قبلات بين الرئيس الأسد والملك عبد اللّه في قمّة الكويت الاقتصاديّة
■ جنبلاط عرض تصوّره الداخلي ولم يطلب وساطة نصر اللّه مع سوريا..
■ فرنجية يرفض عرضاً مصريّاً للتعاون مع الحريري أو السنيورة..
■ المعارضة أقرب إلى شرط الثلث الضامن ولقاءات جديدة قريباً..
مع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد، تتّجه الأعين نحو السعوديّة للوقوف على آخر الأخبار بشأن الموقف النهائي من ترشيح النائب سعد الحريري لتولّي رئاسة الحكومة، فيما يتولّى الحلفاء والخصوم تحضير المسرح اللبناني، وتنشط الاتصالات في الكواليس بين العواصم المقرِّرة، كما هي حال لبنان دائماً
لا يزال الحدث الانتخابي مسيطراً على قوى المعارضة. النتائج التي يقال عادة إنها أصبحت خلفنا، لا تزال تتقدم اهتمامات الجميع من أركان التحالف الذي بالغ في قدراته، وتهوّر في بعض حساباته، فكانت خسارته انتكاسة نفسية عند مريديه وجمهوره، وإن ظلّت حصته في البرلمان ثابتة. وإذا كان النقاش لم يرتفع إلى أعلى من أسوار المقارّ الحزبية وأماكن الاجتماعات على ما يفعل آخرون، فإن الأسئلة تلاحق قادة قوى هذا التحالف وكوادره في لقاءات الأفراح والأتراح، وثمة شكوك عند البعض في أن المعارضة تعمّدت الخسارة لأنها غير جاهزة لحكم البلد، وثمة قناعات مركّبة عند آخرين، بأن «الخير في ما وقع». لكن الخلاصة هي أن المعارضة تقترب من مواجهة استحقاقات كثيرة داخلياً وإقليمياً، وعليها أن تعدّ العدة منذ الآن لاتخاذ الموقف المناسب. وجديد الحراك، قرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عقد لقاءات مباشرة ونقاش مفتوح مع حلفائه، سعياً إلى مراجعة المرحلة الماضية ورسم أفق المرحلة المقبلة، وعلى جدول مواعيده فائزون وخاسرون من قوى المعارضة، لكن اللقاء الأهم المرتقب هو بينه وبين العماد ميشال عون «في أي وقت» على حد تعبير المقربين.
وإذ بدا لقاء زعيم المقاومة بوليد جنبلاط قد جاء خارج السياق المباشر، إلا أنه مثّل حدثاً لم يكن مستغرباً منذ أحداث السابع من أيار. يومها ظهرت النتيجة الأولى لهذه المعركة الخاطفة بأن فرضت على جنبلاط جدول اهتمامات أكثر واقعية، واكتشف أنه لم يعد صالحاً لقيادة السنّة بدلاً من الراحل رفيق الحريري، وأن الأمر ليس مرتبطاً فقط برغبة أو قدرة، بل لإدراكه أن جمهور «المستقبل» شعر بأن جنبلاط خذله وهرب من معركة بيروت، وعقد صفقة في الجبل، وانتهى الأمر عند تحالفات من نوع مختلف، جرى تظهيرها تباعاً حتى موعد الانتخابات.
■ اهتمامات جنبلاط وهواجسه
في اللقاء الطويل بين نصر الله وجنبلاط، لم يكن هناك ما هو مفاجئ. قبل اللقاء بأيام قليلة، عُقد لقاء لم يعلن عنه بين جنبلاط وشريكه في الزعامة الدرزية طلال أرسلان بحضور الوزير غازي العريضي. كان الاجتماع بمثابة إعداد للقاء الضاحية، لكنه كان مناسبة لأن يقول جنبلاط كلاماً يشبه كلامه في الخلوة الدرزية، وهو أيضاً جزء من عرضه في اللقاء مع نصر الله.
كان لا بد من استعادة سريعة لكل المرحلة الماضية. قرر جنبلاط مسبّقاً أن لا يثير مع نصر الله ملف العلاقة مع سوريا. لم يشر جنبلاط إلى الأمر بتاتاً في اللقاء. كان يعرف أن نصر الله لا يملك الجواب، كما كان يعرف هو ونصر الله أن الاتصالات التي يجريها طلال أرسلان في هذا الصدد لم تصل إلى نتيجة بعد. لذلك ركّز جنبلاط على أمور كثيرة، من بينها:
أولاً: تأكيده على ما اعتبرها خلفية المواقف التي صدرت عنه في الأعوام الأربعة الماضية، بما فيها تلك التي طالت المقاومة أو سوريا، وانتهى إلى خلاصة من حواضر اليوم، لناحية شعوره بأن إسرائيل ربما تخطّط لعدوان كبير، وأن على الجميع العمل على توحيد الموقف بما يمنع أي انعكاس داخلي لمثل هذا العدوان، وتأكيده أنه سيكون إلى جانب المقاومة، مجدّداً التأكيد أن ملف سلاح المقاومة ليس مدرجاً على جدول أعمال أحد.
ثانياً: عكس جنبلاط مخاوفه من أمور داخلية كثيرة، بينها حذره المستعاد من قوى مسيحية مثل الكتائب و«القوات اللبنانية» وآخرين، وأشار صراحة هذه المرة إلى خشيته من تنامي «الأصولية السنية» وانتشار هؤلاء في أمكنة عدة من لبنان، بما في ذلك إقليم الخروب، أي عنده في ساحل الشوف. وهذه نقطة كان قد لفت إليها جنبلاط عندما التقى أرسلان ثمّ خلال لقائه وفد حزب الطاشناق. وأشار جنبلاط إلى أن هذه المجموعات ليست ذات صلة بالنائب سعد الحريري.
ثالثاً: قال جنبلاط إنه يدعم بقاء الرئيس نبيه بري في رئاسة المجلس النيابي، وهو يدعم أيضاً وصول النائب سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وقال إنه بانتظار عودة الحريري من السعودية، وتبيان ما إذا كان سيقوم بهذه المهمة أم لا. فهو يميل إلى تكليف الحريري، ولذلك يتمنّى على حزب الله وعلى قوى المعارضة أن تتعاون مع القيادي الشاب، وأن تسهّل له أموره، وأن تجري مساعدته على تأليف حكومة مريحة، وأنه أفضل من فؤاد السنيورة، وأنه يقول هذا الكلام لأنه يشعر بفائدته في ما خص إعادة الاستقرار والتعاون بما يخدم البلد، مشدداً على أنه لا يحمل رسالة، وليس آتياً بقصد أن يأخذ جواباً لأحد، كما أنه لا يعرف ما إذا كان سعد سيعود ومعه موافقة على الثلث الضامن أو لا.
رابعاً: يهتم جنبلاط بتوثيق العلاقة بين الدروز والشيعة، وهو يريد استنئناف تواصل كان قائماً بقوة في سنوات سابقة، وعلى مختلف الصعد، وأن يبذل كل الجهد لتعديل المزاج القائم في الأوساط الدرزية، غامزاً من قناة بعض رجال الدين في الجبل من الذين لا يزالون في مرحلة توتر. وهو يطلب من الحزب العمل بالوتيرة نفسها وعلى الموجة نفسها، ورفع مستوى التنسيق والتواصل بين الحزبين وبين المجموعات، وخصوصاً في المناطق المختلطة عند ساحل بيروت الجنوبي.
■ مصر تتوسّط بين بنشعي وقريطم
ولأن جنبلاط يعي أهمية الدور السعودي ـــــ السوري في متابعة ملف الحكومة، استمع إلى رأي نصر الله الذي يشدد على أنه لا يمكن سعد الحريري أن يترأس حكومة ويدير بلداً وهو يتبنى موقفاً معادياً لسوريا. وسأل عن كيفية تصرف الرجل إذا كان رئيساً للحكومة، وزار الرئيس السوري بشار الأسد لبنان، أو أوفد رئيس حكومته أو حصل أن يكون هناك اجتماع ضروري في دمشق مثلاً. وكرر نصر الله أمام جنبلاط أنه ليس هناك من فيتو لدى أحد على تولّي سعد الحريري رئاسة الحكومة، ولكن يجب أن يكون الجميع أمام واقع وممارسة وأسلوب إدارة غير الذي شهدناه. وأوضح نصر الله أن المعارضة لم تقرّر بعد وجهتها النهائية، وهي بانتظار سماع رأي الطرف الآخر، بعد أن يكون المعنيون قد اتخذوا قرارهم بشأن من سيكون مرشح فريق الغالبية النيابية لرئاسة الحكومة.
هذا الكلام ناقشه نصر الله مع حليفه وصديقه النائب سليمان فرنجية، وسأله عن موقفه الرافض لتسمية الحريري لرئاسة الحكومة. فأكد الأخير أن موقفه ليس شخصياً، بل يرتبط بما قام به الحريري ضده: لقد قاد معركة قاسية ضدّي في الانتخابات، وأصوات السنّة التي أتى بها إلى الكورة هي التي هزمتنا هناك، وهو حاول فعل الأمر نفسه في زغرتا نفسها، وربما كاد ينجح في الأمر، كما موّل أعنف معركة ضدي في المنطقة، وليس منطقياً أن أسمّيه لرئاسة الحكومة.
تفهّم نصر الله موقف الرجل الذي تابع: جاءني السفير المصري في بيروت أحمد البديوي قبل أيام، يطرح عليّ أن أتعاون مع سعد الحريري، وأن أُسهّل له الأمر وقال لي: إن الحريري مهتم بك، وهو أتى على ذكر تيار المردة وأهمية تمثيله في الحكومة مرتين، ومن الأفضل التعاون معه إلا إذا كنت تفضّل السنيورة عليه! فردّ فرنجية على السفير المصري: الاثنان من صنف واحد، ولا أرى أي ضرورة لأن أسمّي أياً منهما لرئاسة الحكومة.
■ لننتظر السعوديّة وسوريا؟
فرنجية الذي تربطه علاقة وثيقة بالرئيس السوري بشار الأسد، يعرف أن سوريا فوجئت بنتائج الانتخابات، وهي لم تكن مرتاحة إلى ما حصل، وسألت عن الأسباب وعن الخلفيات، وهي تتابع موقف المعارضة في المرحلة المقبلة، ولا سيما ملف تأليف الحكومة الجديدة. وسمع فرنجية مباشرة من المعنيين الكبار في دمشق، أن سوريا لا تمانع في تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة وهي تفصل بينه وبين ملف وليد جنبلاط، لكن فرنجية يعرف أن الأمر في سوريا مرتبط أيضاً بما يجري مع السعودية.
قادة المعارضة، ومنهم نصر الله وفرنجية، وصلتهم معلومات عن حركة موفدين سعوديين إلى دمشق، وأن نجل الملك السعودي الأمير عبد العزيز بين عبد الله طلب موعداً عاجلاً لمقابلة الرئيس الأسد، وثمة زيارة لوزير الإعلام عبد العزيز الخوجة، ولكن علينا الانتظار لنعرف ما هي أبعاد هذا الحوار وإلى أين سيصل، وما هي تأثيراته على القرار السعودي بشأن تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة.
لكن البارز على هذا الصعيد، هو الكلام عن أن زيارات الموفدين إنما تمهّد لزيارة قد يقوم بها الملك السعودي إلى دمشق، وأنها يجب أن تحصل بعدما يكون التفاهم قد جرى على أمور كثيرة تخص الملف اللبناني، وبالتالي فإن في المعارضة من يعتقد بقوة بأن «طريق سعد الحريري إلى السرايا سوف تمر حكماً من دمشق، وأن زيارة الملك السعودي وحصول تفاهم بين الرياض ودمشق يسهّلان على سعد التقدم نحو مرحلة جديدة من العلاقات مع دمشق، وأن نقاشاً كبيراً يجري بشأن هذا الأمر، وهناك أيضاً من وجد الفتوى لسعد الحريري: إذا كان ملك السعودية، وهو بمثابة والد لك، وهو يمثّل لك مرجعية من جوانب عدة، قد زار دمشق، فهذا يعفيك من أيّ سؤال يمكن أن يوجّه إليك من جانب حلفاء أو مناصرين أو حتى خصوم عن سبب قرارك بناء علاقة مع سوريا، ثم إن ملف التحقيق في جريمة اغتيال والدك رفيق الحريري قد صار بيد المحكمة الدولية، وهي سوف تقرر النتيجة».
عون: الكلّ كانوا ضدّي
بخلاف رأي خصومه الداخليين والخارجيين، فإن العماد ميشال عون لا يزال على هدوئه، وهو بدأ يتلمّس «أن ناخبين كثيرين بدأوا يعربون عن ندمهم على ما قاموا به في السابع من حزيران». وهو يشير في حلقات ضيقة إلى «أن العالم كله كان ضدي، وفي لبنان لم يبقَ منصب رسمي أمني وسياسي إلا خاض المعركة مع خصومنا، بما في ذلك وسائل إعلام تعدّ أقرب إلى المعارضة». وأوضح عون أن «هناك خشية جدية يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ من سعي فريق داخلي وخارجي إلى خلق فتنة بين الشيعة والمسيحيين في لبنان».
برّي إلى اليونان و...
كعادته بعد كل انتخابات، يغادر رئيس المجلس نبيه بري إلى الخارج لقضاء إجازة خاصة، وهو سافر إلى اليونان للمشاركة في حفل زفاف ابن صديق له من آل غندور. وتردد أنه قد يقوم بزيارة خاطفة من هناك إلى دمشق للتشاور مع القيادة السورية في شأن التطورات اللبنانية، وليس بالضرورة أن يعلن عن هذه الزيارة.
نصر اللّه لا يساجل
رفض السيد حسن نصر الله الدخول في سجال مع البطريرك الماروني نصر الله صفير بعد ردّ الأخير على انتقاد نصر الله لموقفه عشية انتخابات 7 حزيران. وقال لضيوفه إنه أعلن موقفه ونقطة على السطر، معرباً عن قلة اهتمامه بما صدر من تعليقات عن قادة في فريق 14 آذار «حيث السخافة لا تنضب» بحسب أحد الحضور.
تقرير
كيف تتمثّل المعارضة في هيئة الحوار؟
خلال الاجتماعات التي عقدها الأمين العام لحزب الله مع قادة من المعارضة، بينهم النائب سليمان فرنجية وقادة الطاشناق والحزب السوري القومي الاجتماعي، جرى التطرق إلى ملفين أساسيين، الأول يتعلق بتركيبة الحكومة المقبلة، مع ميل واضح إلى تبنّي موقف رافض لأي مشاركة دون الثلث الضامن، ولو أنه اتفق على اعتبار الموقف النهائي يظل رهن العرض ورهن اسم رئيس الحكومة، حيث هناك احتمال بأن يعتذر الحريري ويبقى الرئيس فؤاد السنيورة مرشح 14 آذار لتولي المهمة، وأنه سيصار إلى درس التمثيل داخل الحكومة بطريقة متوازنة توفّر حضوراً قوياً للمعارضة في الحكومة ككل وفي حقائب أساسية أيضاً.
الأمر الثاني يتعلق بطاولة الحوار الوطني، حيث يرتقب أن يصار إلى إدخال تعديلات على التمثيل السياسي فيها، وهناك همس غير نهائي في احتمال أن يلجأ الرئيس ميشال سليمان إلى اقتراح تعديل يرفع بموجبه نسبة التمثيل إلى مندوب عن كل كتلة نيابية يزيد عدد أفرادها على ستة، علماً بأن الأمر قد يصطدم بعقبات مع كثيرين، ما سوف يكرس المبدأ القائم الآن وهو اعتماد مبدأ مندوب لكل كتلة من 4 نواب على الأقل.
وفي هذه الحالة، يفترض أن ينشأ تحالف نيابي بين الحزب القومي وحزب البعث، بحيث يكون من 4 نواب يتولّى النائب أسعد حردان تمثيله في لجنة الحوار الوطني. كذلك سيصار إلى إدخال تعديلات على تركيبة بعض الكتل النيابية، ما يتيح لكل من النائبين سليمان فرنجية وطلال أرسلان المشاركة في طاولة الحوار الوطني إلى جانب الكتلة الأرمنية، علماً بأن الحوار سوف يستأنف بين الطاشناق والأحزاب الأرمنية الأخرى بشأن هذا الأمر.
وكان الأمين العام لحزب الطاشناق هوفيك مختاريان قد قال بعد لقاء نصر الله إنه جرى التأكيد على ضرورة المحافظة على الأجواء الإيجابية في المناخ السياسي، وإنّ النقاش تطرّق إلى وجود شروط لدى قوى الأقلية بشأن تأليف الحكومة، مؤكداً أنّ هذه الشروط عنوانها الأساسي وجود ضمانة لدى الأقلية «على أن نستكمل مناقشة مسألة الثلث المعطّل التي تمثّل لنا الضمانة في الحكومة».
ومن أجواء النقاش أيضاً، يقول مختاريان عند سؤاله عن مشاركة الطاشناق، إنّ «الكل يعترف بالتمثيل الحقيقي للحزب بغضّ النظر عن التمثيل النيابي»، مشدداً على أنّ حكومة اتحاد وطني تستوجب مشاركة الطاشناق في إطار تمثيل الطوائف والأحزاب وممثليها.
أما مصادر الحزب القومي، فقد أشارت إلى أهمية توسيع حالة الانفتاح بين سائر القوى في الموالاة والمعارضة. وأنه جرى التأكيد على «حق النائب الحريري في ترؤس الحكومة لكونه زعيم الأكثرية النيابية»، مع لفت الانتباه إلى «الحركة الأميركية ـــــ المصرية في إطار رئاسة الحكومة، حيث يبرز إمكان تراجع الحريري عن قرار رئاسة الحكومة، «لما للخطّ الأميركي ـــــ المصري من تأثير، وقد باتت معروفة علاقة الرئيس السنيورة بالقاهرة».
(الأخبار)
تعليقات: