بري يتسلم الرئاسة من الزين
معادلة «14 آذار» الحكومية: 16ـ10ـ4 ... والمعادلة الرئاسية: 13ـ10ـ7
«نصف التصويت» لبري... «نصف إيجابية»... أم استهداف مباشر للحريري؟
بصرف النظر عن «الهضمنة المتبادلة» في غير مكانها، وتسخيف رصانة التصويت التي يفترض انها احدى ابرز ركائز المؤسسة البرلمانية، فإن اولى جلسات «مجلس الستين» كشفت عن حقل مزروع بألغام آيلة للانفجار من تلقاء ذاتها، او للتفجير عن قرب او عن بعد، في أيّ لحظة وتحت أي عنوان او تفصيل.
الصورة مزعجة حتما، لا تنسجم والمسار الانفتاحي الذي نام البلد على حريره اياما، وعزز الامل، أقله في الساعات القليلة السابقة لتلك الجلسة، بتفاهمات تؤسس لبناء صيغة الحكم المقبل على القاعدة التوافقية. بل ان هذه الصورة لا تبشِّر بخير نيابي آت، وخصوصا بعدما ظهـّرت حقيقة لا لبس فيها بأن الولوج الى مرحلة التفاهمات دونها تعقيدات كبرى، وان ما يحكم اكثرية «14 آذار» والمعارضة هو لغة الكمائن التي تجلت في التصويت لرئيس المجلس ثم في التصويت لنائبه.
بديهي السؤال هنا عما اوجب الانحراف عن المسار التفاهمي، وعما دفع اكثرية «لبنان اولا» بقيادة المستقبل الى الاستعاضة عن «التصويت» لرئيس المجلس، بـ«نصف تصويت»، وماذا يعني ذلك، ومن اوعز به، ومن المستفيد ومن المتضرر ومن هو صاحب المصلحة في تعكير الجو التوافقي، وهل يمكن ان يُتخذ قرار تعكيري من دون «قبة باط» من جهات فاعلة ، ثم هل ان «نصف التصويت» موجه الى بري فقط، ام انه موجه اكثر ضد سعد الحريري لاصابته في مصداقيته بعدما اعلن من عين التينة قبل اربع وعشرين ساعة ان قرار كتلة المستقبل هو التصويت للرئيس بري، وبالتالي اثارة شكوك حول مستوى «مونته» على كتلته؟! ويتلاقى ما تقدم مع سؤال اساسي: ان وضع سعد الحريري حاليا اشبه بعدّّاء يدخل في سباق، وفي اول السباق يطلق النار على قدمه. فهل يمكن للحريري الذاهب الى التكليف، ان يقدم على «نصف تصويت» قد يزرع العراقيل في طريقه؟
تبدو المعارضة مصدومة مما حصل، والاسئلة كثيرة تطرح في اوساطها، بالتوازي مع مشاورات جدية حول الخطوات التالية، سواء ما يتصل بالتكليف وبعده التأليف وما هي الضمانة الحقيقية، ومن يضمن «الضمانة» وكيف، وعلى أي اساس؟ على ان المثير للاهتمام ان قوى اساسية في المعارضة، برغم كل ما حصل، تنظر الى «نصف التصويت» الذي ابدته كتلة المستقبل لرئيس المجلس، على انه «ايجابية جزئية». تنطوي على محاولة قد تكون مقصودة لتظهير جو مفاده ان الكتلة يتوزعها توجهان، الاول يميل في اتجاه تصعيدي، اما الثاني فيميل في اتجاه تخفيف حدة الخطاب وتقديم بعض التنازل على الطريق الى الحكومة الجديدة.
ما هو مصير الحكومة الجديدة وسط هذا الجو؟
لا يعني التعجيل الرئاسي في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية والتكليف المنتظر غدا، ان الباب مفتوح على تأليف سريع، فالصدمة التي حدثت حركت مشاورات، وتساؤلات حول تسمية الرئيس المكلف، واي صيغة ضامنة للمشاركة في الحكومة توازي الثلث الضامن او تقوم مقامه؟
في هذا السياق، يبرز الجهد الرئاسي لتسويق صيغة الـ«لا اكثرية لاغية، ولا اقلية معطلة»، يشكل فيها رئيس الجمهورية دور الضامن وخصوصا للمعارضة بوزير ملك تختاره في الحصة الخماسية لرئيس الجمهورية.
لكن المثير في هذا السياق، بحسب مصادر موثوقة، ان هذه الصيغة لم تبحث بين رئيس الجمهورية وأي طرف من «14 آذار»، كما ان ايا من هذا الفريق لم يبادر الى طرحها معه خلافا لما يتردد.
وتكشف المصادر المذكورة ان هذه «الصيغة الرئاسية» تعرّضت في الآونة الاخيرة ، «لمزاحمة الغائية» من معادلة «اكثرية » تقوم على الآتي: 16 للاكثرية، 10 للمعارضة و4 لرئيس الجمهورية، وميزة هذه المعادلة انها تقوم على اكثرية الغائية متحكمة، وعلى اقلية لامعطلة، بحيث تضاف الى حصة رئيس الجمهورية وديعة بوزير ملك تختاره المعارضة.
وتقول المصادر ان هذه المعادلة سبق لرئيس الجمهورية ان سمعها من الرئيس فؤاد السنيورة قبل ايام، عندما زاره فور دخول حكومته فترة تصريف الاعمال، واعتبرها آنذاك مجرّد رفع سقف تفاوضي في عملية المفاوضات والمشاورات التي ستجري في شأن تأليف الحكومة. الا انه ادخلها في الاطار الجدي، ولا سيما ان ما طرحه السنيورة ما زال قائما بدليل ان احدا لم ينف هذا الطرح لا في بيروت ولا خارج بيروت.
وتكشف المصادر الموثوقة ان رئيس الجمهورية والمحيطين اضطروا في الآونة الاخيرة الى مسايرة معادلة 15 ـ 10 ـ 5 التي تلبي الى حد كبير توجه الرئيس ورغبته، الا ان المصادر الموثوقة تؤكد ان المعادلة الانسب التي يسعى اليها رئيس الجمهورية هي التي تقوم على قاعدة 13 للأكثرية و10 للمعارضة و7 لرئيس الجمهورية، وهذه المعادلة كما تقول المصادر المذكورة تؤكد التوجه الى «لا اكثرية لاغية ولا اقلية معطلة»، بحيث انها تعطي لرئيس الجمهورية صلاحية ان يكون الضامن الملغي للثلث المعطل بالنسبة الى المعارضة والملغي للاكثرية المتحكمة، فضلا عن ان توسيع حصته الوزارية الى السبعة ينطوي على بعد تعويضي عن اضرار الانتخابات سياسيا ومسيحيا.
وفي اعتقاد المصادر المذكورة ان الفارق بين ما يطرحه السنيورة، والذي ما زال قائما حتى الآن، وبين التصور الحكومي الانسب لرئيس الجمهورية، هو فارق كبير جدا، وقد لا تكون المفاوضات قادرة على جسره.
لكن مقابل هاتين المعادلتين يبرز السؤال: كيف ستتعاطى المعارضة مع أي منهما، في ظل اصرار بعض افرقائها على التمثيل الوزاري النسبي، وفي ظل اصرار البعض الآخر، بناء على مجريات جلسة الامس، على الثلث الضامن. في احسن الاحوال، يبدو البلد مقبلا على فترة ليست قصيرة من التجاذب... وربما الترحـّم على الزمن الحكومي؟
تعليقات: