« دكان شحاتة».. ماض مخجل ومستقبل أسود

مشهد من فيلم « دكان شحاتة»
مشهد من فيلم « دكان شحاتة»


ربط المخرج خالد يوسف بين الماضي والحاضر والمستقبل من خلال أحداث فيلمه الجديد «دكان شحاتة»، الذي يعرض حاليا في مصر. فقد بدأ خالد فيلمه برسم صورة قاتمة لمستقبل يطغى عليه السواد، مستعرضا ملامح لمجتمع تآكل من كثرة انتشار الفقر والظلم فيه. إنه يقدم لنا ملامح لصورة مأساوية متجاوزا الحاضر وصولا لعام 2013 من خلال مشهد سطو مسلح يقوم به بعض المواطنين على قطار يحمل شحنة قمح، ويحاولون الاستيلاء على ما كل ما فيه بشكل عشوائي مخيف يقودهم إليه الجوع والفقر والحرمان، وهي صورة تحذيرية صنعتها مخيلة المخرج والكاتب لما سيكون عليه الشعب المصري بعد أربع سنوات إذا استمر بنا الحال على هذا المنوال. انطلاقا من هذا المشهد الصادم تبدأ أحداث الفيلم، حيث يتوقف الزمن عند خروج شحاتة من سجنه وتعود بنا الأحداث بشكل عكسي إلى ثلاثين عاما مضت مستعرضا من خلال مانشيتات وعناوين الصحف القومية أبرز ما مر على الشعب المصري من كوارث سياسية واقتصادية وصولا إلى حدث يعتبر نقطة فاصلة في حياة المصريين عام 1981 حين اغتيل الرئيس السادات 1981 بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وما تبع ذلك من تغيرات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية من ظهور طبقات واندثار طبقات أخرى، ووقوع أحداث وكوارث إنسانية، وانتشار جرائم وأمراض لم نعرفها من قبل، واشتعال حروب وخراب ودمار. صور اقتطعتها كاميرا المخرج من التاريخ المصري والعربي وانتقى الأكثر حزنا وتأثيرا على المشاهد وكأنها رسالة تخمين لمستقبلنا ورسالة تنبيه لحاضرنا ورسالة تذكير بماضينا المخجل الذي مازلنا نحيا في تبعاته إلى اليوم، ولن نستطيع الخروج من دائرته ولا بعد مائة عام كما جاء على لسان المناضل السياسي الذي يعمل عنده والد شحاتة.

من داخل بيت هذا الأخير، تدور الأحداث، حيث أسرة بسيطة جاءت من صعيد مصر، أب وأربعة أبناء، من بينهم طفل رضيع أنجبه أبوهم من زوجته الثانية، التي توفيت بعد ولادته مباشرة. وشحاتة هو أصغر إخوته، الطفل المدلل من أبيه مما يثير غيرة أبنائه الآخرين. ويزيد الأمر سوءا، إطلاق اسمه على الدكان الذي وهبه له الشخص الذي يعمل عنده تقديرا لخدمته، فاشتعلت الحرب بينه وبين إخوته طوال الأحداث ووصلت إلى ذروتها بعد موت الأب، فسلبوه حقوقه وألقوا به في السجن وانتزعوا منه خطيبته التي تزوجها أخوه، وأخيرا قتلوه.

دائما نبحث في أعمال خالد يوسف عن ما وراء الأحداث الظاهرة، وإن كانت أغلب مشاهده تأتي مباشرة صادمة وعنيفة وأحيانا مبالغا فيها. وقد اشتهر هذا المخرج بميوله اليسارية، متخذا شاشة السينما منبرا له ليعرض وجهة نظره، سواء كانت مع أو ضد الأوضاع القائمة. فشخصية خالد يوسف هي المفتاح الأمثل لقراءة أي عمل فني يحمل توقيعه. وهكذا نجد أن شخصيته الرئيسية، شحاتة، هي نموذج مصغر لحكاية شعبية كانت ولا تزال جزءا من التاريخ المصري والعربي المعاصر. إنه المواطن المسحوق المتهاون في حقوقه، وتكمن قوته في باطنه، لكنها طاقة عكسية خامدة لا تتفاعل بسهولة مع الحدث، فأقل الأشياء ترضيها وأبسط الكلمات تسعدها. وهي لا تشغل نفسها بالتفكير بالمستقبل، قدر معايشتها اللحظة ما دامت تملك قوت يومها، مستعينة على البلاء والفقر بالإيمان والرضا الداخلي، صفات اتسمت بها الشخصية المصرية البسيطة، اختزلها خالد يوسف في شحاتة ونصبه كبطل شعبي يهوي الحفاظ على ميراث أبيه الاجتماعي وإن كان على حساب ميراثه المادي.

البطل في هذا العمل ليس فردا معينا، ولكن البطل الحقيقي هي الفكرة والموضوع المثير للجدل. وبالطبع، ظلم الإخوة لبعضهم البعض فكرة ليست جديدة على السينما المصرية بل تناولتها بعض الأفلام القديمة، ولكن قدمها المخرج خالد يوسف بفكر جديد بربط الأحداث بالوقائع السياسية العامة، وإن كانت تحمل الكثير من المبالغات السردية التي لا تمت للحكاية الأصلية بأي صلة، فكثير من المشاهد تبدو مقحمة على الحدث وخصوصا مشاهد التزوير في الانتخابات ومشاهد السطو على المنازل وانعدام الأمن وانتشار الجريمة والتطرف والانحرافات الأخلاقية... الخ من صور تعكس أفكارا مكررة نمطية، بالإضافة إلى مشاهد غرامية أو سياسية مباشرة.

تعليقات: