الحريري الأب ولا يزال ناصحاً للابن، إن هذه الحادثة تكاد تختصر أسلوب عمل ماكينة تيار المستقبل.
أمر آخر، بحسب قراءة المستقبل، كان له دور فاعل في خسارة الأقلية للمعركة الانتخابية. فالمجموعة التي أجرت استطلاعات للرأي لمصلحة قوى 8 آذار ضلّلت نفسها، ثم ضلّلت الآخرين، وأثبتت عدم صدقيتها.
■ المغتربون والمجنّسون
لكن ماذا عن المغتربين؟ ألم يكونوا بيضة القبّان التي رجّحت كفة قوى 14 آذار؟ ينفي المصدر ذلك، مؤكداً أن التقديرات تشير إلى أن عدد الذين أتوا لانتخاب 14 آذار يكاد يعادل عدد الذين أتوا لانتخاب الخصوم، علماً بأنه ليس هناك أرقام محددة في هذا الإطار، لأن هذا الأمر لم تُدره ماكينة مركزية، فكل لائحة تولت أمر استقدام ناخبي دائرتها.
وماذا عن الناخبين الذين أتوا من سوريا؟ السوريون لم يكونوا على الحياد، لكن وجودهم وراء الحدود جعل قدرتهم على التأثير محدودة، إذ إنه لا أحد سيعرف ما يجري خلف العازل. وعندما اتصل ضباط سوريون ببعض المفاتيح في عكار، لجأوا إلينا وأقنعناهم بأن السوريين لن يتمكنوا من معرفة وجهة التصويت، إذ قلنا لبعضهم إن أحمد فتفت تمكن عام 2000 من الفوز بنسبة عالية جداً من الأصوات، رغم الضغط الهائل الذي مارسته الاستخبارات السورية ضده، في ظل سطوتها على لبنان. وبناءً على هذا القياس، صوّت المجنّسون الذين أتوا من سوريا وفقاً لأهوائهم المرتبطة بالانقسام السياسي في البلاد. فمعظم السنّة والدروز الذين عبروا الحدود اللبنانية ـــــ السورية صوّتوا للوائح 14 آذار، ونحن تمكّنا من دخول بعض التجمعات من خلال عدد من «السماسرة»، وحصلنا على أصوات إضافية.
■ المال السياسي
لكن المال لم يكن سلاحاً حصرياً بين أيدي 14 آذار. فالدور غير المباشر الذي أدّاه حزب الله في الشمال، على سبيل المثال، كان مرتكزاً على المال. ورغم محدودية الإمكانات المالية لبعض الخصوم، «فإنهم كانوا يدفعون 500 دولار ثمناً للصوت الذي كان يكلّفنا 200 دولار»، لكن تأثير ذلك كان محدوداً لأن الناس كانوا قد حسموا أمرهم على أسس سياسية وطائفية ومذهبية. وبناءً على هذه الأسس، كانت المعركة الانتخابية الأخيرة هي القاضية على زعامة آل كرامي في طرابلس، التي تذكّر بتجربة الجيل الثالث من آل المقدّم في المدينة. وتؤكّد قراءة «المستقبل» أن توزير فيصل، ابن الرئيس عمر كرامي، لن يمثّل رافعة لزعامة العائلة في الشمال، «وخاصة أنه ليس وجهاً سياسياً، وهو أصلاً غير متفق مع شقيقه، فكيف سيكون زعيماً؟».
الزعامات التقليدية في طرابلس انتهت إذاً، فمن هو البديل؟ هناك بديل مؤقت هو نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي. لكن أياً من الاثنين لن يتمكن من الحصول على لقب «زعيم» المدينة، لأنهما لا يملكان الكاريزما اللازمة لذلك، وخصوصاً بعدما بات الحريري زعيم السنّة الأوّل في لبنان.
■ الرهان على التوافق الإقليمي
لكن الانتخابات صارت خلفنا، والتفاهم السوري ـــــ السعودي (مع المصري في مرحلة لاحقة) سينسحب حتماً على لبنان. وبناءً على ذلك، يجزم المسؤول المقرب من الحريري بأن تأليف الحكومة المقبلة لن يواجه أي عقبات، باستثناء شد الحبال الذي سيرافق البحث في الحصة التي سينالها كل فريق في الحكومة. وستبقى الاتصالات التي تجري بشكل حثيث بين سوريا والسعودية ضامنة لإزالة أي عوائق أمام عودة الهدوء السياسي إلى لبنان.
أمّا على المدى البعيد، فلا بد من تفاهم بين السنّة والشيعة يضمن الاستقرار. لكن هذا التفاهم لن يجري إلا باطمئنان السنّة في المنطقة إلى أن إيران ستتوقّف عن «تصدير الثورة»، مع ما يعنيه ذلك من ضمانات بعدم استخدام سلاح حزب الله في الداخل اللبناني. لكن أليس الانقسام المذهبي السنّي ـــــ الشيعي سابقاً لأحداث السابع من أيّار 2008؟ يجيب المسؤول «المستقبلي» بأن ذلك كان انعكاساً لما يجري في المنطقة، فنحن المكان الأول الذي تظهر فيه التوترات الإقليمية، والسنّة في لبنان لا يزالون تحت تأثير صدمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وآليات الحكم السوري للبنان خلال العقود الثلاثة الماضية.
■ الهوى الغربي
نتيجة لذلك، اتجه «الاعتدال السنّي في لبنان في المرحلة الأخيرة غرباً، للأسف». لا يلبث المسؤول ذاته أن يستدرك قائلاً: «لا أدري ما إذا كان علي أن أعبّر عن أسفي لذلك أم لا. لكن هذا الأمر مؤقت. فالوجدان السني لا يزال متمحوراً حول القضايا العربية، وبالتحديد القضية الفلسطينية. وتيار المستقبل لم يتفاعل التفاعل المطلوب مع شارعه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، لحسابات إقليمية تتعلق بالموقف من حركة حماس وارتباطها بالمشروع السوري ــــ الإيراني».
وأين المسيحيون بين السنّة والشيعة؟ «لن يعدلوا عن هواهم الغربي، وهم باتوا أسرى الشعور الأقلّوي». يوافق المتحدّث على أن قراءته لواقع البلاد لا تبشّر سوى باستمرار حكم البلاد وفقاً لتكاتف الطوائف وتخاصمها، أو قل هي «إدارة مؤقتة لبلاد يصعب بناؤها».
السلفيّون والجماعة
أكّد أحد المقرّبين من النائب سعد الحريري أن تيار المسقبل تعمّد إبعاد السلفيين عن لوائحه وماكيناته الانتخابية بهدف إظهار حجمهم الشعبي الفعلي، وتجنّباً لادعائهم الوقوف خلف النتائج التي سيحققها التيار. وأضاف المصدر إن أقصى «تطرف» يحتمله المستقبل هو النائب الفائز في عكار خالد ضاهر، مؤكداً أن «الأرض السنّية» في لبنان، بفضل انفتاحها على الطوائف الأخرى والغرب، لا تسمح بنمو التيار السلفي فيها. ويشير المسؤول ذاته إلى أن الجماعة الإسلامية لم تعد تمثّل شعبياً أكثر من «حالة فولكلورية، وأنها لا تستحق أكثر من مقعد نيابي واحد».
برّي مرشّح الحريري لرئاسة المجلس
بات أمر إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي محسوماً لدى تيار المستقبل، بحسب ما يشير أكثر من مصدر مطلع. ويقول أحدهم إن النائب سعد الحريري، سواء تسلم هو رئاسة الحكومة أو لا، لن يبدأ مرحلة جديدة من الحكم في البلاد بشراء «قنبلة مجانية» تتمثل في محاولة فرض رئيس للسلطة التشريعية غير الذي اختارته الأكثرية الشيعية، وهذا فضلاً عن التوافق الإقليمي على التهدئة.
لا عقبات أمام لقاء الحريري ونصر الله
أكّد مطّلعون على العلاقة بين حزب الله وتيار المستقبل عدم وجود أي عقبة أمام عقد لقاء بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله والنائب سعد الحريري، وأن الأمر بات مرتبطاً فقط بالأمور اللوجستية والأمنية. ويقدر هؤلاء أن اجتماع نصر الله وجنبلاط يسهم في التسريع في زيارة زعيم الأكثرية النيابية إلى المكان الذي تفرضه الإجراءات الأمنية الخاصة بنصر الله.
تعليقات: