منقذ على شاطئ الرملة البيضاء
في كل موسم صيف، ونتيجة الحوادث البحرية التي تتكرر كل عام، تتحول وجوه عدد من الأطفال والشبان إلى صور في إطارات تلفها أشرطة سوداء، فيما يُصاب بعضهم بالشلل... كأنه قدر بعض مرتادي المسابح، وبعضها يفرض رسوم دخول مرتفعة، أو ضريبة سنوية يسببها إهمال يوازي حدود القتل. إهمال المسابح وإهمال السلطات المعنية بتنظيم هذا القطاع، وتلك المعنية بالتثبت من تنفيذ حدود السلامة الدنيا فيها.
والمفارقة هي أنه في معظم الحالات التي يقع فيها ضحايا في المسابح، تُسجل الحوادث في إطار «القضاء والقدر»، ولا تقوم وزارة السياحة بتحميل المسؤولية للمسابح غير الملتزمة بشروط السلامة العامة. ومن أكثر هذه الشروط بديهية هو تواجد «منقذي سباحة».
والمشكلة تتخطى الدور الرقابي، الى مضمون «قانون تنظيم المسابح» بحد ذاته، الذي لا يواكب تطور عمل المسابح، لاسيما انه يعود الى العام 1970.
والملاحظ أن عمل وزارة السياحة يرتكز على إصدار التعاميم، أكثر من العمل الميداني لتسجيل المخالفات وملاحقة أصحابها.
وآخر هذ التعاميم كان ذلك الصادر منذ أسبوعين، والذي تدعو الوزارة من خلاله المسابح الى توجيه كتاب اليها يتضمن أعداد وأسماء «منقذي السباحة» تحت طائلة المخالفة.
ومذاك لم تلتزم إدارة أي من المسابح بمضمون التعميم، استكمالاً لسياسة الإهمال المتبعة في هذا المجال.
ولمعرفة أسباب الحوادث والسبل الآيلة لتخفيفها، أجرت «الجمعية اللبنانية للوقاية من الإصابات الرياضية» و«اليازا» عدداً من الدراسات، واقترحت تقديم مسودة قانون جديد لوزارة السياحة، لتنظيم الحمامات البحرية وأحواض السباحة، بما يراعي السلامة العامة.
ويلخص نائب رئيس الجمعية زياد الحلبي مضمون الدراسات بالقول أن «معظم المسابح تفتقد الى «منقذي سباحة»، وإذا كانوا متواجدين فيها، فإن معظمهم يفتقر الى الكفاءة. كما أن الشرطة السياحية غائبة للتأكد من وجودهم أو عدمه، ومن وجود غرف الإسعاف الإلزامية في المسابح. والقانون الحالي لا يحدد عدد «منقذي السباحة» في كل مسبح، ما يجعل الأمر اعتباطياً.
ويشير الحلبي الى اقتصار عدد المفتشين السياحيين في وزارة السياحة على 18 مفتشاً، وهو عدد غير كاف قياساً الى المهام المطلوبة منهم، على نطاق كل من المسابح، والمطاعم والنوادي الليلية، والفنادق والمنتجعات والمراكز السياحية والأثرية.
ويؤكد الحلبي أن وزارة السياحة لم تسجل مخالفة واحدة منذ العام 2001، وذلك بسبب... عدم قيامها بأعمال التفتيش والرقابة. وهو يعتبر أن عدم تجاوب أصحاب المسابح مع التعميم الصادر عن الوزارة منذ أسبوعين هو خير دليل على عدم وجود «هيبة» لهذا المرجع الرس`مي بنظر المعنيين في هذا القطاع السياحي.
ويلفت الحلبي إلى أن مسابح عدة تستغني عن «منقذي السباحة» توفيراً لرواتبهم. لكن في حال تم إغلاق مسبح واحد مخالف ولو لأسبوع، لالتزمت المسابح الأخرى بشروط السلامة العامة.
ويثير الحلبي أيضاً إشكالية «الغطس» في الماء، التي تؤدي إلى موت عدد كبير من الشباب، والتي لا يلحظها القانون بتاتاً. ويشير إلى أن الجمعية تطالب وزارة الداخلية اليوم بإصدار قرار لمنع ممارسة هذه الهواية الخطرة.
من جهته، يوضح رئيس «مصلحة الضابطة السياحية» في وزارة السياحة أمين ذبيان أن ثمة مسابح مرّخصة يفترض أساساً توافر شروط السلامة العامة فيها، وأخرى غير مرّخصة تكون مخالفة أساساً. فإذا وقعت الحوادث في المسابح المرخصة تكون الإدارة هي المسؤولة المباشرة.
ورداً على سؤال عن تبعات وقوع الحوادث في نطاق الفئة غير المرخصة، يقول: «هذه الفئة من المسابح تدخل في إطار «ملف الأملاك البحرية المزمن. لكن حتى الآن لم تردنا أي شكوى من أي مواطن على أي مسبح من كلا الفئتين. المشكلة هي أن الناس لا يعرفون من هي المرجعية في هذه الحالات، ولا كيفية تحصيل حقوقها».
ويؤكد ذبيان وجود أرقام هاتفية مخصصة للشكوى في حال تضرر المواطن في أي قطاع سياحي، متاحة على مدى 24 ساعة وهي : الخط الساخن 1735، الشرطة السياحية 01752429، والفاكس 01743763- 01 .
ويشير ذبيان إلى «ضرورة الـتأكد من توافر شروط السلامة العامة قبل وقوع المخالفة. لذا أصدرنا مؤخراً تعميماً يطالب أصحاب المسابح بالاعلان عن عدد المنقذين فيها، لمعرفة إذا كان هناك نقص أم لا. كما أننا نجري اليوم دورة تدريبية لأقل من عشرين منقذا، بالتعاون مع اطفائية بيروت، والصليب الأحمر اللبناني. وهو عدد محدود قياساً الى عدد الذين كنا نتوقع ترشحهم للدورة».
وردا على واقع عدم التجاوب مع التعميم المذكور يقول «ثمة تقصير كبير من قبل أصحاب المسابح. لذا سنبدأ في الأسبوع المقبل بحملة رقابة، للتأكد من توافر شروط السلامة ومنقذي السباحة».
لكن كيف تكون معايير الملاحقة فيما القانون الحالي لا يحدد عدد المنقذين المطلوبين؟ يقول ذبيان أنهم في صدد إعداد دراسة فنية لتعديل هذا النص القانوني «الذي لا تسمح صيغته الحالية بملاحقة المخالفين. وكل ما يمكننا فعله اليوم هو توجيه إنذار بضرورة زيادة عدد المنقذين في حال كان غير كافٍ بنظرنا».
أما العقوبات المفترضة في حال تسجيل المخالفات فهي نظرياً، بحسب ذبيان، تتضمن»تسجيل محضر مخالفة، يليه إجراء تحقيق، ويغلق المسبح إما مؤقتاً او بشكل دائم، تبعاً لطبيعة الإدانة. كما يمكن سجن صاحب المسبح في حال ارتكابه جرماًً جزائياً، يتمثل بقصد الضرر بالآخرين».
والى أن يتم تعديل القانون الحالي، وتبدأ الوزارة المعنية بممارسة صلاحياتها في إطار تسجيل المخالفات وملاحقة أصحابها، ثمة أشخاص فقدهم ذووهم، أو يعانون من إصابات مستدامة... حالة الطفل عماد عواضة هي واحدة في سلسلة مصابين لا تنتهي آلامهم.
تعليقات: