قناة مكشوفة من مياه الصرف الصحي إلى الحاصباني مباشرة

حاصبيا:

أقدم العديد من سكان الحي الغربي في حاصبيا على جرف السدود الترابية العائدة للبرك الآسنة المحاذية لمنازلهم والتي كانت البلدية أقامتها منذ فترة، بهدف قطع الطريق على مياه الصرف الصحي وحصرها في حفر صغيرة، للحد من تسربها إلى مجرى نهر الحاصباني مع بداية فصل الصيف، وذلك للتخفيف قدر المستطاع من تلوث النهر والحفاظ على بيئة سليمة في حوضه.

خطوة الأهالي «غير المسبوقة»، كما يشير العديد منهم، جاءت بعدما ضاقوا ذرعا بالتلوث البيئي الخطر الناتج عن تجمع المياه الآسنة على شكل برك صغيرة بالقرب من منازلهم. باتت البرك تشكل مصدرا للحشرات والأوبئة والروائح الكريهة المسببة للكثير من الأمراض خاصة عند كبار السن والأطفال، فكان ان اتخذ سكان الحي وبعد التشاور فيما بينهم قرارهم الصعب في محاولة منهم لإبعاد خطرها عن عائلاتهم. واستقدم الأهالي جرافة على نفقتهم الخاصة، عملت على ازالة السدود والسواترالترابية التي كانت تتجمع خلفها المياه الآسنة، مما فتح الطريق لكميات كبيرة من المياه المبتذلة المتأتية من أحياء عدة في حاصبيا والقرى المجاورة خاصة شويا وعين قنيا، للتدفق وبكثافة إلى مجرى نهر الحاصباني عند أسفل النبع. وكان أن رفعت المياه الآسنة المتدفقة من نسبة تلوثه وبنسبة عالية، في ظل انخفاض متواصل لمنسوب مياهه، بحيث سيترتب عن هذه الخطوة الكثير من المفاعيل البيئية السلبية، لجهة القضاء على الحياة المائية خاصة الثروة السمكية، ناهيك عن الأضرار المباشرة في الحقول والبساتين والمزروعات المروية، وإلحاق الأذى بالمصانع والمعامل وبعض المنتزهات المنتشرة على ضفتيه.

هذه البرك والسدود المقامة على مجرى مائي تصب فيه المياه الآسنة عند الطرف الشمالي الغربي لحاصبيا، كانت قد لجأت اليها البلدية منذ فترة كحل مؤقت، لحصر كميات كبيرة من المياه المبتذلة والحد من وصولها الى مجرى نهر الحاصباني، وذلك ريثما يتم تشغيل محطة تكرير المياه المبتذلة، والتي كانت قد اقيمت في نفس المحلة بتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية في العام 2000، واعيد ترميمها وتحديثها منذ ثلاث سنوات عبر مؤسسة «ميرسي كور».

ودعا قائمقام حاصبيا وليد الغفير صباح أمس إلى اجتماع طارئ عقد في مكتبه، وحضره رئيس البلدية كامل ابو غيدا ورئيس مكتب مصلحة كهرباء لبنان فؤاد معلاوي وبعض المهتمين بالوضع البيئي. وبحث المجتمعون السبل الآيلة لرفع التلوث عن الحاصباني وتخفيف معاناة السكان في الحي الغربي عبر اتخاذ التدابير والإجراءات السريعة لتشغيل محطة التكرير. وعلم، في هذا الإطار، أن ربط التيار الكهربائي بمحطة التكرير يلزمه حوالي شهر ونصف الشهر، وفق ما أفاد متعهد أشغال الكهرباء. ومن شأن هذه الفترة الطويلة لإيصال التيار، تأخير الحلول الناجعة في معالجة المشكلة، والتي ربما تفاقمت خلال الفترة القليلة المقبلة ومع انخفاض منسوب مياه النهر.

واستغرب رئيس بلدية حاصبيا كامل ابو غيدا خطوة الأهالي واصفاً إياها بـ«غير المبررة» في إزالة البرك، و«التي ستتسبب بمخاطر بيئية نحن بغنى عنها تتجاوز الحي الغربي لتطال شريحة كبيرة في حوض النهر». وأشار أبو غيدا إلى المساعي الحثيثة والجادة التي تبذلها البلدية «بهدف إنهاء الوضع البيئي الخطر والشاذ، وتخليص الحي الغربي من البؤر السامة عبر حل جذري» ،مشيراً إلى أن البلدية بدأت بخطوات عملية لتشغيل محطة التكرير بعدما تم تركيب محول كهربائي بمحاذاتها على امل ربط المحطة بالتيار، فورانجاز مصلحة كهرباء لبنان بعض الإجراءات الميدانية والإدارية. وأكد ابو غيدا أن البلدية تعمل كذلك «على التعاقد مع فنيين وعمال للإشراف على التشغيل والذي سيكلف شهريا بحدود ستة ملايين ليرة لبنانية، وكنا قد انجزنا منذ فترة مد شبكة من أنابيب الصرف الصحي إلى محطة التكرير على امل انجاز شبكة قساطل جر تنقل المياه المبتذلة من الناحيتين الغربية والجنوبية للبلدة. وتصب المياه المسحوبة في خزان تجميع يقام في اسفل محطة التكرير ولمسافة حوالي 200 متر الى الغرب منها، ومنه تضخ المياه بواسطة مضخة الى محطة التكرير. ويؤكد أبو غيدا أن طول قساطل الجر يصل إلى حدود 1200 متر، وان كلفة كامل المشروع الذي سيتضمن ايضا خزانا ومضخة ومولدا كهربائيا تبلغ حوالي 120 ألف دولار اميركي.

لجأ سكان الحي الغربي في حاصبيا، وحسب المواطن حمودي خداج، إلى إزالة البرك الآسنة بعدما «فشلوا على مدى السنوات الخمس الماضية في رفع الخطر البيئي عن منازلهم وعائلاتهم وخصوصاً أطفالهم. وكان الأهالي قد تقدموا بعريضة احتجاج، لما تسببه البرك المحاذية لمنازلهم من اضرار بيئية باتت لا تطاق. وتضمنت العريضة التي قدمت إلى البلدية «الطلب العاجل والسريع من اجل ايجاد حل للمشكلة المزمنة، والتي بدأت تتفاقم تأثيراتها خاصة مع ظهور حالات مرضية خطرة عجز عن معالجتها العديد من الأطباء المحليين».

ويؤكد خداج أن البرك، والتلوث المرافق لها، تسببت حتى الآن بعشرات الحالات المرضية في صفوف القاطنين هنا، من بينها اوجاع في الرأس وضيق في التنفس اضافة الى الصداع وامراض اخرى، وانا واحد من المرضى». فمنذ ثلاث سنوات يعاني خداج من وجع في الرأس، وقد راجع أكثر من طبيب لكن دون جدوى، إلا نصحه بترك الحي الموبوء والانتقال إلى جهة أخرى حفاظا على صحته وصحة اطفاله. ويرى خداج أن «إزالة البرك الآسنة كان لا بد منها وجاءت بعدما فشلنا في العثور على حل، وهكذا خفت المشكلة البيئية في الحي بنسبة ستين في المئة».

أنور شبلي مثلاً، كما غيره من سكان المنطقة، عرض منازله للبيع، «فالهجرة يمكن أن تكون سمة المنطقة ووجهتنا جميعا بعدما وضعنا جني العمر هنا في منازل لم نتمكن من السكن فيها بهناء بعدما أضحت الروائح والمياه الآسنة تهدد حياتنا وتنكد عيشنا».

ويعتب نسيم بدوي على الجهات المعنية التي لم تعمل بجد لرفع الغبن اللاحق بالحي الغربي الذي ازدهر بسرعة خلال اقل من خمس سنوات، «لكن جاءت المياه المبتذلة لتلحق به أضرارا مادية وصحية لا يمكن مقاومتها، ويتساءل هل الدولة عاجزة عن حل المشكلة فعلا ام انها تدير ظهرها لهذا الضرر المميت حتما».

وتشير جومانة، أم لثلاثة أطفال، تسكن في الحي المنكوب منذ سبع سنوات، إلى أن الروائح الكريهة، تحرم الأهالي من الجلوس على شرفات منازلهم حتى في عز ايام الحر، وأنها ألزمتهم بإقفال النوافذ حتى بات المنزل اشبه بالسجن الإختياري طيلة فصل الصيف. وتطالب جمانة باسمها وباسم سكان حي السلام وكل قاطنيه «الجهات المعنية بكف الضرر وملاحقة المسؤول عن فشل المشروع الذي وبسببه زرع بنا وبأطفالنا المرض، فلا حيلة لنا بعد سوى الهرب من بيوتنا علما ان الحي يقطنه اكثر من 150عائلة، اضافة الى عشرات المواطنين العاملين في حوالي 82 متجرا ومصنعا ومؤسسة رسمية وخاصة.