الأطفال والطوارئ: علاقة حميمة بين الطرفين
الأطفال باتوا يتحاشون الاقتراب لتحية القبعات الزرق
القطاع الشرقي :
«استبشرنا خيرا واعتقدنا أننا امام مرحلة جديدة من الطمأنينة وراحة البال»، تقول ام عصام الحلبي بحسرة وهي تترقب بلهفة، عودة زوجها سائق سيارة «الفان» على طرقات القرى الحدودية. «يبدو انه تأخر اليوم، عسى المانع خيرا»، تضيف. «لقد تحسن العمل بشكل مقبول وهناك حركة بالفعل، عائدة لحالة الاسترخاء والطمأنينة التي واكبت انتشار «اليونيفيل» في اعقاب حرب تموز اللعينة»، تستطرد.
«لقد تفاءلنا بالفعل بوجود اصحاب القبعات الزرق، لقد اتوا لمساعدتنا وابدوا كل اهتمام ببعض حاجياتنا، حركوا الوضع الاقتصادي، اعتقدنا اننا امام مرحلة جديدة تنسينا مآسي سنوات الاحتلال البغيض، لكن يبدو انه كتب علينا ان نبقى في هذا النفق المظلم مع القلق والخوف بعد عبوة الدردارة القاتلة. هكذا بلحظة تغير الوضع وتبدل الأمل»، تقول جارتها سلمى، التي كانت تنتظر بقلق رجوع ولدها صابر من مركز امتحاناته الرسمية في مرجعيون. وتتساءل «هل عدنا بالفعل الى حقبة مشابهة في بعض جوانبها الى يوميات الاحتلال الشنيعة: عبوات، دخان، دماء، دمار، خوف، رعب، قطع طرقات، تحقيقات، مداهمات».
ما اشبه اليوم بالأمس، يقول بكل حسرة حسن العنز وهو بائع متجول، يقضي النهار في التنقل بين قرية واخرى، ينادي على حمولة سيارته من بطيخ الوزاني: لقد عادت الحالة الى الخلف بسرعة يا عمي، كنت ابيع طنا من البطيخ خلال «صبحية»، لقد تراجعت تجارتي الى اقل من النصف بعد عملية التفجير في الدردارة. ان ما حصل قلب المقاييس فعلا. كنا في راحة بال وعدنا الى الخوف والقلق على المصير.
كان اطفال الحي الغربي في حاصبيا المحاذي لطريق عام مرجعيون ـ حاصبيا، ينتظرون سيارات «اليونيفيل» العابرة بكثافة، يهرعون لملاقاة عناصرها بالتصفيق. ونمت علاقة ود بين الطرفين عززتها التحيات والبسمات المتبادلة، اضافة الى قطع الشوكولا وبعض الهدايا التي يرميها اليهم جنود القبعات الزرق. يقول الشاب مرقص الزعني: للأسف هذا المشهد تبدل اليوم والأطفال باتوا يتحاشون الاقتراب من السيارات البيضاء هذه.
انها امثلة للواقع المستجد في القرى الحدودية، التي فاجأتها بالفعل الأعمال العسكرية الأخيرة ، من إطلاق للصواريخ الى عملية التفجير في الدردارة، حتى بات السؤال الى أين، ومن يضمن عودة الهدوء، وهل ما حصل بداية لمرحلة جديدة من النزاع على الأرض الجنوبية التي يدفع ثمنها المواطن المسكين؟
يقول الشاب سامر الذي يعمل داخل تجمع الكتيبة الإسبانية «لقد انقلب الوضع هنا رأسا على عقب، غابت الابتسامات، الكل في حالة ارباك، وجوه متجهمة، قلق على المستقبل، اتصالات الاطمئنان الهاتفية بين الجنود وذويهم شبه متواصلة وباتت سيدة الموقف. وهناك تشدد في تفتيش ومراقبة العاملين داخل المراكز الدولية. هذا من حقهم ولا نلومهم ابدا، وهم يستعملون كاشفات الكترونية لمراقبة حركة الداخلين الى مواقعهم، وهناك اجهزة امنية تجمع المعلومات عن المستخدمين، وباتت عندنا خشية من طردنا او طرد البعض لأسباب يعتبرونها امنية. بتنا في خوف حقيقي على مصيرنا، فأقل عامل هنا يقبض خمسمئة دولار، فماذا ترانا نفعل ان طردنا من عملنا في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟».
يهز فايز حسين رأسه وهو يراقب دورية اسبانية تضم ثلاث سيارات عسكرية من نوع «هامر». يقول انها مشابهة لمثيلاتها التي كان يستعملها جيش الاحتلال الإسرائيلي. يتذكر: كنا نخشى السير خلفها لأنها كانت مستهدفة بعبوات المقاومة. ويسأل هل ستكون «هامر السلام البيضاء» اليوم هدفا ايضا لعبوات جماعات ستبقى على الأرجح غير معروفة الا عبر بيانات مموهة؟ وبحسرة يردد: تفاءلنا خيرا بهذه المواكب السيارة لـ«اليونيفيل» تعبر طرقاتنا بكل امل، شاهدنا عجقة في المطاعم والمنتزهات وطالت السهرات، ارتفعت اسعار الأراضي، تضاعفت بدلات ايجارات الشقق والمحال التجارية، شهدت الأسواق حركة وبركة، لكن للأسف عاد الوضع الى نقطة الصفر والميزان يميل بسرعة باتجاه التشاؤم.
يقول جورج، صاحب احد المقاهي الحديثة، التي نبتت كالفطر في العديد من القرى الحدودية: الكل هنا يرقب الأيام القليلة القادمة، انها آخر الفرص لنا بالفعل، فعناصر «اليونيفيل» حركوا الحياة، واعطوا الأوكسيجين لهذه المنطقة الخارجة من بين الأنقاض. والحفاظ على رجال القبعات الزرق يجب ان يكون اولوية عند الجميع. باتت مصالحنا مشتركة معهم فعلا ونأمل ان لا تكون عبوة الدردارة بداية العودة الى الوراء.
آلية للطوارئ تعبر حاجزاً للجيش
تعليقات: