برونزاج مرتفع الثمن
تكلفة الشخص "المتقشف" قد تصل الى 50 ألف ليرة في المسابح الخاصة
لكل شيء ثمنه عندنا نحن اللبنانيين، "شطار" نبيع كل شيء ما عدا الهواء. سمّينا البحر "أملاكاً خاصة"، وتركنا بضعة أمتار للعامّة متحجّجين بالوجه الحضاري وجمال الوطن وضرورة انعاش السياحة. ولا عجب في أن يسبح الناس في الديون لتمضية نهار واحد في "مسبح خاص" أسعاره "خاصة جداً". في اختصار، حبسنا البحر وسيّجنا الرمل وبعنا الشمس في صكوك شاليهات بحجم علب السردين، ليصبح ايجار شهر في أحد المنتجعات البحرية أغلى من ثمن تذكرة سفر تعبر المحيطات والبحار!
البحر يغمزك، الاسترخاء يناديك، والحرّ لا يقاوم. لكن الأسعار بدأت تلهب المواطنين الذين يفكرون ويحللون ويحسبون ألف حساب قبل ارتياد المسابح الخاصة. فالبحر لم يعد ثروة عامة يتمرّغ على رماله الأطفال من دون منتجعات أو مشاريع تحصد الثراء حتى التخمة.
البحر صار رحلة مكلفة كتأشيرات السفر عند البعض، وصار مصيدة تستنفد الجيوب. فمئات المسابح تنتشر على طول الشاطىء اللبناني، لتستوعب مئات آلاف المواطنين ويتحكم في شمسها ورملها "ملوك" البحر الأجلاء.
أكثر من 300 منتجع بحري ممتدة على طول الساحل اللبناني تتفاوت أسعارها حسب نجومها، وحسب فرز طبقة قاصديها. والأسعار الأرخص هي زهاء 20 دولاراً "دخولية"، و500 دولار للكابين، و5 آلاف للشاليه، من دون أن نذكر فواتير الكهرباء والهاتف وأعمال الصيانة، أو دفع مبلغ تأمين يعاد بعد انتهاء فصل الصيف.
البحر نار
فبين رسوم "الدخولية" ومصاريف الأكل والشرب والبنزين المتصاعدة يومياً قد تصل تكلفة اليوم الواحد الى 50 ألف ليرة للشخص المتقشف. فكيف الحال اذا كان عدد أفراد الأسرة أربعة؟
وكيف اذا كان ربّ البيت من ذوي الحد الأدنى للأجور؟ في ما يأتي تكلفة شخص واحد أمام المستهجنين من الناس:
- عشرون ألف ليرة للبنزين وليس "تنكة" بغية التوفير. (فالمنتجعات ليست قريبة دائماً من مكان سكان روادها).
- 15 ألف ليرة تكلفة أكل خفيف: همبرغر واحدة أو سلطة واحدة مع علبة بطاطا وعبوة مرطبات.
- ألفا ليرة ثمن قنينة مياه واحدة كبيرة باردة.
- خمسة آلاف ليرة ثمن استئجار مظلة.
- ألفا ليرة ثمن "قرن" بوظة متواضع.
- ألفان الى خمسة آلاف ليرة تكلفة ركن السيارة في "الباركينغ".
وقد تجاوزنا للتوّ المبلغ المذكور أعلاه، لا لعدم الدقة في الحسابات انما لأنه من العيب ذكر "الفراطة". هذا ولم نذكر الفواكه وسعر زيت البحر وأدوات السباحة والمناشف والقبعات والنظارات الشمسية واحتمال استئجار "كابين" للاستحمام.
يُذكر أن لبعض المسابح نظاماً خاصاً يعتمده "الحرّاس" بتفتيش حقائب الزبائن عند المدخل للتأكد من عدم احضار مأكولات بحجة الحفاظ على النظافة، وليس للربح كما يحلو لبعضهم أن يظنوا.
شهادات حارّة
كثيرون من ذوي الدخل المحدود وأرباب الأسر المتوسطة تخلوا عن فكرة ارتياد البحر دورياً، وأصبحوا يكتفون بمشوار واحد في الأسبوعين وحتى الشهر. فالسباحة والتمدّد تحت الشمس يحرقان وحدات حرارية كثيرة ويلهبان الحلق لشرب كميات كبيرة من المياه تباع هناك بأسعار خاصة. وفي غمرة الاعياء يرسل مطعم المسبح روائح شهية تنبعث في كل مكان لتوقع الحاضرين في التجربة. سندويش دجاج بـ 7 آلاف ليرة، واذا تفتحت الشهية على صحن شاورما مع خضره تبلغ 14 ألف ليرة من دون مشروب أو بطاطا مقلية أو سلطة.
وفيما لا نتحدث عن أطباق اللحوم والأسماك وغيرها من ثمار البحر الشهية التي يطيب للجميع تناولها على الشاطىء، لا بدّ من أن يسيل اللعاب أمام البوظة أو الكوكتيل أو الحلوى أو "شرحة" بطيخ ودراق وكرز. وهذه كلها بأسعار اضافية لا يمكن الجميع تحمل أعباء شرائها جراء "نقّ" الأولاد. وعن هذا تحدثت نورما نصر مؤكدة أنها لن تقصد البحر مع أولادها الثلاثة قبل تناول الغداء في البيت فـ"الوضع لم يعد كما في السابق، ولا أستطيع مجاراة بعضهم لأن الأكل المتواضع في مطعم المسبح لأربعة أشخاص يكلفني 38 ألف ليرة".
ولفت عدد من السابحين النظر الى أنهم هذه السنة لم يشتروا مايوهاً جديداً ومنشفة بلون "المايوه" نفسه ولم يغيّروا نظارات الشمس الـ "سينييه" أو أحذية البحر المضادة للماء، بل اكتفوا بشراء ما يلزم للأولاد فقط بسبب اختلاف المقاييس وضرورة التبديل. كما لجأ بعضهم الى استعمال زيوت أقل جودة وأسعاراً عما هو متعارف، في حين فضّل عدد لا يستهان به من الناس والجيران الاستلقاء على سطوح المنازل أو على الشرفات توفيراً لبعض المال. ولوحظ أخيراً أن الدعوات التي كانت تأتي بعضهم من أجل تمضية نهار بحري مع الأصحاب قد تقلصت كثيراً وندرت، لأن الداعي كجميع المواطنين بدأ بشدّ الأحزمة والحدّ من تفاقم الفواتير.
وعن هذا الأمر تحدث سمعان عبدالله مبرراً "أتهرّب من كل من يطلب مني تمضية نهار بحري في المنتجع الذي أنا مشترك فيه، لأنني بذلك أكون مضطراً لدفع بطاقات الدخول عنه وعن عائلته، كما سأرغم على دعوتهم الى تناول شيء ما، فيما أنني لا أستطيع دفع فاتورة طعام عائلتي الخاصة". وأكدّ صحة كلامه زياد علم الذي لفت الى انتسابه وجميع أخوته الى منتجع واحد "لكننا لا نجرؤ على الجلوس مع أولادنا وزوجاتنا الى مائدة واحدة فنجتمع كأخوة وأقارب ويرغم واحد فقط على دفع فاتورة الجميع. والله عيب، صرنا في زمن نتفق فيه أن نتفرّق وقت الغذاء لنعود ونجتمع بعدها في حوض السباحة".
أما سليم فصرخ محتجاً "أيعقل أن يكون رسم الدخول لأحد المسابح العادية جداً 22 ألف ليرة وأن يكون سعر قنينة البيرة أربعة آلاف ليرة، علماً أن لا أحد يكتفي بشراء واحدة بل 2 أو 3 خصوصاً في أوقات الحرّ الشديد، وهل يعقل انني صرت أقصد البحر وحدي من دون عائلتي في بعض الأحيان بعد عناء العمل والحرّ اللاهب لأنني لا أستطيع تحمل الفاتورة، بالفعل هذا يشعرني بالتعب وتأنيب الضمير لكن ليس باليد حيلة!".
وفي السياق نفسه لكلوديت اللقيس قصة أخرى "لم أعد أقصد البحر في العامين الأخيرين فأولادي تخطوا سن العشرين وأصبحوا يقصدون البحر مع صديقاتهم وهم لذلك بحاجة الى مال كثير لتناول الغداء أو أكل الحلويات ولهذا أفضّل أن يتمتع أولادي بمشوار بحري فيما أبقى مع زوجي نصلي أن لا تتعدى مشاويرهم تلك المرتين في الشهر".
خيار المستهلك
يشير جان بيروتي، رئيس نقابة المؤسسات السياحية البحرية وأمين عام اتحاد النقابات السياحية في لبنان، الى أن 60 في المئة من المنتجعات البحرية من فئة الثلاث أو الأربع نجوم تتقاضى أسعاراً مدروسة لا تتعدّى الـ 15 ألف ليرة لبنانية عن الشخص البالغ ونصف هذه التسعيرة عن الأولاد، في مقابل المؤسسات الكبيرة ذات الخمس نجوم أو أكثر والتي تبلغ بتعرفتها من 30 الى 35 ألف ليرة لبنانية عن الشخص الواحد.
ويضيف بيروتي ان "على طول الشاطىء اللبناني ما يفوق الـ300 مؤسسة سياحية مرغمة على اعلان أسعارها عند المدخل، تاركة لكل مواطن لبناني الاختيار بحسب ذوقه وقدرته المادية عملاً بمبدأ المضاربة المسموح به من وزارة السياحة. ويؤكد "نحن كنقابة نعطي توجيهات وتوصيات بوجوب وضع حدّ معين للتسعيرة لكننا لا نستطيع فرض الأمر. فبعض المؤسسات المرتفعة اسعارها تعتمد على تأمين كلّ وسائل الراحة والرفاهية وهذا أمر مكلف. لذا، فالمسؤولية تقع على مرتادي هذه الأماكن الذين يفضلون الاستلقاء على أسرّة فاخرة من خشب "التك" بدلاً من الكراسي البلاستيكية، علماً أن الشخص المتوسط الدخل يستطيع أن يقصد مسابح جيدة تمتاز بالنظافة وتلتزم شروط السلامة العامة وتقدم خدمات كثيرة مجاناً مثل توفير مظلة وطاولة وسرير، بكلفة تراوح من 3 آلاف ليرة الى 10 آلاف ليرة". ويختم "سنشهد أهم موسم سياحي منذ الـ 90 وحتى اليوم اذا استمر الوضع السياسي والهدوء الأمني على ما هو عليه".
السان بلاش
بما أن اللبناني لا تنقصه الأفكار والحلول نتيجة الضائقة المادية المتفاقمة نجده يختار "السان بلاش" أو الأنهار العذبة التي لا تقلّ خطورة عن مجانية "المالح".
ورغم أعداد الغرقى المتزايد كل عام في مثل هذه الأماكن، الا أنها تنجح في اجتذاب آلاف السابحين نهاية كل أسبوع من دون أن يستوعب قاصديها أبعاد مشوارهم "الانتحاري". فمسابحنا الشعبية خطر يدق ناقوسه مواطنون لفظهم الحرّ على الشاطىء، وبما أنهم لا يدفعون ثمناً نقدياً لدخوله، نجدهم يدفعون مباشرة من صحتهم ثمن الخيار الأسهل والاهمال المتوارث عند أطباء الجلد والعين والأذن والأمعاء وغيرهم.
فالـ"الفيروسات" على مثل هذه الشواطىء تتنوّع وتتكاثر لأنها أقرب الى مكب نفايات منها الى مسابح، كما أنها عرضة لأنواء وتيارات بحرية وأمواج "فالتة" في ظل غياب تام للمسعفين والمنقذين البحريين.
من دون أن ننسى طبعاً التحدّث عن أسباب التلوث على شواطئنا والمتمثلة بتصرّف اللبناني السلبي وعدائه الظاهر للطبيعة، بالاضافة الى وجود قساطل قريبة من الشاطىء تسرّب المياه المبتذلة اليه وبكميات كثيفة، ثم الفوضى وعدم الرقابة التي شجعت البواخر على تفريغ حمولتها في مياهنا: مازوت، خزانات، سلع فاسدة، حيوانات ميتة، زيوت محروقة. كما أن المسابح الشعبية تقع دائما بين مصبين للمياه المبتذلة، وحملة التنظيف فيها تقتصر على ازاحة النفايات وطمرها على جانبي المسبح. وهكذا، يختار بعضهم المسابح المجانية بكل ويلاتها من أجل توفير المال في ظروف اقتصادية صعبة يمرّ بها الجميع، فيما "بالعو" البحر يزيدون التسعيرة وينتقون النخب المالية لدخول مسابحهم الخاصة والغالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصائح يؤخذ بها
- لا تسبح الى عمق البحر منفرداً.
- لا تسبح أيام الموج العالي ووجود التيارات.
- المناطق الرملية والخلجان الواسعة أماكن محببة للتيارات، تقوى وتخفّ حسب الطقس.
- ينتج الغرق دائماً من جراء التعب والمحاولات اليائسة للسباحة ضد التيار ما يسبب انهاكاً وضيقاً في التنفس قاتلين.
- في حال كنت وحيداً: اسبح سباحة خفيفة على ظهرك وجار التيار حتى ينتهي.
- تجنب الخوف والتوتر والتقلص العصبي أثناء السباحة.
- نفذ التعليمات اذا رأيت على الشاطىء راية حمراء كتب عليها "يرجى عدم النزول الى البحر حفاظاً على سلامتكم".
- تجنّب التعرّض للشمس في الفترة الممتدّة من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى الثالثة بعد الظهر.
- ابقَ بعيداً من القوارب البخارية والدراجات المائية.
- تأكد من مهارة الطفل في السباحة كل عام.
- اختر الشاطىء الآمن الذي تتوافر فيه شروط السلامة وعمال الانقاذ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للأطفال وذويهم
نصائح يفضل اتباعها من أجل تفادي الاضطرابات الناتجة من الشمس، ومخاطر البحر:
- شرب كمية كبيرة من السوائل كل ساعة، حتى في حال عدم الشعور بالظمأ.
- التمدّد في أماكن ظليلة كلما أمكن ذلك.
- عدم تناول سوائل تحتوي الكافيين أو السكر.
- استخدام نظارات شمس طبيّة CE واعتمار قبعات واسعة.
- وضع "كريم" واقٍ باستمرار.
- تفادي البروتينات في الأكل التي تسبب زيادة الحرارة الأيضية للجسم.
- تجنّب تناول الطعام والسباحة فوراً بعد ذلك.
- السباحة في المنطقة المحدّدة للسابحين وفي خط مواز للشاطئ.
- عدم السباحة قرب الصخور، لكثرة التيارات البحرية حولها.
- اتباع الارشادات المكتوبة على الشاطئ لأنها وضعت لتأمين السلامة العامة.
نار فوق و...تحت
تعليقات: